إعلان أول نموذج قياسي للقرى الخضراء الذكية بجهود مشتركة بين جامعة طنطا ومحافظة الغربية    الصين تضخ 80 مليار دولار في استثمارات الطاقة النظيفة بالخارج لفتح أسواق جديدة    معهد الفلك: زلزال تركيا وقع في منطقة بعيدة.. وبعض المصريين يثيرون بروباجندا    برلمانية: لقاء السيسي مع حفتر رسالة حاسمة لحماية الأمن القومي المصري وصون استقرار ليبيا    نجم الإنتر يشيد بمحمد صلاح رغم استبعاده: "واحد من الأفضل في العالم"    بيراميدز يشارك في كأس عاصمة مصر بفريق الناشئين    المنيا تودّع المستشارين الأربعة في جنازة رسمية عقب حادث الطريق الصحراوي الشرقي    رجعت الشتوية.. شاهد فيديوهات الأمطار فى شوارع القاهرة وأجواء الشتاء    54 فيلما و6 مسابقات رسمية.. تعرف على تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان القاهرة للفيلم القصير    ارتفاع مؤشرات بورصة الدار البيضاء لدى إغلاق تعاملات اليوم    دبلوماسية العقول    اتعلم باليابانى    كوندي يكشف حقيقة خلافاته مع فليك بسبب تغيير مركزه    الجمعية العمومية لاتحاد الدراجات تعتمد خطة تطوير شاملة    رئيس الوزراء يتابع نتائج المبادرة الرئاسية «تحالف وتنمية»    بنداري يكشف عن الفئات العمرية الأعلى كثافات في تصويت للمصريين بالخارج    وزير الكهرباء يبحث مع سفير كوريا الجنوبية سبل دعم الشراكة في الطاقة المتجددة    «هند».. الثالثة فى مهرجان ذوى الاحتياجات بقطر    فيلم «الست»    ظريف يتلاسن مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي    الأسهم الأمريكية تفتتح على تباين مع ترقب الأسواق لاجتماع الاحتياطي الفيدرالي    مصدر أمني ينفي مزاعم الإخوان بشأن وفاة ضابط شرطة بسبب مادة سامة    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    موجة نزوح جديدة في السودان.. انعدام الأمن يدفع 775 مدنيا للفرار من كردفان خلال 24 ساعة    سفير اليونان يشارك احتفالات عيد سانت كاترين بمدينة جنوب سيناء    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    محافظ الجيزة يتابع انتظام العمل داخل مستشفى الصف المركزي ووحدة طب أسرة الفهميين    إنجاز أممي جديد لمصر.. وأمل مبدي: اختيار مستحق للدكتور أشرف صبحي    تسليم جوائز التميز الصحفي بالهيئة الوطنية للصحافة في احتفالية موسعة    عضو مجلس الزمالك يتبرع ب400 ألف دولار لسداد مستحقات اللاعبين الأجانب    إعلان توصيات المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    "إيقاف يورشيتش وسامي".. رابطة الأندية تعلن عقوبات مباراة بتروجت وبيراميدز في الدوري    وزير الصحة يبحث مع الأوروبي للاستثمار إطلاق مصنع لقاحات متعدد المراحل لتوطين الصناعة في مصر    السيدة زينب مشاركة بمسابقة بورسعيد لحفظ القرآن: سأموت خادمة لكتاب الله    وزير الزراعة يكشف تفاصيل جديدة بشأن افتتاح حديقة الحيوان    بعد ساعتين فقط.. عودة الخط الساخن ل «الإسعاف» وانتظام الخدمة بالمحافظات    أمين الأعلى للمستشفيات الجامعية يتفقد عين شمس الجامعي بالعبور ويطمئن على مصابي غزة    وزير الصحة يتابع تطورات الاتفاقيات الدولية لإنشاء مصنع اللقاحات متعدد المراحل    «القومي للمرأة» يعقد ندوة حول حماية المرأة من مخاطر الإنترنت    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    نادي قضاة المنيا يستعد لتشييع جثامين القضاة الأربعة ضحايا حادث الطريق الصحراوي    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي ال15 للتنمية المستدامة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية    السفير الأمريكى فى لبنان: اتصالات قائمة لزيارة قائد الجيش اللبناني إلى واشنطن    لتعزيز التعاون بين القطاع القضائي والمؤسسات الأكاديمية، مساعد وزير العدل يزور حقوق عين شمس    «هجرة الماء» يحصد أفضل سينوغرافيا بمهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    حبس زوجين وشقيق الزوجة لقطع عضو شخص بالمنوفية    موجة تعيينات قضائية غير مسبوقة لدفعات 2024.. فتح باب التقديم في جميع الهيئات لتجديد الدماء وتمكين الشباب    زراعة الفيوم تعقد اجتماعا لعرض أنشطة مبادرة "ازرع"    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    قرار جديد من المحكمة بشأن المتهمين في واقعة السباح يوسف    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    نيللي كريم تعلن انطلاق تصوير مسلسل "على قد الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحطةُ الأخيرة

بعد أيام قليلة، كانت مهاتفاتٌ لابد ستتمُّ بين الأبنودى والرخاوى والغيطانى والقعيد والمعلّم، لتنسيق عيد ميلاد الأستاذ. ولو عُدنا بالزمن عقدين للوراء، لانضمَّت مهاتفاتٌ من حرافيشَ قدامى: توفيق صالح، أحمد مظهر، ثابت أمين.. وإنْ رجعنا بالزمن أكثر حتى 1961، لشهدنا أولَ عيد ميلاد لنجيب محفوظ منذ ولادته عام 1911، أقامه الأستاذ هيكل، لبلوغ محفوظ الخمسين، بحضور أم كلثوم، وتوفيق الحكيم، وصلاح جاهين.
أجملُ ما فى كتاب «المحطة الأخيرة»، الصادر عن الشروق، أن مؤلفه أخفقَ فيما رمى إليه! حاولَ المؤلفُ أن يسردَ تفاصيلَ «المحطة الأخيرة» فى حياة رمز مصرىّ كبير، سردًا توثيقيًّا مُحايدًا، إيمانًا منه بأحقيّة كلِّ مصرىّ، وكلِّ عربىّ، بل كلِّ مهتمٍّ بالأدب فى العالم، فى أن يقفَ على آخر أيام عظيم مرَّ على هذا الكوكب. لكن طبقةَ الحياد الشفيفة تلك، أظهرت من ورائها وجعًا نبيلاً احتلَّ قلبَ رجل يشهدُ احتضارَ أبيه، فيما يداه مغلولتان عن إنقاذه.
المؤلفُ صاحبُ فكرة تشييد تمثال لمحفوظ فى ميدان يحمل اسمه. الكاتبُ المسرحىّ محمد سلماوى، أكثرُ المقرّبين من محفوظ، إذْ امتدّت علاقتهما ثلاثين عامًا، وسلماوى بعدُ يخطو خُطاه الأولى فى دنيا الكتابة والصحافة. اختاره محفوظ، العَزوفُ عن السفر، لتسلم جائزة نوبل نيابةً عنه عام 88.
فأصرَّ سلماوى على اصطحاب أم كلثوم وفاطمة، كريمتَىْ محفوظ، إلى استوكهولم لتحملا درعَ أبيهما، بينما يُلقى كلمةَ أديب مصر الكبير. أن يمرَّ كاتبٌ شابٌ بتجربة ارتقاء منصة الأكاديمية السويدية، أمام الملك، تجربةٌ لا شكَّ فريدة، تحفرُ فى النفس طوطمًا يقول: إن الجديّةَ والاشتغالَ على النفس يصنعان النجاح.
على مدى خمسة وأربعين يومًا، ظَلَّ سلماوى يرى أباه الروحىّ يزوى وينطفئ شيئًا فشيئًا، على سريره بمستشفى الشرطة المواجهة نيلَ مصر الخالد. لكنه، شأنَ كتّاب مسرح العبث، راح يخدعُ نفسَه بأنَّ ما يراه من ذبول ليس إلا وعكةً عابرةً سيقومُ الشيخُ الجليلُ بعدها معافًى مرحًا ساخرًا كما اعتاد أن يراه.
فى اليوم الأخير، ومثلما يفعل يوميًّا، سأل الأطباءَ عن حال الأستاذ، فانقسم التوصيفُ بين متناقضيْن: الحالُ مستقرةٌ-الحالُ حرجة! يدخلُ فيجدُ الأستاذَ فاقدًا الوعى، لا يشعرُ بمَن حوله. يقتربُ منه، يكلّمه بصوتٍ عال: «ازيك يا أستاذ نجيب؟» فى يده كتاب «أحلام فترة النقاهة» الذى طُبع بالأمس، يذهبُ به كلَّ نهار أملاً فى لحظة وعى من الأستاذ، لكى يُدخلَ البهجةَ إلى قلبه. لحظةُ الوعى لا تجىء.
وسلماوى يُصرُّ ألا يصدّقَ أنها النهاية. يحكى للنائم فى غيبوبته عن جمال الغلاف، وصورته قابضًا على عصاه. يشرعُ فى قراءة حلمٍ أو اثنين، ثم يوهمُ نفسَه بأن الأستاذ سمع، وابتسم!
يخرجُ باحثًا عن وحدته على نيل مصر. ثم تأتى الفقرةُ الأبدعُ فى الكتاب: «هذا شارعُ النيل، وفى الوقت نفسه شارع جمال عبدالناصر. مثله مثل أشياء كثيرة فى بلادنا تحملُ أكثرَ من اسم، ولها أكثر من وجه.
لماذا لا نكون محدَّدين؟ ولا نعرف الحقيقة؟ هل الأستاذُ فى حالٍ خطرة، أم حالُه مستقرة؟ هل هذا الشارعُ هو النيل، أم شارع جمال عبد الناصر؟» هذا التراوحُ المدهشُ بين الموضوعىّ والذاتىّ من جماليات تيار الوعى. هو استسلامٌ خَدِر لحال التأرجح الناعمة بين الوعى واللاوعى، بين العقل الحاضر والعقل الباطن، هو هروبٌ من صدمة الواقع الجارح، والإنصات لعمق الروح السحيقة، حيث تكمنُ الأحلامُ والمُنى.
 ثم يعاود الكاتبُ خداعَ النفس وإيهامَها بأن كلَّ شىء على ما يُرام: «وصلتُ إلى قرار بأن أختار الحقيقةَ التى تعجبُنى. هذا شارع جمال عبد الناصر، فالنيلُ ليس بحاجة إلى أن يُسمى شارعٌ باسمه! ونجيب محفوظ حاله مستقرة. هذه هى الحقيقة.. حين يصحو الأستاذ سأخبرُه أننى وجدتُ مقهًى قريبًا من منزله يرى النيل».
فرادةُ الكتاب، ليست، وحسب، فى تسجيله لحظاتِ وجع محفوظ واحتضاره، بل وجع الذين عايشوا هذا الاحتضار النبيل، مِن أحِبَته وتلامذته.
يا الذى قال: «الموتُ لا يُجْهِزُ على الحياة!»: كل سنة وأنت طيب، حيثما تكون!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.