عزل البابا شنودة

فى أغسطس المقبل يكون البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية قد أكمل عامه ال87 «مواليد قرية سلام بمحافظة أسيوط1923»، وفى نوفمبر المقبل أيضا يمضى على اعتلائه كرسى البابوية 39 عاما عندما أصبح البابا 117 فى تاريخ البطاركة عقب وفاة البابا كيرلس السادس عام 71.
يرى مؤيدوه ومناصروه أن الرجل قدم الكثير للكنيسة المصرية وسجله حافل بالإنجازات لخدمة الأقباط المسيحيين فى مصر وفى بلاد المهجر، ومازال الأكثر بروزا ووضوحاً فيها هو ترسيخ الدور الوطنى والقومى للكنيسة بداية من تسجيله رفضه لاتفاقية السلام مع إسرائيل وقراره بعدم الذهاب مع السادات فى زيارته للكيان الصهيونى عام 77، وهو الموقف الذى صنع حالة العداء بينه وبين الرئيس الراحل، وأدى إلى قرار عزله وتحديد إقامته فى دير وادى النطرون.
واستمرت الكنيسة المصرية فى مواقفها المناهضة للتطبيع وزيارة القدس، وأعلن البابا شنودة موقفه الشهير بأنه لن يدخل المدينة المقدسة إلا مع إخوانه المسلمين وتعرض بسبب هذا الموقف لحملات هجوم شديدة.
ويشهد المناصرون للبابا شنودة أنه تعامل بحكمة وحنكة وبوعى وطنى طوال فترة التسعينيات وحتى الآن مع حوادث العنف الطائفى الملتهبة ولم يرضخ أو يستسلم لصيحات الغضب التى طالبته فى كثير من الأحيان باتخاذ موقف أشد عنفا ضد ما اعتبروه «اضطهاداً وتمييزا ضد الاقباط المسيحيين فى مصر» وأدار كل الأزمات التى كادت تعصف باستقرار الوطن ووحدة نسيجه بهدوء وصبر دون التورط فى صدام أو تصعيد أراده معارضوه مع الدولة وجاءه اعتراضه السلمى فى بعض الحوادث بالاعتزال الوقتى فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، فهو الحريص دائما على ترديد «إن مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنها وطن يعيش فينا».
فى السنوات الأخيرة ومنذ بداية التسعينيات تحديداً يواجه البابا شنودة الثالث جماعات معارضة ترى أن «رجل الكنيسة الكبير» يبدو غير قادر على قيادة الكنيسة بسبب حالته الصحية وأن عليه أن يبادر ويعتزل ويترك القيادة البابوية لغيره، وأنه حان الوقت للإصلاح وتغيير الفكر، خاصة أن بعض جماعات المعارضة تزعم أن البابا ينفرد بقرارات الكنيسة وحده ولا يرى إلا ما يريده ولا يستمع للرأى الآخر، بل إن هناك خشية على مصير ودور الكنيسة إذا لم يتم الإجراء السلمى لقيادة الكنيسة، وهو ما يرفضه البابا لأنه ليس مجرد فرد قائد، بل مدرسة فكرية مستمرة وممتدة من بعده.
ولذلك فهو يرفض تعيين خليفة له لرئاسة الكنيسة، مستشهدا بمقولة خليفة المسلمين عمر بن الخطاب «لا أريد أن أحمل مسؤوليتها حياً وميتاً» ويدعو الرب أن يعين الطامعين فى خلافته على خلاص أنفسهم.
واقع الأمر لا ينفى وجود قلق وخوف ما على مستقبل الكنيسة المصرية والتحديات التى تواجهها، وفى ظنى أن مستقبل الكنيسة المصرية ودورها أمر يهم الجميع مسلمين ومسيحيين، لذلك قد يبدو القلق مشروعاً من سؤال: «ماذا يحدث داخل الكنيسة وماذا بعد البابا شنودة - أطال الله فى عمره؟».