أفضل المعلومات هى التى تسعى إليك، ولا تسعى أنت إليها، وهذا ما حدث معنا، لم يخطر ببالنا أبداً أن يقودنا اختراق شبكة الإتجار فى الأعضاء البشرية إلى التعرف على نشاط لآخر تمارسه الشبكة.. نشاط لا يقل خطورة ولا وضاعة عن تجارة الأعضاء، والغريب أن ذلك التعرف كان بالصدفة البحتة. طبقاً لأحد المواعيد التى حددها لى محمد سمسار الكلى ذهبت إلى منطقة إمبابة حيث يسكن لأقابله، لم أكن أعرف مكان منزله، ولذلك عندما لم أجده فى المكان الذى حدده لى بحثت عن «أم منة» الوسيطة التى عرفتنى عليه، غير أنى لم أجدها هى الأخرى.. ووجدت بدلاً منها سيدة تبيع الجبن الأبيض فى الشارع، سألتها عن أم منة فقالت لى إنها انصرفت مبكراً بسبب إصابتها بحالة إعياء وتسألنى إن كنت أريد شيئاً، فسألتها عما إذا كانت تعرف أين يسكن محمد؟، وراحت تستفسر منى عن محمد هذا فأخذت فى وصفه لها لتنظر إلىّ بريبة شديدة وواصلت الاستفسار عن طبيعة حاجتى لمحمد هذا فأقول لها إنه حدد لى موعداً هنا لأن بينى وبينه «شغل» تعود لتتساءل عن طبيعة الشغل قائلة بصوت هامس «مصلحة يعنى»، ألمس فى صوتها نبرة غريبة وأشعر أن الحوار يدخل فى مناطق مظلمة، فقررت أن أستدرجها وبالفعل ندخل فى حوار «على المتغطى» تسألنى فيه إن كنت أريد محمد فى «مصلحة» فأرد بالإيجاب، فتظهر دهشتها من مظهرى قائلة «بس يا بنتى أنتى شكلك بنت ناس ومش بتاعة الحاجات دى»، أشعر إن «الحاجات دى» نشاطات غير مشروعة فأرسم تعبيرًا بريئًا على وجهى وأتحجج بالظروف لتندفع هى فى حديث تنصحنى فيه أن أبعد عن «السكة الوحشة» التى يمشى فيها محمد، وبعد شد وجذب أحصل منها على اعتراف- مسجل بالمناسبة- تقول فيه: إن محمد يعمل وسيط فى «تسريح الفتيات» وهى تجارة أخرى محرمة، يجرمها القانون هذه المرة. لا يمر اليوم دون أن أتلقى اتصالاً هاتفياً من محمد يعتذر فيه عن تخلفى عن موعده معى ويطلب منى المرور عليه فى الغد فأرفض بعد أن أقص عليه ما سمعته من بائعة الجبن فينفى بإصرار مؤكداً أنه لا يعرف بائعة الجبن تلك «ولا عمره شافها»، ويطلب منى ألا أستمع لأى أحد يريد أن يستفيد، وهو نفس الطلب الذى طلبته منى أم منة نافية بدورها أن يكون محمد له فى «السكك البطالة»، ومؤكدة أنها «ست محترمة» تخاف علىّ مثلما تخاف على بناتها، فأطلب منها أن تبلغ محمد أن يقابلنى بعيداً عن المنطقة بعد ذلك، وهو ما يتحقق بالفعل. الطريف فى الموضوع أن محمد ظل طوال علاقته بى يحاول أن يثبت لى دائماً أنه إنسان محترم، يخاف علىّ كما لو كنت أخته أو ابنته كما كان يردد دائماً، على أننا لم نشأ أن نخوض فى هذا الموضوع بالتحقق، وإجراء التحريات حتى لا نشتت أنفسنا واكتفينا فيه بما حصلنا عليه من تسجيلات لا نزال حتى هذه اللحظة نحتفظ بها.