كانت الحروب والصراعات قديماً تتم بين الدول والإمبراطوريات، ولكنها الآن أصبحت بين دولة وموقع إنترنت مثل الحال فى صراع الصين مع جوجل، أو دولة وقناة فضائية مثل مصر وقناة الجزيرة، ولكن شتان بين الصراع على المعلومات فى الحالة الأولى، والصراع على كارت التشفير فى الحالة الثانية!، الحرب الأولى دليل على قوة موقع إنترنت، أما حربنا الثانية فهى دليل على هوان دولة يضعها أبناؤها فى مواجهة قناة فضائية. المقارنة بين جوجل والجزيرة مقارنة ظالمة بالطبع ولكنها كانت لشرح كم التغيرات الذى طرأ على موازين القوى، فهذا المارد العم جوجل الذى انطلق من الشبكة العنكبوتية، حيث العالم الافتراضى الذى من صنع وابتكار الخيال والعقل، هذا المارد لم يكتف بأنه محرك بحث عن كلمات يكسب الملايين من خلال هذه الوظيفة، ولكن عفريت التطوير خرج من قمقم جوجل ليخلق «شبيك لبيك أسطورية وعصا إنترنت سحرية تفعل المعجزات»، فأنت تعرف عنوان عملك الجديد من جوجل وتحجز السينما من جوجل، وتطلب البيتزا وترسل البريد وتبحث عن الصور والفيديوهات وتكشف عند أفضل طبيب متخصص طبقاً لترتيبات جوجل، وتكسب إذا جمعت إعلانات وأنت فى بيتك من جوجل، وحتى قصور الملوك والرؤساء تتجول فيها وتدخل غرف نومهم بكل حرية عبر جوجل إيرث، ورغم أنف الحراس ورجال الأمن! ما يدهشنى هو روح المرح والدعابة التى تسيطر على موظفى عائلة جوجل تطبيقاً لشعار مؤسسى الشركة «الجدية شىء مختلف عن التجهم، ويجب أن يكون العمل باعثاً على المرح»!، راقب شعار جوجل فى المناسبات وكيف يحولونه بإبداع طفولى إلى لعبة يومية مختلفة، المرح لا يعنى أنك رجل هايف، والبهجة لا تعنى أنك قد فقدت وقارك، هم يخصصون 20% من وقتهم للتأمل وإبداع أفكار جديدة، وفى شهر أبريل من كل عام يخترعون دعابة يشغلون بها العالم ويعيدون شحن بطاريات البهجة بداخلهم، ففى إحدى السنوات ادعوا اختراع برنامج اسمه Google Lunar لطلب وظائف على سطح القمر، ومرة أخرى اخترعوا مشروباً خيالياً اسمه جوجل جولب لتنشيط العقل، أما أكبر كذبة أبريل هزلية قام بها «جوجل» فهى فى عام 2007 عندما زعم أنه بمجرد دخول برنامج من جوجل ستستطيع غمس كابل النت فى التواليت فتدخل مباشرة على الشبكة العنكبوتية بتواليت دوت كوم! يتحول العمل إلى لعبة، والموظف إلى طفل، والشركة إلى مدينة ملاهى لطيفة تستطيع فيها أن تتخيل بلا حدود، وتطير بلا أجنحة، لا تحدك سقوف ولا تمنعك حواجز، فلا تفكر فى عملية انتحارية تدمر بها نفسك والبشر والمبانى، أو تبحث عن النكد بملقاط ميكروسكوبى، أو تسجن أفكارك داخل قفص فولاذى صنعه لك متطرف أو متزمت أو دجال أو فهلوى. التقدم لن تصنعه الرفاهية وحدها ولا المال وحده ولكن يصنعه قبل هذا وذاك العقل الحر من قيود الأيديولوجيات الجاهزة، العقل المبدع هو صانع الرفاهية والتحضر، وجوجل مجرد سطر فى قصة طويلة اسمها قصة العقل الجرىء، برومثيوس الجديد سارق نار المعرفة من آلهة الأوليمبى.