يتحدث إلى زبائنه بعفوية شديدة، ويتحرك بخفة بين ألسنة اللهب والدخان الكثيف، حول شواية سمك لا تعرف عمرها الزمنى من تراكم الزيت والشحم و«الردة» المختلطة بقشور البلطى والبورى والتونة والماكريل. منذ عام 1993 لم تسمع «سوق الزلزال» فى المقطم شكوى واحدة من «يسرى عبد الرحمن محمود»، الشهير ب«يسرى السماك»، والسر خفة دمه وحلاوة لسانه، كما تقول «أم أمل» التى وقفت فى انتظار دورها أمام شواية «يسرى» التى يعمل فيها ستة أفراد. وتدخل «أم عبير»، فى الحديث لتجد نفسها مدفوعة لا إرادياً فى حلقة مجاملة ل«يسرى»: «رغم إن مفيش فرق بين سعر السمك بتاع يسرى وأحسن مطعم فى المقطم، والزبون بيرتاح هنا، وأهم حاجة فى الأكل الراحة النفسية». يومئ «يسرى» راضياً بشهادات زبائنه من النساء اللائى اعتدن تصفية همومهن، حين تدمع أعينهن بسحابات الدخان، فهو يرتدى عمة وجلابية ويتعامل بهذا الأسلوب: «عشان اليوم يعدى يا بيه، أنا يومى 18 ساعة قدام النار، والزبون ما يحبش الصنايعى أبو دم تقيل»، ويؤكد: «الزبون فى مصر بيخاف من النضافة، ولو خلعت الجلابية والعمة، مفيش زبون هيجيلى». أما عن النظافة ومعايير الصحة وخلافه من اشتراطات تجهيز المأكولات وبيعها فقال «يسرى»: «فيه مطاعم خمس نجوم بضاعتها تعبانة، بس فيه ناس بتحب تروح المطاعم اللى بتغريهم بالأنوار والسيراميك، لكن 90% مننا بياكل بقلبه، لأنه ما يقدرش يدفع ال12% خدمة، و10% ضريبة مبيعات، والبقشيش كمان». توفى والد يسرى وعمره 18 شهراً فقط، وبدأ العمل وعمره سبعة أعوام باليومية فى «غيطان» مدينة السنبلاوين بالدقهلية «مسقط رأسه»، ثم جذبته القاهرة بعد أن حصل على دبلوم التجارة، يقول: «القاهرة فكت أسرارها أمامى، فعملت فى أفران العيش البلدى فى القللى، وعابدين، والسيدة زينب، ثم امتلكت عربة فول فى سور مجرى العيون، وهى شهادة الخبرة التى صعدتنى إلى سوق الزلزال فى المقطم».