جزء من أزمة مباراة مصر والجزائر الأخيرة فى أم درمان فى المحطة الفاصلة والنهائية لتصفيات كأس العالم، وتداعيات ما جرى بعدها.. إن الإعلام المصرى بتعدد وسائله وأنواعه، لم يهيئ الجماهير الحاشدة والمتعلقة أحلامها وطموحاتها بإنجازات المنتخب الوطنى البطل، لاحتمال اسمه «الخسارة» لذلك سقط فى تبريرات غارقة فى المبالغة عقب حدوث هذه الخسارة فى أم درمان. والأصل فى وظيفة الإعلام، مهنياً، أن يعطى الأمور حجمها بالضبط، وأن يقيس خطابه فى القضايا الجماهيرية بمقياس دقيق، عن وعى وإدراك أن جماهير محتشدة ومشحونة بالفعل، وغارقة فى التعصب الأعمى، تقف منتظرة كلمته، فإما أن يسايرها فى موجة تعصبها، فيزيد النار توهجاً واشتعالاً، وإما أن يحاول مداعبة خلايا عقله ليستعيد قدرته على التفكير الرزين والهادئ، فيدرك أن ما حدث نهاية طبيعية لمباراة كرة قدم. لكن الإعلام فى أزمة أم درمان استسلم للشارع، وقبل أن يفعل استسلم لعقل «أهوج» فى النظام حاول تسييس الإنجاز الكروى الذى كان مأمولاً بالصعود لنهائيات كأس العالم، واستخدم الإعلام وسيلة لترسيخ هذا الإحساس، وتأكيد أن ما يفعله 11 لاعباً فى مستطيل أخضر إنما هو إنجاز لنظام سياسى لم يعد قادراً على تحريك الجماهير إلا فى كرة القدم، ولما خابت الآمال زاد الطين بلة فرفع سقف الحماقة، ودخل بمباراة كرة إلى ساحة السياسة، ورفع درجة الاحتقان فى الشارع إلى مدى لم يعد قادراً على ضبط فورانه أو النزول به من قمة جبل الغضب. واليوم.. بما أن الأقدار الكروية وضعت الجزائر مرة أخرى فى محطة فاصلة من محطات أحلامنا الرياضية، وسيخوض معها منتخبنا الوطنى غداً مباراة مهمة لبلوغ نهائى بطولة الأمم الأفريقية، ومحاولة الاحتفاظ باللقب للمرة الثالثة على التوالى، والمرة السابعة فى تاريخه، فأكبر دور وطنى ممكن أن يلعبه ذلك «العقل الأهوج» أن يرفع يده عن هذه المباراة وأن يتوقف عن المتاجرة بهذا الفريق البطل، وأن يترك مصيره لأقدام لاعبيه فقط. وسيخدم الإعلام مصر والكرة المصرية، عندما يتوقف عن تحميل هذه المباراة أكثر مما تحتمل، وأن يضعها فى إطارها الطبيعى، 90 دقيقة قد تزيد بوقت إضافى وضربات ترجيح، ولابد أن يكون فيها فائز ومهزوم، والخسارة إحدى نتيجتين طبيعيتين لهذه المباراة، عندما يهيئ الإعلام الملايين من جماهير الكرة لتقبل الخسارة والتعامل معها، واعتبارها نتيجة طبيعية، وقتها سيضمن أن تفرح هذه الجماهير فرحة طاغية ورائعة عند الفوز، وأن تقبل الخسارة بروح رياضية، وأن يدعو الناس دون إفراط فى التشاؤم إلى الاستعداد للخسارة، كما يستعدون سلفاً للاحتفالات بالفوز كأنه أمر مفروغ منه. ما سيحدث غداً ليس مواجهة بين مصر والجزائر كدولتين وشعبين، وإنما هو مواجهة رياضية بين 11 لاعباً من الجانبين، ومن سيفوز هم اللاعبون وجهازهم، والخسارة أيضاً ستكون ل11 لاعباً وجهازهم وليس لوطن اسمه مصر أو الجزائر..! [email protected]