من الواضح أن الحكومة لا تحترم وزراءها بعد أن تعودت على إهانتهم.. فالطريقة التى خرج بها وزير التربية والتعليم هى نفس الطريقة التى خرج بها وزير الرى.. ولا أعرف لماذا تتعمد الحكومة إهانة الوزير بإقصائه عن موقعه دون الإعلان عن أسباب؟ الغريب أنها منذ أيام كانت تدافع عن سياسة وزير التربية والتعليم تحت قبة البرلمان، وقد تصدت للمعارضة وللأصوات التى كانت تطالب بخروجه من الوزارة.. وفجأة تخلت عنه وذبحته أمام الرأى العام بتعديل وزارى منفرد.. وكأنها كانت تبيت نية الغدر فى داخلها للإطاحة به منذ بداية الحملة عليه داخل مجلس الشعب. نفس اللعبة.. ونفس المناورة التى اتبعتها مع وزير الرى مع الاختلاف فى السيناريو، فالوزير الدكتور محمود أبوزيد كان يستعد ليرأس وفد مصر كوزير للرى لحضور اجتماعات دول حوض نهر النيل، وفجأة خرجت علينا حكومة نظيف بتعديل وزارى لإبعاد أبوزيد وإسناد موقعه للبديل.. لقد أعطته «شلوت» من العيار الثقيل.. فى حين أن الرجل كان قد هيأ نفسه للسفر وأعد ملفاته ثم فاجأته الحكومة بقرار إبعاده دون أن تعلن عن أسباب إبعاده. لقد توقعنا أن يصدر بيان من الحكومة تبرر فيه سبب هذا التعديل المفاجئ الذى دعت الحاجة إليه، وهل كانت هناك ضرورة عاجلة للتغيير، لأن بقاء الوزير فى موقعه لا يحتمل التأجيل لتعديل وزارى شامل.. ثم ما الأسباب الملحة التى أجبرت الحكومة على استخدام هذه السياسة فى الإقصاءات المنفردة؟.. الحكومة تعلم أن صدى هذه الطريقة سيئ على بقية الوزراء.. وأصبح أى وزير غير مطمئن على مستقبله ولا يستبعد أن تغدر به الحكومة فى أى وقت، ومع ذلك أدارت ظهرها لهذه الأحاسيس وهذه المخاوف.. ثم لو أن الدكتور نظيف وضع نفسه مكان الجمل ومكان أبوزيد، وهو يعلم أنه كان فى يوم ما وزيراً للاتصالات فى حكومة عبيد، وفوجئ بصدور تعديل وزارى محدود مقصور على إبعاده من الوزارة.. ماذا كان وقع الصدمة عليه؟.. طبعاً السؤال لا يحتاج إلى إجابة لأنه يعرف إجابته جيداً. الذى أعرفه أن الحكومات المتحضرة هى التى تقوم بتقييم أداء وزرائها مرة كل عامين أو ثلاثة، وتخرج بتعديل وزارى يشمل استبعاد كل من كان أداؤه ضعيفاً أو لا يتمتع بقاعدة جماهيرية.. لكن حكومتنا لأنها تفرح بالعشوائيات فهى تلجأ إلى الأسلوب العشوائى فى استبعاد من ترى إبعاده حتى ولو كان عالماً.. وهذه السياسة هى التى أنتجتها أمانة السياسات فى الفترة الأخيرة.. فاستبعاد أبوزيد والجمل كان بتوجيه من أمانة السياسات.. بعد أن أعلنت عن عدم ارتياحها لا للوزير أبوزيد ولا للوزير الجمل.. فى حين أنه كان فى مقدورها أن تساهم فى الارتقاء بالسياسة التعليمية على ضوء ما لديها من دراسات أعدها خبراء التعليم، لكن يبدو أنها اكتفت بالتلويح لرئيس الحكومة بالإطاحة بهما ما دامت غير راضية عن أى وزير.. فهى بالتالى تعطى «سكة» لهذا الوزير ويتحمل وحده نقد الشارع المصرى.. ولذلك ترى أمانة السياسات أن تسانده بقوة رغم الشائعات التى كانت تلاحقه مرة باختيار رئيس جديد للحكومة.. ومرة بالتعديل الوزارى.. ومن الواضح أن نظيف ثبت أقدامه ولم تعد هناك نية لتغييره قبل الانتخابات الرئاسية القادمة. على أى حال.. التعديلات الوزارية الفردية هى تعبير عن فشل الحكومة رغم ما تعانيه من انقسامات بين الوزراء داخل مجلس الوزراء.. والذى يدهشك أن أمانة السياسات تعرف بالوزراء «الفتوة»، الذين يفرضون نفوذهم على رئيس الحكومة.. وعندنا أقرب مثل على هذا الدكتور يوسف بطرس غالى على اعتبار أنه أكثر الوزراء نفوذاً وقوة.. ولا يستطيع رئيس الحكومة أن يرفض له طلباً.. فى حين أن وزراء آخرين يشعرون بضعفهم ولذلك تراهم يتوقعون «إقصاءهم» فى أى لحظة حتى وصل الأمر بعدد منهم أن جمعوا أوراقهم الخاصة من مكاتبهم تحسباً لأى تعديل يشملهم فى أى لحظة.. وقد كان من المتوقع أن يكون الجمل واحداً من بين هؤلاء المستضعفين، فقد كان الرجل يشعر بأنه منبوذ بين الوزراء الأكثر نفوذاً والمقربين من رئيس الحكومة.. ومع ذلك كان يتلقى طعنات الأقلام وهجمات الفضائيات فى صمت، كلمة حق أقولها عن هذا الرجل.. إن الدكتور يسرى الجمل يتمتع بالخلق الطيب، لم نسمع صوته، ابتسامة لا تفارقه، كان الرجل يحمل أفكاراً من أجل تطوير التعليم ومع ذلك لم يجد قبولاً لا من أمانة السياسات ولا من رئيس الحكومة. لذلك أشفقت عليه وهو يخرج من الوزارة منفرداً، فالطريقة التى خرج بها غير إنسانية.. فالرجل لم يسع إلى كرسى الوزارة، فقد كان سعيداً بوظيفته كأستاذ جامعة.. كل ما كان يحلم به أن يكون رئيساً لأكاديمية أو رئيساً لإحدى الجامعات، لم يطلب أن يكون وزيراً.. وعندما وضعوا حقيبة وزارة التربية والتعليم فى أحضانه أخرج ما عنده وهذه هى إمكانياته.. فكون أنه لم يعجب أولياء الأمور أو المدرسين، الذين ثاروا ضده بعد تجربته فى تقييم أدائهم.. فمن الطبيعى أن يكون مكروهاً.. فلماذا نذبحه فى وضح النهار فى حين أن الشارع المصرى كان يتوقع تغيير الحكومة وليس تغيير الجمل؟ لقد كانت استقالة الوزير محمد منصور من موقعه كوزير للنقل فرصة لأكبر تعديل وزارى.. صحيح أن نظيف كان حزيناً على خروج منصور لأن إنجازاته كانت عنوانه.. وقد توقعنا أن نشهد تغييراً موسعاً بضخ دماء جديدة فى عدد من الوزارات.. لكن بقاء الحال على ما هو عليه لشهور أفقدنا الإحساس بأى تغيير قادم، فقد توقعنا فصل السكة الحديد عن النقل حتى لا تكون مصيدة يختم بها وزراء النقل حياتهم فى الحكومة.. وللأسف لم يحدث أن انفصلت السكة الحديد، بل بقيت فى أحضان وزارة النقل، وكأننا نصبنا الفخ للوزير الجديد ونحن نطالبه بأن تكون استقالته دائماً فى جيبه.. أما الجمل فله الله.. وللوزير الدكتور أحمد زكى بدر الدعاء.. أعانه الله على أولياء الأمور.. وكادر المعلمين. [email protected]