ما هو الحب باختصار؟ ما هى الكلمة التى يمكنك أن تستبدل بها كلمة حب، فتعبر بسهولة عن المراد نفسه؟ ليست فزورة أطرحها لأظهر براعتى وأننى وحدى لدىَّ الحل، ولكنه سؤال طرحته على نفسى، قبل أن نبدأ العمل فى هذا العدد. «الحب».. كلمة السر التى تكشف خبايا الكنوز، وتفتح الأبواب المغلقة، وتعلمنا ما لا يمكن أن نتعلمه إلا فى حضورها.. قبل يومين كتبت مقالا لهذه الزاوية تحت تأثير المعلومات الوفيرة التى ضمنتها كتابى «عاشقة الحب» الصادر منذ 10سنوات تقريبا، وبعد أن حشدت فى المقال تعريفات متعددة للحب على لسان مشاهير الفلاسفة والكتاب فى أنحاء العالم، لم أستطع أن أحب المقال، وشعرت أنه غريب عنى، بدا لى وكأنه دراسة جافة «تُخُض» وتستهدف انتزاع الإعجاب بحجم المعلومات وموسوعية الآراء الواردة، فتركت المقال جانبا، وفى فجر اليوم التالى تأملت عصيان الكتابة عن الحب الذى دعانى لاستعارة آراء آخرين وتجاهل رأيى أنا (مى)، وسألت نفسى: هل يمكن لامرأة شرقية أن تكتب عن الحب كما تراه وكما تريده، أم يجب أن تتخفى وتتقمص وتكتب بأساليب وكلمات مستعارة من الآخرين؟.. أثناء انشغالى بالبحث عن إجابة لاحظت أن بينى وبين الحب علاقة أساسية، وهى أنى وهو متشابهان جدا، فنحن كلمتان من حرفين فقط (مى – حب)، وأخذتنى «الحاء» إلى قلب الحياة، وذكرتنى «الباء» «بالبقاء»، وهذا يعنى أننا نحب لنبقى ونتحدى النسيان والفناء.. وبقليل من التأمل تذكرت سؤالى الذى بدأت به عن الكلمة المرادفة للحب، ولم أجد أروع من كلمة «الاختيارا»، ف«أنا أحبك» يعنى «أنا اخترتك»، أما الحديث عن القسمة والنصيب فهو حق، لكنه لا ينطبق بالضرورة على الحب، لأننا ببساطة يمكننا أن نحب «الموجود»، كما نحب «المفقود» و«المنشود»، لذا تعجبنى جدا مقولة «إذا لم تكن نصيبى أو قدرى فأنت اختيارى»، وهذا سر بقاء حلم الفردوس المفقود فى خيال البشرية منذ «فقد» آدم فردوس اليقين، وربما كما يقول البعض «ضحى» به من أجل «أول حالة حب بشرية». الحب إذن هو الاختيار الأول للمخلوق الأول، وأظنه سيظل كذلك إلى أن تنتهى الأرض ومن عليها، ليبقى (الحب/الاختيار) هو معيار حسابنا عند الله، فاختياراتنا هى التى تحدد طريقنا فى الحياة، وفى الآخرة أيضا، وهذا لا ينفى أن الزمن قد يتغير فتتغير معه اختياراتنا، وبالضرورة إحساسنا بالحب، وبالثواب والعقاب. الحب إذن ليس مجرد «حالة مغناطيسية» تجمع رجلاً وامرأة عاطفيا، لكنه «طاقة إيجابية» عامة وغير محدودة، بمعنى أن الحب ليس منحة ينالها البعض ويحرم منها البعض الآخر، لكن القصة أن هناك من يلتقط «إشارات» هذه المنحة من الفضاء، وهناك من «يغلق» أو «يجهل» طرق الاستقبال. صحيح أن الحب بين الرجل والمرأة جزء مهم من هذه الطاقة الإيجابية، لكن يبقى أن الحب أشمل وأعم وأهم، ويتسع للعلاقة بين الإنسان والمخلوقات كافة، بل الطبيعة والمفاهيم من حولنا. تذكروا ذلك.. وافتحوا شبابيك القلوب والعيون للحب.. فما أحوجنا إلى الحب فى زمن الكوليرا.