الصحفى، مهما كانت جنسيته، «فضحى» مجرد أن يعثر، مصادفة أو بحثاً عما يهم الناس، فيسرع بالنشر قبل أن يسبقه منافس، ولا شىء يغيظ صحيفة أو محطة إذاعة أكثر من أن تسبقها أخرى، فلماذا شذت ال«بى بى سى» عن القاعدة فيما سمى «فضيحة كتم أسرار بحوث البيئة عن الناس»، وتركت صحيفة «ديلى تلجراف» تسبقها إلى خبر مسح باحثى أهم مركز لدراسات البيئة فى بريطانيا من أجهزة الكمبيوتر لإخفاء ما يثير الشكوك حول ما يقبله العالم عن أسباب ما يسمى «ظاهرة الاحتباس الحرارى» ! موضوع البيئة وما يسمى «ظاهرة الاحتباس الحرارى» موضوع سائد فى دائرة الاهتمام الصحفى حول العالم، خاصة عشية قمة كوبنهاجن ومبادرات زعماء العالم للتوصل إلى اتفاقيات لتقليل غازات وعوادم الاحتراق والبحث عن مصادر نظيفة للطاقة كبديل عن مصادر المحروقات. طبعاً ما زاد من الاهتمام هو اقتناع الرأى العام فى الغرب، أو بالتحديد اقتناع أجهزة التأثير على الرأى العام، كصحف وإذاعة وتليفزيون، والأهم المعلمون والمعلمات فى المدارس الابتدائية والذين يكونون الانطباع الأول ويتركونه فى نفس وعقل الطفل مدى الحياة بأن ظاهرة الاحتباس الحرارى هى أخطر ما يواجه البشرية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أقنع التيار الأكثر تأثيراً فى الرأى العام نفسه بأن الإنسان هو المسؤول الأول عن هذه الظاهرة، وفى غضون أشهر، وليس سنوات، أقنع هذا التيار، والذى يتنامى فى الإعلام ذى النزعة اليسارية، بزعامة ال«بى بى سى» والجارديان والأندبندنت، أن الإنسان هو المسؤول «الوحيد» عن ظاهرة الاحتباس الحرارى. أدت هذه القناعة إلى سكوت الصحافة عن استغلال الساسة لهذا التيار لفرض ضرائب سميت «الضرائب الخضراء» على الوقود وعلى السفر بالطائرات وغيرها من الأنشطة التى لا يستطيع المواطن فى حياته اليومية الاستغناء عنها، أى أصبحت ضرائب إجبارية، وإن غلفت بشكل الضرائب الاختيارية. ففى الطبقات محدودة الدخل تضطر الزوجة الأم فيها للعمل لأن دخل الزوج لا يكفى، ويصبح من الاستحالة توصيل الأطفال للمدرسة قبل ذهاب الزوجة للعمل دون سيارة، وهنا تصبح الضرائب على استخدام السيارة إجبارية رغم دعوى الساسة بأنها اختيارية، أى لو ركبت الهانم الأتوبيس بدل السيارة لوفرت الضريبة. الأخطر من ذلك أن «هوجة» البيئة أصبحت عقيدة لدى اليسار الليبرالى، وكل من يشكك فى ظاهرة الاحتباس الحرارى يصبح كافرا يستحق مصير الساحرات فى القرون الوسطى، وهو أمر تدعمه مجموعة صناعات جديدة تبيع للناس أفكار تخفيض استخدام الوقود أو تصنيع مراوح توليد الكهرباء من الهواء. قبل أيام كشفت صحيفة ال«ديلى تلجراف» المنبر الوحيد الذى يسمح لبعض العلماء بطرح أسئلة تشكك فى العقيدة البيئية الجديدة أن باحثى قسم دراسة تغيير المناخ فى جامعة شرق أنجيليا وهو المعهد البريطانى الرائد فى هذا المجال ويتلقى ميزانية ضخمة تتزايد باضطرار مسحوا ذاكرة أجهزة الكمبيوتر للتخلص من آلاف الرسائل الإلكترونية المتبادلة مع علماء أرصاد جوية وعلماء طبيعة تلقى أبحاثهم بالشك حول انفراد الإنسان والدول الصناعية «بجريمة» التسبب فى ظاهرة الاحتباس الحرارى، أو التشكيك فى العقيدة الجديدة. قد تكون دوافع الباحثين خشية فقدان التمويل، لكن ما هى دوافع ال«بى بى سى» التى تلقى قسم نشرات الأرصاد الجوية فيها قبل ستة أسابيع الرسائل التى مسحت لأنها تشكك فى نتائج أبحاث المعهد؟ رغم ضخامة الواقعة، ووقتيتها وسط الأخبار اليومية للاستعداد لمؤتمر كوبنهاجن. فإن هيئة ال«بى بى سى» التى أقنعت الناس بعقيدة الاحتباس الحرارى «طنشت» على موضوع الساعة الذى يهم العالم لتصبح شيطاناً أخرس فى معبد الديانة البيئية الجديدة.