اهتزت عمامة دار الفتوى فى لبنان الأسبوع الفائت بشكل قد يكون من الصعب فى المنظور القريب إعادتها بالشكل الواجب لما كانت عليه. هذا الاهتزاز جاء بعد سيل كبير من الانتقادات القاسية التى طالت مفتى الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قبانى، ولم تكن تلك الانتقادات تتعلق بالفتاوى الدينية التى أصدرها سماحته أو اعتراضا على مواقفه من قضايا سياسية شائكة يئن منها الجسد اللبنانى المثير، وإنما كانت حول معاملات مالية. بدأت الأزمة همسا، وعلى المواقع الإلكترونية، لكنها سرعان ما ظهرت على الملأ وبصورة علنية وباتت حديثا مسموعا ومؤلما فى الشارع اللبنانى. وزاد من الجدل الدائر دخول الدكتور سليم الحص رئيس وزراء لبنان الأسبق فى الأزمة، بل مطالبته الشيخ قبانى بالاستقالة، حفاظا على مكانة دار الإفتاء كما قال، ولم يقف عند هذا الحد، بل أصدر الحص بيانا هو الأول من نوعه قال فيه: صاحب السماحة عليك بتبرئة نفسك.. أو الاستقالة، والخيار الثالث.. والعياذ بالله.. إهدار كرامة طائفتك.. أنت فى موقعك يفترض أن تكون فوق كل شبهة فى استقامتك ونزاهتك، إنك تتولى القيادة الروحية لطائفة السنة من المسلمين، مع أن الحقيقة، كما يجب أن تعلم أنه لا كهنوت فى الإسلام. فكيف تتقبل ما سيق إليك من اتهامات، تطاول استقامتك ونزاهتك؟ كان من المفترض أن ترد على هذه الاتهامات الشنيعة، فالناس تعتبر، وبحق، أن السكوت على الاتهامات كل هذه المدة هو دليل على صحتها وصدقيتها. هذا قليل من كلام كثير قاله الحص وهو مطلب من الصعوبة بمكان تحقيقه فى الظروف الحالية، كون الشيخ قبانى هو رجل الدين السنى الأبرز فى لبنان، وتخليه عن موقعه تحت ضغط البعض هو بمثابة طعنة كبرى فى ظهر الطائفة ولا غرابة فى ذلك، فهذا البلد العربى لبنان صغير المساحة، يضم أكثر من 18 طائفة ولكل طائفة منها مرجعية دينية تتمتع بنوع من الحصانة وعدم الاقتراب وما ينطبق عليه ينطبق على غيره من رجالات الدين فى كل الطوائف: والقصة فى إيجاز هى أن هناك اتهامات موجهة للمفتى قبانى بأنه خص نجله بمبالغ مالية كبيرة من أموال دار الفتوى دون وجه حق وأن الابن أسس شركة تتعامل مع دار الفتوى وتحصل منها على مبالغ دون تقديم خدمات فعلية. صمت طويلا سماحة المفتى ولم يجاهر بالرد أو تفنيد هذه الاتهامات التى لاتزال حتى الآن هى مجرد اتهامات ليس أكثر. ربما هو أراد ألا يدخل فى ساحة لا يريدها أو أنه توقع أن الحملة ستتوقف عند مرحلة بعينها وربما هناك من أسدى إليه بنصيحة عدم الاكتراث بكل ما يقال من حوله وعدم الصعود إلى منبر الاتهامات. غير أن تدخل الدكتور الحص، وهو السياسى السنى الشهير، طرفا فى الاتهامات ألقى بظلال كثيفة على المشكلة ووضع المفتى فى مواقف صعبة. ولاتزال الأزمة مشتعلة والاحتمالات واردة والتسريبات لا تتوقف والعمامة غير مستقرة.