يتابع الناس، هذه الأيام، نشاط جمعية الأورمان، فى مساعدة فقراء المجتمع، وكانت الجمعية قد بدأت، قبل أعوام، بكفالة اليتيم، ثم انتقلت، فى مرحلة لاحقة، إلى كفالة أسرة بكاملها، ليتوسع النشاط، هذا العام، إلى كفالة قرية! وإذا كان وصول نشاط الجمعية إلى هذا الحد، قد أزعج كثيرين، على أساس أنه مؤشر خطر على تزايد عدد المحتاجين فى البلد، فإن هذا التوسع فى حد ذاته، يمكن فهمه، على أن العكس هو الذى حدث، بمعنى أن قدرة الجمعية ذاتها على مد يد العون، قد تضاعفت، بما جعلها مهيأة، ليس فقط لمساعدة يتيم، ولا حتى أسرة من عدة أفراد، وإنما قرية بكامل أبنائها! ومع ذلك، فليس هذا هو أصل الموضوع، الذى يتعين أن يستوقفنا، لأننا فى حقيقة الأمر، يجب أن ننتبه إلى أن جماعة الإخوان المسلمين، حين خرجت إلى النور عام 1928، على يد حسن البنا، كانت تريد أن تعمل على إصلاح المجتمع بالطريقة نفسها التى تعمل بها، حالياً، جمعية الأورمان، فإذا بها تنحرف، عما كان قد أراده لها مؤسسها، وتنشغل بالسياسة طول الوقت، فتصبح، كجماعة، خصماً فى التقييم الأخير، من قوة المجتمع وعافيته، بدلاً من أن تكون إضافة إليه! لنا أن نتخيل فى هذه اللحظة ما كان سوف يضاف إلينا كمجتمع، لو أن جماعة الإخوان قد ظلت تسعى، منذ عام 1928، حتى الآن، إلى مساعدة الأفراد، أو حتى المجموعات الأحق بذلك.. هل كان حال الجماعة، عندئذ، سوف يكون هو حالها الآن، وهل كان حالنا، سوف يكون على ما هو عليه؟! هل كانت الدولة، فى الوقت الحالى، سوف تتفرغ لمطاردة أفراد الجماعة، فى كل ميدان، ليكون ذلك كله، فى النهاية، مخصوماً من قدرة المجتمع على حشد أدواته، فى الاتجاه الصحيح؟! أفراد وقيادات الجماعة، فى لحظتنا هذه، يعرفون تماماً، كما نعرف نحن، ويعرف كل مخلص لهذا البلد، أن الأصل فى نشأتها، كجماعة، هو أن يكون مجتمعنا أفضل غداً عنه اليوم، وأن يكون بعد غد أفضل مما سوف يكون عليه غداً، وهكذا.. وهكذا.. وكان هذا هو الهدف المعلن، من جانب حسن البنا، قبل ما يقرب من مائة عام، من الآن.. فإذا بنا، حين نقارن بين حالنا عام 2010، وحالنا نفسه، عام 1928، نكتشف أن المسألة إجمالاً تمضى للأسوأ، لا للأفضل، وأنه كان فى إمكان جماعة الإخوان، بحكم قدراتها التى لا تمثِّل قدرات جمعية الأورمان إلى جوارها شيئاً، أن ترتقى بحال كثيرين فى بلدنا، لو أنها انشغلت حقاً، بالإصلاح فى المجتمع، من أجله هو فى حد ذاته، كإصلاح مجرد من الهوى السياسى وليس طبعاً من أجل تسديد أهداف سياسية فى مرمى الحكومة! لايزال هذا الطريق مفتوحاً، أمام الجماعة، لو أنها تقصد وجه الله.. والوطن!