ربحت مصر منصباً دولياً فى البنك الدولى باختيار وزير استثمارها د. محمود محيى الدين مديراً له.. وإن كانت الحكومة المصرية قد خسرت وزيراً سياسياً من طراز رفيع.. وافتقد مجلس الشعب نائباً كنت أعتقد أنه سيكون نموذجاً جديداً للوزير النائب، الذى يعرف واجباته الخدمية والرقابية والتشريعية.. والمؤكد أن أهالى كفر شكر قد افتقدوا نائباً ارتبط بهم قبل أن يحمل الحصانة بسنوات كثيرة، وقدم لهم وعوداً تحولت إلى خدمات حقيقية، وكانت له مواعيد ثابتة ومقدسة بالدائرة رغم انشغالاته الحكومية الكثيرة.. أما الحزب الوطنى فقد افتقد عنصراً إصلاحياً صاحب رؤية اقتصادية وسياسية.. وأتذكر أننى أجريت حواراً صحفياً على صفحات «المصرى اليوم» مع د. محمود محيى الدين أثناء حملة الرئيس مبارك الانتخابية عام 2005 بصفته عضواً بالأمانة العامة للحزب، وصممت ألا نتطرق إلى النواحى الاقتصادية، واكتشفت وقتها أن «محيى الدين» سياسى محنك، لديه حجج ومنطق فى الرد لا يضاهيه فيهما أحد.. وقد توقع فى هذا الحوار - الذى قال لى بعد نشره إن والدته قامت بوضعه فى برواز ثم تعليقه بمنزلها - إن حركة كفاية ستنهار بعد الانتخابات الرئاسية، لأنه لن يصبح لها دور فى الانتخابات البرلمانية أو بعدها.. وخرجت قيادات كفاية تهاجم الوزير على توقعاته.. وإن كانت الحقيقية الآن أن نبوءة «محيى الدين» قد تحققت بالفعل. يكفى محمود محيى الدين شهادة من رجل بخبرة د. فتحى سرور الذى يردد دائماً أنه أفضل وزير يرد على الاستجوابات بقوة، حيث يتعامل «محيى الدين» مع البرلمان ب«مزاج سياسى».. يحضر ويشارك فى المناقشات.. ويدافع ويرد عن وزارته وحزبه.. وليس كالوزراء الآخرين الذين يأتون إلى المجلس كموظفين، وكلما أتيحت لهم فرصة للتزويغ، فعلوها.. كما أنه ارتبط بعلاقات إنسانية وسياسية مع نواب الوطنى والمعارضة والمستقلين، خاصة أن الرجل طوال عمله بالوزارة وما قبله لم تطارده شائعات الفساد أو تحقيق منافع أو مكاسب شخصية وهو يتولى وزارة هى الأغنى بين حقائب الحكومة الأخرى. لقد ضرب محيى الدين نموذجاً فى الحوار مع المعارضة لم يسبقه إليه سوى د. حسام بدراوى فى قضايا التعليم والصحة، حينما ذهب إلى الأحزاب للحوار معها حول مشروعه «تمليك أصول الدولة».. كما حقق نتائج طيبة فى تطوير شركات قطاع الأعمال وإنهاء موجة اعتصامات شديدة خاصة فى قطاع النسيج، حيث تعامل مع الأزمات بمنطق الطبيب الجراح الذى وضع حلولاً جذرية للأزمة، وليس طبيب الطوارئ الذى يعتمد على المسكنات.. بالإضافة إلى دوره فى طريق الصعيد - البحر الأحمر وهو ليس فى نطاق تخصصه.. وسيظل الصعايدة وأنا منهم يتذكرونه بكل خير.. عندما تولى محمود محيى الدين موقعه الوزارى كأصغر وزير فى الحكومة توقع الكثيرون صعوده لتولى رئاسة الوزراء.. لكن يبدو أن البنك الدولى كان أكثر سرعة وحسماً فى الاستفادة بإمكانياته وخبراته، حتى عند خروجه من الحكومة أفاد محيى الدين الشعب المصرى دون أن يدرى، حيث سيعجل بإجراء تعديل وزارى قد يريح المصريين من بعض الوجوه، أبرزهم فاروق حسنى وأنس الفقى وأحمد المغربى!!