الشعوب لا تموت.. ولكنها تشيخ حين تصاب ب«عمى المستقبل».. وفى مصر ثمة أعراض عدة لشيخوخة لا نريد أن نعترف بها.. شيخوخة نظام حاكم ولد مشوهاً منذ أكثر من نصف قرن.. وشيخوخة نخبة سياسية تمارس المعارضة من مقاعد الفساد والمصالح.. وشيخوخة حكومات متعاقبة، بعضها باع البلد وقبض الثمن، وبعضها لم يجد شيئاً يبيعه، ولم يمتلك الرغبة ولا القدرة على فهم مشاكل الناس، أو حتى تسيير العمل اليومى.. وشيخوخة شعب لا يرى فى كل ذلك ما يدعو إلى القلق، وإن هو تبرم، يمارس غضبه ب«مصمصة الشفاه»، أو إفراغ شحنة الغضب أمام شاشات البرامج السياسية أو الصحافة الجديدة..! جاء الدكتور محمد البرادعى فى لحظة ضعف الجميع.. لذا تحول فى أيام قليلة إلى «المنقذ والمخلص»، وكأنه اشترى من «فيينا» عصا سحرية سيضربها فى ميدان التحرير، فيتغير كل شىء فى مصر.. والكارثة أن هذه «السذاجة السياسية» لم يمارسها المواطن العادى بقدر ما سقطت فيها النخبة، فالمعارضة بكل أطيافها بدت وكأنها تحاول تعويض فشلها وغيابها وفسادها بالالتفاف حول الرجل الذى لا يملك تغيير «بدلته» دون تيار جارف يقوده المثقفون والمفكرون والمجتمع المدنى.. والإعلام بكل ألوانه ابتلع الرجل فى «ماكينة» الثرثرة والأسئلة المكررة، وكأن مجرد الجلوس معه إنجاز إعلامى وشرف مهنى، وحين تمر الأيام والأسابيع سيتحول إلى ضيف مكرر فى فقرات تليفزيونية مملة.. فهكذا نجيد حرق الرموز، وكأننا نسدى خدمة جليلة للنظام الحاكم..! لو سارت الأمور على هذا النحو، سيحترق البرادعى خلال عدة أسابيع.. سوف يقف فى طابور طويل من الذين احترقوا وحرقوا دماءنا معهم.. أيمن نور حرق نفسه حين تصور أن المعارضة هى الهجوم على النظام، وليس تقديم مشروع سياسى جديد، وقبل المشروع نموذج مختلف للشفافية والوضوح السياسى والاتساق التام بين الشخص وما ينادى به من قيم ومبادئ.. وقبل وبعد أيمن نور احترقت رموز كثيرة، إما بنار الصراع على أحزاب وهمية، أو بالحياة المستكينة والمريحة فى «جيب» النظام الحاكم..! والنظام القابض على هذا البلد شديد الذكاء والدهاء والمكر.. ومن يتصور أنه غير ذلك واهم وساذج، وإلا لما حافظ على أمة كبيرة فى «ثلاجة» الجمود والخنوع 30 سنة كاملة، لذا فهو يعرف كيف يتعامل مع كل خصم أو منافس أو معارض بطريقة خاصة ومختلفة.. الأحزاب السياسية لها العصا والجزرة.. ومن لا تكفه «جزرة المكاسب» ولا يملأ عينه إلا التراب، فله عصا تجعله يلحس التراب بلا مكاسب.. حركة «كفاية» ستأكل نفسها ذاتياً.. وأيمن نور سيحرق أوراقه واحدة تلو الأخرى.. والسياسيون السابقون سيغرقون فى بحار التنظير ومصطلحات «ينبغى» و«يجب» و«كان وأصبح».. وخبراء السياسة لا يقرأهم إلا زملاء لهم أو أولئك الذين لا يريدون ولا يتحملون دفع الثمن.. إذن فكيف سيحرق النظام الحاكم الدكتور محمد البرادعى.. ب«العصا» أم ب«الجزرة» أم ب«الاحتراق الذاتى».. أم بحبسه وراء قضبان «الشكوى» و«لابد» و«لازم».. وكفى.. أم أنه يستحق طريقة جديدة تماماً؟! .. هذا ما سوف نبحثه سوياً.. فالبرادعى بات حالة تستحق التحليل الدقيق..! [email protected] فيديو عودة البرادعى على الرابط التالى: http://www.almasryalyoum.com/multimedia/video/el-baradei-returns