أثار خطاب أوباما أمس الأول، الذى تعهد فيه بسحب القوات المقاتلة من العراق بنهاية الشهر الحالى، الذى كان الأكثر دموية فى العراق منذ سنتين، التساؤل حول ما إذا كان الانسحاب الأمريكى من العراق قائماً فى كل الأحوال حتى مع تدهور الوضع الأمنى هناك أم لا؟! وعلى الرغم من تصريحات أوباما الواضحة للغاية بشأن الانسحاب، إلا أن الكثيرين يرون أن احتفاظ الولاياتالمتحدة بقواعدها العسكرية فى العراق، لاسيما البعيدة عن المدن، يؤكد أن واشنطن ستهتم بالإبقاء على قدر من القوات العسكرية –أو على الأقل نقاط انطلاق لقوات تستدعيها من الخليج- تساعدها على احتواء الأوضاع فى العراق إذا ما حدث تدهور مفاجئ فى الأوضاع الأمنية، أو إذا وصل إلى الحكم فصيل معاد للولايات المتحدة. وتأتى تصريحات أوباما رغبة منه فى تحقيق أى بند من بنود برنامجه للسياسة الخارجية، فمع تعطل إمكانية الحل فى إيران فى الوقت الحالى، وتراجع إمكانية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وتعقد الوضع فى أفغانستان بات على أوباما أن يحقق إنجازا فى العراق. فأوباما مازال حتى الآن أسيرا لدخوله البيت الأبيض خليفة لبوش، لذا فقد كان الهم الأكبر له هو إصلاح ما أفسده بوش، وكان فى صدارة الإصلاحات المرتقبة الخروج من العراق فى ظل ما تكبدته القوات الأمريكية من خسائر هناك جعل الانسحاب منها مطلبا شعبيا. كما أن أوباما محسوب بشكل أو بآخر على الجناح المعتدل فى الحزب الديمقراطى، بما يجعله راغبا فى إرضاء الجناح الداعم له، الذى يأتى الانسحاب من العراق فى صدارة أولوياته، فضلا عن قضايا أخرى يوليها أوباما اهتماما أيضا، مثل الاحتباس الحرارى والرعاية الصحية وحماية الطبقة المتوسطة. وعلى الرغم من أهمية الانسحاب من العراق بالنسبة لإدارة أوباما إلا أن غالبية المفكرين الأمريكيين يحذرون من الانسحاب فى الوقت الحالى، حيث إن فشل بوش «المتهور» سيكمله أوباما «المتسرع» فى رأى كثيرين. فبوش تهور بدخول العراق دون النظر لتداعيات ذلك، فرغبته فى السيطرة على النفط لكبح النمو الصينى أعمته عن رؤية تداعيات دخوله العراق السلبية على الحرب فى أفغانستان وعلى توازن القوى مع إيران. أما أوباما فإن استجابته للضغوط الشعبية من شانها أن تدفعه لاتخاذ قرار خاطئ وضار بالمصلحة الأمريكية من أكثر من جهة، ولعل أهمها أنه سيساعد طهران على توسيع نفوذها فى العراق بعيدا عن الضغط الأمريكى، كما أن الأكراد سيضغطون لتحقيق مصالح قد لا ترغب واشنطن فى تحققها من خلال السيطرة على بعض مناطق إنتاج النفط المحيطة بكركوك، بما يؤكد أن ضرر الانسحاب من العراق –بالنسبة لواشنطن- فى وقت غير مناسب قد يماثل ضرر التهور فى دخول البلاد.