لا أعرف على وجه التحديد كم تبقى من أرض مصر متاحاً للأجيال الحالية، لا أعرف على وجه التحديد كم تبقى من أرض مصر متاحاً للأجيال القادمة، لا أعرف شيئاً، ولا يعرف غيرى شيئاً، وليست هناك جهة تقصدها فتعرف شيئاً، لا شىء بالمرة، ضباب كثيف يغشى الأرض البراح. نعرف حجم الإنتاج الغازى والبترولى وحجم الاحتياطى المؤكد والمحتمل، ولا نعرف شيئاً عن الأرض التى تحمل فى باطنها المؤكد والمحتمل، نعرف حجم الإنتاج الزراعى وحجم المستهدف، ولا نعرف شيئا عن الأرض التى تنتج المؤكد والمستهدف، لا نعرف شيئا بالكلية، جهل تام، لا نعرف شيئا عن الأرض المتاحة، والمسقعة، ووضع اليد، لا نعرف شيئا عن الأرض البور، والأرض الفضاء والمبانى والزراعة والاستثمار والاستصلاح، وأرض الآثار، لا نعرف شيئاً عن أراضى الوقف (إسلامياً وقبطياً)، لا نعرف شيئاً البتة. تسمع عن ملايين الأمتار اقتنصها ذاك، بالأمر المباشر أو المناقصة أو حتى بالمزايدة، ودلعاً بالممارسة، تسمع عن 400 متر يجرى عليها مزاد بين مئات الأفراد، وتسمع عن أرض فى توشكى يحوزها الأمراء، وتسمع عن مئات الآلاف من الأفدنة شرق العوينات وحكايات عن أرض الوادى الفارغ، وعن سهل الطينة، وأرض الضبعة، وسيدى كرير وعبدالرحمن وكل الأسياد، «ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم». وتسمع عن وزراء يخصصون بثمن بخس ملايين الأمتار، ومحافظين يقسمون الأرض بالهكتار، وتسمع عجباً ولا تعجب عن أرض المدن الصناعية بالمحافظات، والمدن الجديدة على أطراف المدن القديمة، وعن جمعيات فئوية ما أنزل الله بها من سلطان تحصل وتقطع وتقسم وتبيع، ومزارع تتحول إلى فيلات وشاليهات ومنتجعات وملاعب جولف فى بلد يترجى الله فى «بق ميه». بنك الأرض المركزى قد يكون حلاً، وحلاً سحرياً، بنك كالبنك المركزى تمام، يؤول إليه ما تبقى من أرض فى بحرى وقبلى وسيناء وخط القنال، وبأنواعها زراعية، سكنية، سياحية، صناعية، استثمارية، وبتقسيماتها مناطق حرة أو استثمارية أو مدن جديدة، بنك يجمع الأراضى كلها ويصنفها ويبوبها ويسعرها، بنك يقصده كل طالب أرض، مستثمراً كان أو مواطناً غلباناً، ولكل نصيب، ولكل طلب، ولكل شروط، ولكل تقسيم، ولكل تصنيف. بنك يتلقى الطلبات كلها، دون استثناء أو واسطة، بنك يحقق الرغبات كلها فى حدود المتاح، والمتاح معلن ومعلوم للجميع، بنك يخضع لقوانين شفافة وقواعد معتبرة ومرعية، المستثمر يجد أرضاً للاستثمار بأسعار يحددها البنك، حسب جداول وقواعد سوقية معتبرة، بالأسعار والفوائد والأقساط والآجال، والمواطن يجد أرضاً لبيته، بالأسعار والفوائد والآجال، والمزارع يجد أرضاً لمزرعته بالأسعار والفوائد والآجال، بنك يساوى بين الرؤوس، يلغى التخصيصات والممارسات والمزايدات، يلغى التداخل والتضارب بين الوزارات على ملكية الأراضى وحق التصرف فيها، وبين الوزراء والمحافظين على حق الانتفاع، ويفض العلاقة الآثمة بين الوزراء والمستثمرين، ويهش الضباب عن الأرض الحرام، ويصونها من السماسرة والمحتالين، وواضعى اليد. بنك تؤول إليه أرض مصر كلها، يلملم ما تبقى من شتات الأرض الموزعة ضيعا بين الوزارات والهيئات والمصالح والمدن الحرة وغير الحرة، بنك يتصرف فى ثروة مصر من الأرض بحساب من يخشى الفقر، بحساب السنين والأيام، يتحسب لقادم الأيام، لا يبعثر الأرض على شلل المنتفعين، بنك يملك حسابات بأسماء العملاء، لا يصرف أرضاً لمن استفاد بأرض، لا يصرف أرضاً لمن يسقع الأرض، بنك يميز فى السعر بين مشروع استثمارى ومشروع إسكانى، بنك يخصص للفقراء بقدر ما يخصص للأغنياء، ما يظهر على سطح الأرض قليل، وما تحت الثرى كثير من أرض وضع اليد، ألا قطعت يد وُضعت على الأرض الحرام.