فى الوقت الذى ينشغل فيه المسلمون والمسيحيون بخناق بعض، ويقطعون (هدوم) بعض، يتسلل اللادينيون بألاعيبهم الخبيثة مستغلين ثورة الاتصالات وسهولة نقل المعلومات، وهذا التغيير الجذرى - مجهول العواقب- الذى حدث فى انتشار الأفكار فى الأعوام القليلة الماضية ليدمروا الدينين معا: الإسلام والمسيحية. احذرهم، إنهم لصوص العقول الذين يدنسون عقلك، ويستبيحون حرمتك، ويسرقون سكينتك.. احذرهم أكثر مما تحذر لصوص المنازل، فمقدار الدنس وكسر الأمان الذى يُحدثه من يقتحم غرفة نومك لا يقارن بالعبث الذى يصنعونه فى عقلك وسكينتك. عن اللادينيين أتكلم، عن الوباء الخبيث الذى انتشر عبر مواقع النت، يبلبلون أفكارك بطريقة ممنهجة مدروسة، ويخونون المنهج العلمى الذى يزعمون أنهم أولياؤه لإرباكك وزعزعة اعتقادك.. أساليب درستها جيدا فوجدتها فوق طاقة الأفراد.. عمل مؤسسى بكل معنى الكلمة، لمفكرين سخروا فكرهم بطريقة ممنهجة لتشكيك الناس فى أعز ما عندهم: إيمانهم بالخالق عز وجل، يسلبونك اليقين ثم يتركونك فى الهواء. أقسم أن وراءهم جهات منظمة بتمويل شيطانى سخى.. ذلك أن اللادينى العادى الذى يكفر بالأديان عامة تجده منهمكا فى دنياه غير مبال بشىء إلا ما يحقق مصلحته، وفى الغالب يكتم اعتقاده عمن حوله كيلا يصطدم بلا جدوى مع المجتمع ما دامت النهاية- فى اعتقاده- أنه سيتحول إلى ذرة كربون بلهاء.. وبعضهم يكتمون أفكارهم عن أولادهم خوفا عليهم من غياب الوازع الأخلاقى المرتبط تاريخياً بالدين، هذا هو اللادينى العادى كما عرفت بعضهم، وكما عرفتهم المجتمعات الإسلامية واستوعبتهم، فقد كانوا فى وادٍ والناس فى وادٍ، وكان خطرهم محدوداً، خصوصا وسيطرة الدولة على وسائل النشر موجودة وفعالة. والآن بعد اختفاء الحدود وانهيار السدود لم يعد مفر من المواجهة وكشف الألاعيب التى يستخدمونها.. لذلك أكتب هذا المقال منبها إلى حِيلهم الخبيثة، وطبيعى أن مقالى سيكون عن الإسلام، لأن الدين المسيحى له علماؤه الذين يستميتون فى الدفاع عنه. والحيلة التى لاحظت أنهم يستخدمونها بكثرة تعتمد على إرباك القارئ بحشد من المقدمات المنطقية يليها استنتاج لا علاقة له البتة بالمقدمة، ثم يضعون على لسان الإسلام ما لم يقله، ويخلطون هذا بذاك مستغلين غياب المنهج النقدى لدى شعوبنا نتيجة سياسات التعليم المتخلفة وبذلك يتسرب السم من خلال كلام ظاهره عقلانى ومنطقى. والحيلة الثانية هى تتبع العورات، فيتجاهلون آيات الرحمة ويركزون على آيات الحرب متجاهلين أسباب نزولها، ويتجاهلون رفق الرسول وسماحته، كل هذا لا يذكرونه بحرف ويفيضون فى وصف أهوال الحروب، ويتركون كمالات الصحابة الحافلة بالتضحية منقبين عن مواطن الضعف البشرى وكأنه مطلوب من المؤمن ألا يخطئ أبداً. والحيلة الثالثة هى أخذ الأديان بذنب أتباعهاً غافلين أن القواعد الدينية تحكم الجميع فإذا تجاهلها أحد- كائنا من كان- فالذنب ذنبه وليس ذنب الدين، هذا ينطبق على أتباع كل دين وليس الإسلامى فقط، فلا يمكن أن نُحمّل الدين المسيحى تبعات الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش. والحيلة الرابعة هى الزعم بوجود تناقض فى القرآن الكريم، وكلها تشتمل على الافتعال وتصيد الأخطاء، وبعضها يثير الضحك ويدل على أنهم لا يتقنون اللسان العربى، فعلى سبيل المثال يزعمون تناقضاً بين الآية الكريمة «وقفوهم إنهم مسؤولون» وبين الآية الأخرى «فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا جان».. أنا لست بحاجة للرجوع إلى كتاب تفسير لأفهم أن الآية الأولى تؤكد المسؤولية الفردية، والآية الثانية تقرر علم الله الشامل المحيط. والحيلة الخامسة هى عدم التمييز بين ما هو جوهرى وأصيل فى الدين، وبين ما هو ليس كذلك. فهناك أم الكتاب وهناك المتشابهات. فلا لبس فى القواعد الرئيسية للإيمان ولا خلاف إلا فى الأمور التى يُستحب فيها السعة حسب مقتضيات العصر وطريقة التفكير. والخلاصة أنهم يتحدثون عن قرآن آخر غير الذى نعرفه.. قرآننا الذى ينهى عن كل سوء، ويأمرنا بكل طيب.. هذا وللحديث بقية.