لا يمكن أن تتعرض إلى ما تطلق عليه قوى المعارضة «عودة سيناريو التوريث»، دون أن تقف أمام متغيرين أحدهما معلن، والآخر ربما أكشف عنه فى هذه المساحة، فأما الأول فهو تصاعد ما يسمى «الحملات الشعبية» لدعم جمال مبارك، ودخول أمين السياسات بموافقته أو دون استشارته فى حرب الملصقات الدعائية، والثانى هو اجتماع لم يعلن عنه عقده جمال مبارك مع رموز من حركة الثقافة والنشر فى مصر، سواء فى القطاع الحكومى أو خارجه، لمناقشة ورقة عن السياسة الثقافية. لا يمكن أن تعرف أن جمال مبارك يملك تصوراً عاماً عن السياسة الثقافية، أو لدى أمانة السياسات التى يرأسها هذه الورقة، ثم يجلس مع حوالى 15 من نخبة صناع الثقافة فى مصر لعرض هذه الورقة عليهم والاستماع إلى تعقيباتهم، دون أن يعلن عنها، أو يستخدمها فى طرح نفسه فى الأوساط الثقافية، إلا لأنه لا يريد أن يجرى احتساب مثل هذا اللقاء ضمن خطوات الإعداد والتمهيد لخطوة ترشيحه للرئاسة، كما يبدو من ظواهر الأمور. الأرجح أن الرجل لا يخجل من إعلان مواقفه الثقافية ورؤاه، لكن فكرة الإبقاء على نشاط كذلك فى مساحة تعتيم حتى إن كتاباً مرموقين كانوا بين الحاضرين، لم يفكروا فى استغلال حضورهم مثل هذا اللقاء، لمنحنا معلومة جديدة عن جمال مبارك من حيث تكوينه الثقافى، أو اهتماماته فى هذا المجال، تعنى بلا شك إما أن هناك «رجاء» تم توجيهه لهم بإبقاء هذا اللقاء «سرياً»، وإما أن أحدهم لم يجد فيما تم طرحه ما يستحق أن يزفه إلى الرأى العام. أنت الآن أمام متغير مهم يثبت لك أن الرجل يوسع فى اهتماماته، ويتجاوز ملفات الدعم والإصلاح الاقتصادى والسياسى، ليحاول أن يضع يديه فى قلب الملف الثقافى الشائك، إما لأنه لديه رؤية ووجهة نظر يحاول اختبارها مع نخبة من المثقفين، وإما أنه فى مرحلة استماع يحاول أن يبنى رؤية ثقافية، ويتبنى سياسة فى هذا المجال عبر الاستماع إلى رموز ثقافية مثل السيد ياسين ود.جابر عصفور، ود. إسماعيل سراج الدين، ود.منى ذو الفقار، ومحمد عبد المنعم الصاوى، ود.عماد أبو غازى، إلى جانب ناشر مهم مثل إبراهيم المعلم، وآخرين من أعضاء اللجنة الثقافية. يمكن أن تعتبر ما حدث مجرد «نشاط حزبى» تقليدى لا يحمل أى دلالة أخرى، لكن ذلك كان يمكن أن يبدو معقولاً لو تم الإعلان عن هذا الاجتماع الذى تم قبل أسابيع فى حينه، ويمكن أن تعتبره جزءاً من عملية تعزيز لأمين السياسات فى ملفات مستجدة، وبداية لترويجه فى الوسط الثقافى، فى إطار تهيئة شاملة لترشيحه للرئاسة، لكن المؤكد وسط كل هذه الاحتمالات أن جمال مبارك «يمتلك رؤية ثقافية ما» يستبد بى الفضول حتى أطلع عليها، والأرجح أنك أيضاً لديك فضول لتعرف..! [email protected]