لماذا تخلف العقل العربى المعاصر؟، وهل هناك أمراض مزمنة سكنت هذا العقل هى التى جعلته غير قادر على اللحاق بركب الحضارة والتقدم، وغير مستعد لقبول المنهج العلمى فى التفكير؟، علامات استفهام مؤرقة أعتقد أن طرحها بإلحاح فضلاً عن الإجابة عليها سيصنع بداية التقدم والتغيير فى المجتمع العربى. حاول الإجابة على تلك الأسئلة د. نبيل على، وهو واحد من أفضل من كتب عن عصر المعلومات وعلاقة العرب به، وله محاولات رائدة لتصالح وتطويع اللغة العربية مع الكمبيوتر، وكتابه الأخير «العقل العربى ومجتمع المعرفة» صعب أن يلخص أو يختزل فى مقال صحفى، ولكنى سأعرض لأمراض العقل العربى أو ما أطلق عليه المؤلف الجوانب السلبية للتفكير العربى، وهو فى رأيى أفضل من قام بتشخيصها بذكاء ووعى ودقة. أولى سلبيات التفكير العربى هى أنه فكر أحادى الأبعاد يرى الأمور عادة من زاوية واحدة، والثانية هى أنه فكر يسوده طابع رد الفعل، وهو فكر قانع ملول يكتفى بأول بديل ويزهد فى استعراض باقى البدائل، وهو أيضاً يعانى من مرض اليقين وينشد الإجماع، برغم أن اليقين الكامل وهم، والإجماع الشامل خرافة. تفكيرنا العربى للأسف يكره علوم الرياضيات والمنطق، ولذلك فهو فاشل فى التجريد الذى هو بذرة التفكير العلمى المتطور والمتقدم، فالتجريد لسين وصاد ومعادلات وأرقام وأشكال ومنحنيات وخرائط.. الخ هى أولى أبجديات العلم الحقيقى غير الزائف، وفضلاً عن كراهية تفكيرنا للتجريد، فنحن أيضاً نتوه فى التفاصيل ونغرق فى السفاسف، فننسى الصورة الشاملة الكلية، يعانى فكرنا من النرجسية القبلية التى تجعله عاجزاً عن فهم الآخر المختلف والتواصل معه، فهو يعيش فى صدفة الذات وقوقعة القبيلة، يرتعش من مجرد الإطلال من نافذتها الضيقة. فكرنا العربى توفيقى تلفيقى، يهوى الترقيع لأنه غارق حتى أذنيه فى معادلة خاسرة، إما الأبيض أو الأسود، لا يمتلك أى مناطق رمادية أو أطياف مختلفة لقوس قزح، ليس لديه إلا الظلام الحالك أو النور المتوهج، ونحن أفشل كائنات الأرض فى التحاور، فسرعان ما نهاجم الشخص ولا نفند ماقال، ونبرر الخطأ بخطأ آخر، ونستخدم سلاح التخويف والسلطة، ونحاول الإقناع لا بالمنطق بل بإثارة الشفقة، فنقول مثلاً «معقول الراجل الغلبان الطيب ده ما ياخدش الجايزة» ولا نسأل ما علاقة الطيبة بالكفاءة المهنية، وندلل على صدق فكرتنا بأن الناس يؤيدونها برغم أن اتباع عدد كبير لفكرة لا يعنى صوابها، وفى نقاشاتنا دائماً نشتت تفكير بعضنا البعض ونلعب لعبة التزويغ، وأيضاً نحن مرضى بمرض التعميم المتسرع وعشق قولبة البشر فى قوالب مسبقة. أما أهم أسباب أمراضنا الفكرية فى رأى د.نبيل على فهى اللغة التى تشرنقت وتحنطت ولم تتطور مع العصر، فاللغة ليست قواعد نحو وصرف فقط ولكنها وعاء أفكار، أما كيف عوقتنا اللغة ووقفت حائلاً دون تفاعلنا مع العالم؟، فيجب أن تقرأ الكتاب لتعرف الإجابة. سؤال بينى وبينكم على هامش المقال، عمركم شفتوا د. نبيل على - هذا الكاتب العظيم - على شاشة تليفزيوننا الميمون!!، أتمنى أن يستضيفه أهل ماسبيرو الكرام بنسبة واحد على ألف من مرات استضافة الشيخ خالد الجندى.