يستخدم القرآن الكريم تعبير «البلاء» ومشتقاته بمعنى الاختبار والموقف من الخير والشر، بهذا المعنى يمكن فهم كلمة «الخير» هنا، على أن القرآن قد يعنى بالخير فى مواضع معينة المال والثروة كما فى قوله «وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ»، فلم يعرف عن الإنسان النمطى أنه يحب الخير حبًا جما شديدا، والخلاف هو يسير إذا أردنا بالخير، الخير عامة بما فيه الثروة والمال والجاه، أو الخير الذى يضاد الشر، وأعتقد أن المعنى فى الآية التى نحن بصددها هو «الثراء»، وأن المعنى بالشر الفاقة. فمن البلاء ألا يجد الرجل الفقير «ثلاجة» ستة أقدام يحفظ بها طعامه حتى لا يحمض ويشرب منها قدحًا من الماء البارد، عندما يشتد الحر ويتطلب هذا أن يضغط على مشاعره ليعايشه، حتى وإن كان يعمل فى جو حار خانق. ومن البلاء أن يكون لفرد ثلاجة «24 قدم» تمتلأ بأنواع مختلفة من الحلوى والشيكولاته والمشروبات على أنواعها والفواكه على اختلافها، إنه بلاء حقيقى فإذا سمح صاحبها لنفسه بالاستسلام لها فسيصاب بالبطنة، وكما أن هناك أمراض تنشأ عن الجوع، فهناك أمراض تنشأ عن البطنة، وإذا أراد صاحب هذه الثلاجة أن يقاوم شهيته المنفتحة، فهذا بلاء. من هنا نعرف أن البلاء لا يقتصر كما يتصور البعض على الفاقة وضرواتها المؤلمة، ولكنه أيضًا يمتد إلى الثروة والترف والاستمتاع وانعكاساته. وإنما يُعد هذا وذاك نوعًا من البلاء، لأنه قصر فى ناحية، وبالغ فى ناحية أخرى، فابتعدا عن «القصد» أو «الوسط» أو «الاعتدال» الذى يُعد الموقف الأمثل. المشكلة أنه لا أحد يريد هذا الوسط، فالفقير يسعى لأن يكون غنيًا، والغنى يسعى لأن يكون أكثر غنى، ولا يعلمان أن هذا يعرضهما للبلاء الشديد، ولو أنهما قنعا بالوسط، لما أصبح أسيرًا فى قبضة الفاقة المذلة، أو غريقاً فى بحر اللذة الممرضة، ولاستطاع وقد خلص من البلاء أن يوجه جهده للخير، والآخر، وللوطن، وللناس، وليس معنى هذا أن يخلص من البلاء، ولكنه سيخوض بلاءً يبعث على السعادة ويشبع الفرحة ويسر به، وله الجميع.