أنا أحترم الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، أختلف معه فى بعض آرائه ومواقفه لكن لم ينتقص ذلك أبداً من تقديرى واحترامى للرجل.. واليوم أختلف مع الدكتور سعد من جديد.. وفى واقع الأمر.. أشعر أننى أختلف مع مصر كلها الآن فى شخص الدكتور سعد.. ففى الندوة التى أقامها مركز ابن خلدون منذ ثلاثة أيام والتى شهدت نقاشاً مطولاً عن المجتمع المدنى والأحزاب السياسية والتغيير الديمقراطى.. أطال الدكتور سعد التوقف أمام إقبال المصريين على انتخابات الأندية الرياضية بنسبة مشاركة قد تصل إلى مائة بالمائة، وأخذ الدكتور سعد يقارن بين الانتخابات الرياضية وبين انتخابات السياسة.. ولماذا تحمس المصريون لديمقراطية الرياضة بينما فقدوا أى اهتمام أو أمل فى ديمقراطية السياسة.. ولا أظن أن هذا هو رأى الدكتور سعد الدين إبراهيم وحده.. إنما هى قناعة معظم الناس سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين أو أكاديميين وبالتأكيد الرياضيين أيضاً.. الكل استسلموا لتلك القناعة الخاطئة.. الكل أعجبتهم فكرة ترويج هذه الرؤية الخاطئة.. السياسيون المعارضون للنظام أعجبهم الاستشهاد بانتخابات الرياضة وإقبال الناس عليها للتأكيد على أن العيب ليس فى الناس وإنما فى السياسة وأنه حينما تنصلح السياسة وأحوالها.. وتصبح انتخابات حرة ونزيهة بالفعل.. سيقبل الناس على انتخابات الرئاسة والبرلمان نفس إقبالهم على انتخابات أى ناد رياضى.. والسياسيون المؤيدون للنظام أعجبهم أيضا الاستشهاد بانتخابات الرياضة والإقبال الهائل عليها لتصوير الديمقراطية فى مصر وكأنها باتت واقعاً يعيشه الجميع ويستمتعون به من قبة البرلمان لصناديق انتخابات الرياضة.. أما الأكاديميون.. فقد سعدوا كثيراً وجداً بمقارنات لا أول لها ولا آخر بين الرياضة والسياسة.. وكان الرياضيون بالطبع هم أكثر الجميع سعادة.. امتلكوا أخيراً ما يتيهون ويتعالون به على زملائهم المتخصصين فى السياسة وشؤونها وأشواكها واستسلموا لبهجة ونشوة أنهم صانعو الديمقراطية الحقيقية الباقية فى مصر.. وأنا الآن أعتذر للدكتور سعد الدين إبراهيم ولكل هؤلاء وأضطر آسفاً لمصارحتهم بالحقيقة.. وأطالب الجميع بأن يفيقوا من هذا الوهم الذى استسلموا له.. وأقول لهم فى البداية.. نعم انتخابات الأندية الرياضية ديمقراطية بالفعل.. نادراً ما تشهد تزويراً أو تلاعباً بالنتائج.. صناديق زجاجية ومواطنون يدلون بأصواتهم دون أى تأثير خارجى ودون ضغوط وتهديد ووعيد وتنكيل بمن يقول لا للرئيس ويقف ضده بشكل صارخ ومعلن.. ولكن كم من الناس شارك فى تلك الانتخابات.. بالتأكيد سيصدم الدكتور سعد حين يعرف أنها نسبة أبداً لم تتجاوز الثلاثين بالمائة ممن لهم حق التصويت.. وحتى هذه النسبة القليلة لم يبلغها إلا ناديا الأهلى والزمالك وفى مرات قليلة جداً ولدواع وأسباب أخرى لا علاقة لها بالديمقراطية والرغبة فى المشاركة والتصويت والاختيار.. أما بقية الأندية.. فهى لا تشهد غالباً أكثر من عشرين بالمائة من أعضائها يحرصون على المشاركة فى الانتخابات.. إلى الحد الذى دفع برئيس المجلس القومى للرياضة لتغيير اللائحة لتوقيع غرامات مالية على من لا يشارك على أمل أن يقتنع الناس وأن يأتوا.. ورغم ذلك لم يأت أى أحد جديد.. ثم إن هذه الديمقراطية الحقيقية لاتزال تشهد البقاء على الكراسى حتى آخر العمر.. والولع بالتزكية دون الانتخابات التى لاتزال فى رأى الكثيرين قلة أدب وأخلاق وانتقاص من القدر والمكانة.. وغالباً لا يخوض رئيس أى ناد انتخابات ويخسرها.. والجمعيات العمومية للمحاسبة والمساءلة أبداً لا تكتمل.. وتربيطات السياسة وإغراءتها وفساد وسائلها.. والمال والرشاوى والإغراءات والهدايا.. لاتزال تحكم حتى انتخابات الرياضة.. أعتذر يا دكتور سعد لكن هذه هى الحقيقة. [email protected]