فجأة، تبدل الموضوع مائة وثمانين درجة.. كنا نناقش أبعاد الاعتقالات الأخيرة فى صفوف جماعة الإخوان المسلمين حينما سألنى صديقى عن تداعيات الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى أوكرانيا!.. ولكى يستوعب دهشتى، أضاف ساخراً: اطمئن، ستتصدر قضية الإخوان المشهد لفترة طويلة، وسنزهق من لعبة القط والفأر بين الحكومة والجماعة..دعنا نعرف شيئا عما يجرى فى الدنيا ونتمناه لبلدنا!.. سألته: وماذا تتمنى تحديدا؟!.. أجاب على الفور: انتخابات نزيهة!.. انظر ها هو زعيم المعارضة الأوكرانية يانوكوفيتش يفوز فى انتخابات الرئاسة على الرئيس يوشنكو وعلى رئيسة الوزراء تيماشينكو.. لاحظ أن ذلك يحدث فى بلد كان جزءا من الاتحاد السوفيتى، أكبر ديكتاتورية فى العالم!.. كان صديقى يتحدث بحماس وبطريقة يبدو من خلالها متابعا لمعركة الرئاسة التى أعلن فيها فوز يانوكوفيتش الموالى لروسيا بفارق تيماشينكو التابعة للغرب.. تبارى الخصمان فى الجولة الثانية بعد خروج مهين للرئيس الحالى يوشينكو من الجولة الأولى!.. قلت: إنه فصل جديد فى الأزمة السياسية التى تعيشها أوكرانيا منذ ستة أعوام.. لم تُفلح الثورة البرتقالية فى جلب الاستقرار إلى البلاد..تبخرت الشعارات البراقة وطارت الوعود الطيبة بعد أن أكلت الثورة أبناءها.. انفض تحالف يوشينكو مع تيماشينكو بسبب صراعهما على السلطة، حتى إن الغرب الذى صنع الثورة وموَّلها احتار.. مع أى طرف يقف، أما الجماهير التى رابضت أياما وليالى طويلة فى عز الصقيع بميدان الاستقلال فى العاصمة كييف، فلم تحصل إلا على نزلات البرد وخيبة الأمل!.. رد صديقى بثقة: إنها ضريبة الديمقراطية.. من المؤكد أن المستقبل سيكون أفضل! أعادتنى هذه العبارة إلى نقاش مماثل جمعنى قبل ثلاث سنوات مع الإعلامى الكبير «أسعد طه»، عقب مشاهدة فيلمه التسجيلى (الميدان) الذى أعده عن الثورة البرتقالية.. حاول «أسعد» بلغته الشاعرية العذبة استفزازنا من خلال الفيلم لنشاركه فرحه بالتغيير الذى جرى فى أوكرانيا دون إراقة دماء.. لكن الأمر كان صعبا بالنسبة لى، فقد عايشت يوميات تلك الثورة من خلال وجودى آنذاك فى كييف، وأدركت أن الحكاية كانت مبارزة بين الغرب وروسيا، بهدف انتزاع أوكرانيا من دائرة النفوذ الروسى.. لعبت الدول الأوروبية الكبرى الدور الأساسى لحسم المعركة لصالح الثوار البرتقاليين، ونشطت ماكينتها الإعلامية لتصور الحسناء تيماشينكو وكأنها (جان دارك) أوكرانيا، وترسم حليفها السابق يوشينكو فى هيئة القديسين، رغم أن كليهما كان موضع شبهات تتعلق بفساد مالى وإدارى! تعاملتُ مع «أسعد» وكأنى من عواجيز الفرح.. كان مصراً على رؤية النصف الملىء من الكوب، فبقى كلانا على موقفه!.. لو قابلته اليوم لسألته: كيف سيكون فيلمك (الميدان) إِنْ سنحت لك الفرصة لإعداد جزء آخر منه؟! كررت الشىء نفسه مع صديقى المنتشى بفوز يانوكوفيتش..سألته: هل كُتب على الشعب أن يختار بين تابعين للغرب وموالين لروسيا؟! رد على الفور: المهم أن يملك الشعب حق الاختيار! [email protected]