■ دارت خلال الأيام الماضية، معركة دبلوماسية ضارية اتسمت بالصمت بين الفلسطينيين والإسرائيليين على الساحة الأوروبية، محورها مشروع القرار الداعى إلى إعلان القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الذى قدمته السويد إلى اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى الذى انعقد فى بروكسل الأسبوع الماضى. السلطة الفلسطينية بدأت مساعى حثيثة لإقناع الاتحاد الأوروبى بمواصلة دعمه ومساعيه الرامية لإعلان القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، وهدد رئيس الحكومة سلام فياض الأوروبيين بأن أى تراجع لدورهم سيشكل ضربة قوية لجهود السلام، خصوصاً بعد تراجع الموقف الأمريكى من وقف الاستيطان، فأمام انشغال الجانب الأمريكى فى أزمات وملفات أخرى تبدو أكثر إلحاحاً مثل أفغانستان والعراق وإيران وغيرها، وجد الفلسطينيون أنفسهم يسيرون فى تجاه بعيد عن ذلك الذى أرادت لهم واشنطن السير فيه، وعليه فإن السلطة الفلسطينية حددت خياراتها الداخلية والخارجية للمرحلة المقبلة بعيداً عن المفاوضات، كما أن الرئيس عباس حسم أمره بعدم العودة إليها طالما لم توقف إسرائيل الاستيطان تماماً. وفى المقابل، تفرغ رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ومعه جيش من الدبلوماسيين العاملين فى السفارات الإسرائيلية فى أوروبا لإحباط المشروع، لكن مع صدور بيان الاتحاد الأوروبى، فقد انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض متفائل ومتشائم، فمن وجهة نظر الكثيرين يفتقر البيان إلى الاستجابة لتطلعات الشعب الفلسطينى الذى يسومه المحتل سوء العذاب وتخذله السياسات الدولية المؤيدة والمتواطئة مع إسرائيل، وهناك من يرى أن دول الاتحاد الأوروبى انصاعت للضغوط الإسرائيلية. وأياً كان الجدل القائم، فإن ما صدر فى بيان مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى لا يلبى تطلعات الفلسطينيين، ولكنه يشكل خطوة إلى الأمام بالمقياس النسبى، كما أنه مؤشر على مستقبل أفضل، فى ضوء 18 عاماً من المفاوضات والبحث عن السلام، حاول الفلسطينيون خلالها وناضلوا بكل السبل والوسائل لبلوغ أهدافهم، لكن النتيجة كانت الفشل وربما فى ظل التوازنات الدولية وسيطرة الولاياتالمتحدة على النظام العالمى كان من المهم النضال على جبهة الرأى العام العالمى، فى وقت كان إقرار مشروع البيان السويدى فيه سيشكل انتقالة حقيقية للسياسة الأوروبية وانتصارات مهمة للفلسطينيين، لكن ذلك لم يحصل، وما حصل لا يرتقى إلى المستوى المطلوب ولكنه يشكل تقدماً جيداً تجاه تفهم المجتمع الدولى للحقوق الفلسطينية. ولم يكن يتوقع أن يتبنى الاتحاد الأوروبى الورقة السويدية بالكامل، لأن أوروبا أيضاً هى حليفة لإسرائيل، بل هى أصلاً من صنع إسرائيل، وهى جزء عضوى من المشروع الغربى، لكن من وجهة نظر المراقبين فإن البيان لو تمعن النظر فيه، رغم أنه أقل من المطلوب والمفترض أيضاً، يعتبر بداية معركة سياسية طويلة سيتم الإعداد الدائم لها والتحشيد المتواصل للظفر فيها. والبيان الأوروبى رغم بعض الثغرات التى احتواها والنقاط التى تغافل عنها هو موقف إيجابى وخطوة متقدمة فى إطار المعركة السياسية التى تدور بين الفلسطينيين وإسرائيل، فى كل منعطف دولى وعند كل مفترق سياسى وفى دهاليز وأروقة المنابر الدولية. كما أن الاتحاد الأوروبى لم يذهب بعيداً عن الورقة السويدية، لكنه لم يستطع أن يقترب منها أكثر مما اقترب فى هذه المرحلة، والمسافة الفاصلة بين الموقف السويدى المسجل فى الوثيقة، والموقف الأوروبى المعبر عنه فى البيان مازالت ساحة للفعل الفلسطينى وميداناً واسعاً للدبلوماسية السياسية المبادرة. وفى المحصلة، فإن بيان الاتحاد الأوروبى حول القدس (وهو حول القدس فعلاً وحول قضايا أخرى كثيرة) يضع فلسطين على أبواب النجاح، ويضع إسرائيل على أبواب الفشل!!