رغم الفقر المدقع الذى يعيشونه ويبدو على هيئتهم ومعيشتهم، فإن هناك حالة من الرضا تبدو على وجوههم.. هم لا يشتمون الحكومة عندما تأتيهم الفرصة ولا يطلبون منها شيئاً ولا يلقون عليها باللوم وبأنها السبب فى الحياة التى يعيشونها، هم فقط يعرفون أنهم فقراء، والفقير - كما يعرفون - من الطبيعى ألا يجد ما يأكله، ومن الطبيعى أن ينام فى القبور لأنه ليس له مأوى. بين جنبات مقابر «الإمام الشافعى» فى حى الخليفة استطاع بعض الفقراء أن يجدوا مكاناً يقيمون فيه، رافضين الحديث إلى أى شخص يحمل كاميرا لأنهم لا يرضون أن يكونوا أداة لتشويه صورة مصر، قائلين: «إحنا بنحب مصر، ومايرضيناش نشوه صورتها بره، وده أهم عندنا من تحسين حالتنا الاجتماعية، وبعدين عيب إن الناس خارج مصر تشوفنا وإحنا كده حتى لو ده على حساب إن محدش يوصل لنا ولا يساعدنا». ليس كل سكان «قرافة الإمام الشافعى» يحملون هذا الفكر فبعضهم خرج عن صمته متحدثاً وواصفاً الحالة التى لا تنكرها عين، ومنهم نادرة سمير عبدالله، وهى أرملة عمرها 55 عاماً، قالت إنها تعيش فى حجرة صغيرة فى «حوش القرافة» منذ نحو 20 عاماً، مع أسرة تتكون من 3 بنات، الغريب أنها تدفع 70 جنيهاً شهرياً إيجار الحوش ل«الأوقاف». قالت نادرة: كنت أعمل فى سوق الجمعة قبل الحريق، وفى الحادث «الفرشة اتحرقت» ولم يعد لى مصدر رزق سوى معاش والدى 150 جنيهاً، وزوجى لم يكن لديه معاش لأنه كان على باب الله، كان عنده «نصبة شاى». وأضافت: «أنا مريضة بالسكر والضغط، وأحتاج دعامة للقلب لتوسيع الشرايين، وصدر لى قرار على نفقة الدولة ولكن لم يتم عمل الدعامة لى لعدم توافرها». عطيات بدر، من مواليد عام 1924، أرملة، تعيش وحيدة داخل «حوش» كبير لعائلة ميسورة الحال، هم الذين أتوا بها إلى هذا المكان - حسب قولها وقالت: «أعيش لوحدى هنا من زمن بعيد لا أتذكره ومصدر رزقى الوحيد هو زوار المقابر، ولدىّ معاش من القلعة - تقصد منطقة القلعة ولا تعرف مصدره نظراً لكبر سنها - وابنى بدر هو الذى يصرفه لى كل شهر، لدى 4 أولاد هم بدر وهانم وفتحية وسيد المتوفى». أمام إحدى مقابر الإمام جلست سيدة عجوز تدعى فوزية هاشم «72 عاماً»، ويبدو عليها اهتمامها بورقة تحملها بين يديها، كانت ورقة ملفوفاً فيها طعام فاسد تفوح منه رائحة غير طيبة، وعندما سألناها ماذا تأكل قالت وهى تبتسم: «والله ما اعرف، دى ورقة لقيتها فى الزبالة فيها شوية مخلل وربنا بيحلّى كل حاجة، الحمد لله، أنا صحيح عايشة لوحدى من 40 سنة لكن ربنا معايا». فوزية تعيش فى حجرة خشبية على فرش قديم جداً، وهى خالية من كل شىء، فى إشارة إلى أنها تنام على البلاط، الغريب أنها لا تطلب شيئاً من أحد، ولكن عندما يعطف عليها أحد تدعو له قائلاً: «والنبى تفوت عليا كل ما تيجى هنا مش عشان حاجة والله.. بس عشان أشوفك، ده أنا محدش بيسأل عنى خالص».