مؤشرات تنسيق 2025، الطب 93.1% والصيدلة 91.7 والهندسة 88.6%    تنسيق الجامعات 2025، تعرف على أهم التخصصات الدراسية بجامعة مصر للمعلوماتية الأهلية    موعد المولد النبوى الشريف 2025 والإجازات الرسمية المتبقية .. تعرف عليه    السيسي يتابع آخر مُستجدات الموقف التنفيذي للمشروعات الصناعية وتوفير المواد الخام والتمويل    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الأسبوع    برنامج الأغذية العالمي: وقف إطلاق النار السبيل الوحيد لإيصال المساعدات إلى غزة    بعثة الأهلي تصل مطار تونس استعدادا لرحلة العودة (صور)    التحفظ على 10 آلاف قطعة كيك فاسدة في حملة تموينية على أسواق الفيوم    مسلسل آسر، هل الفنان اللبناني بيار داغر هو صاحب شخصية "كنان" الغامضة؟    إقبال جماهيري على فعاليات الأسبوع الأول من مهرجان "ليالينا في العلمين" بمدينة العلمين الجديدة    ورش في المونتاج والإخراج وفنون الموسيقي، برنامج التدريب الصيفي للشباب وطرق الاشتراك    التعليم العالي: حملة توعوية من المركز القومي للبحوث للتعريف بالأمراض الوراثية وأهمية الكشف المبكر    الأمن يكشف غموض خطف طفل من القاهرة وظهوره فى الصعيد    جامعة القاهرة تنظم أول حفل تخرج من نوعه لخريجي برامج الدمج وذوي الهمم بكلية التجارة    السيسي يتابع الموقف التنفيذي للمشروعات الصناعية وتوفير المواد الخام اللازمة للعملية الصناعية    أسعار زيت الطعام بسوق اليوم الواحد بالجمالية.. التفاصيل    حالة الطقس في الكويت اليوم الأحد.. حرارة شديدة ورطوبة نسبية    وزيرة التخطيط ونظيرتها بجنوب أفريقيا تؤكدان أهمية التوسع بمشروعات البنية التحتية بالقارة السمراء    استرداد 105 أفدنة أملاك دولة غير مستوفية لضوابط التقنين بمدينة الطود    محافظ أسوان يكلف معاونه ومسئولي الوحدات المحلية بمتابعة تجهيز 190 لجنة انتخابية    "أونروا": لدينا 6 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول قطاع غزة    إطلاق حملة توعوية من المركز القومي للبحوث للتعريف بالأمراض الوراثية    «خلافات بين عائلتين».. تأجيل محاكمة متهم بقتل جاره في مغاغة بالمنيا    البقاء أم الرحيل.. شوبير يكشف مطالب عبد المجيد من أجل الإستمرار مع الزمالك    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القطاع يحتاج إلى 600 شاحنة إغاثية يوميا    طلاب «المنح الدولية» مهددون بالطرد    موعد حفل تامر عاشور في العلمين الجديدة و أسعار التذاكر    في ذكري وفاة رشدي أباظة .. دخوله التمثيل كان بسبب صداقته لأحمد رمزي وعمر الشريف    حسن شحاتة أسطورة حية صنعت المستحيل ضد الأهلى والزمالك    وزير التعليم يعتمد جدول امتحانات الثانوية العامة "الدور الثانى 2025" .. اعرف مواعيد الاختبارات    وزارة الصحة توجة نصائح هامة للمواطنين بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة    اليوم.. قرعة الدوري «الاستثنائي» بمشاركة 21 فريقا بنظام المجموعتين    مصر تنتصر ل«نون النسوة».. نائبات مصر تحت قبة البرلمان وحضور رقابي وتشريعي.. تمثيل نسائي واسع في مواقع قيادية    جواو فيليكس يقترب من الانتقال إلى النصر السعودي    ضبط 118709 مخالفات مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    سويلم: إزالة 87 ألف تعد على النيل منذ 2015 ومواصلة مكافحة ورد النيل    عامل وراء حرق مطعم يعمل به لإخفاء جريمة سرقة    ريم أحمد: شخصية «هدى» ما زالت تلاحقني.. وصورة الطفلة تعطل انطلاقتي الفنية| خاص    ليلة موسيقية ساحرة تجمع أحمد جمال ونسمة عبد العزيز في استاد الإسكندرية    موسيقى وألعاب نارية في تقديم دي بول    3 أوجه تشابه بين صفقتي بوبيندزا وأوكو مع الزمالك    حزب بريطاني يهدد بفرض إجراء تصويت في البرلمان من أجل الاعتراف بدولة فلسطين    زكى القاضى: مصر تقوم بدور غير تقليدى لدعم غزة وتتصدى لمحاولات التهجير والتشويش    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطى    "الصحة": حملة 100 يوم صحة قدّمت 15.6 مليون خدمة طبية مجانية خلال 11 يوما    «الإفتاء» توضح الدعاء الذي يُقال عند الحر الشديد    بدعم من شيطان العرب .."حميدتي" يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان    قبل بدء الهدنة.. 11 شهيدًا وعشرات الجرحى في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية»| الأحد 27 يوليو    إيتمار بن غفير: لم تتم دعوتي للنقاش بشأن إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    «غير اسمه بسبب الاحتراف».. هاني حتحوت يكشف تفاصيل مثيرة بشأن نجم الزمالك    الثالث علمي بالثانوية الأزهرية: نجحت بدعوات أمي.. وطاعة الله سر التفوق    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثأر وسوفت وير الصعيد

رغم أن أهلى أشاروا على بعدم الخوض فى هذا الموضوع المعقد فى مجتمعنا الصعيدى المفرط فى الحساسية‏، إلا أن سؤال الثأر وكذلك بعض مظاهر وتجليات الحياة الصعيدية الحديثة بدأت تنحو منحى لا يحتمل السكوت، هنا سأتعرض للظاهرة رغم خطورتها من حيث الجذور واضطراب طرق العدل، وكذلك عولمة الثأر وأثره على علاقات الدولة بدول الجوار‏، متمنيا أن يغفر لى أهلى الخوض فى أمور قد يرونها عورة مجتمعهم‏، أمور لا يصح إماطة اللثام عنها أو كشف سرها.
‏تركت أهلى فى صعيد مصر لفترة تصل الآن إلى 25 عاما‏، هى منتصف عمرى بالضبط أو تكاد‏، وجوه رحلت عنها ولم ترحل عنى، أسافر بهم أحيانا‏، تلك الوجوه الداكنة السمرة التى تثبت العالم لدى، وفى كل مرة أعود إليهم أراهم فى حالة أسوأ‏، حالة ارتداد سمها عنف الحداثة‏، ولهم فى ذلك أعذار عدة‏، فرضتها عليهم علاقاتهم بالعاصمة‏، وبدول الجوار حيث يعملون‏،
ووكذلك علاقتهم بمنظومة القيم السائدة والمتغيرة‏، كل مرة أزور فيها الصعيد لا أرى تخلفا وإنما أرى تخلفا يمور، يترقرق كماء البحر غير مستقر وشاخص نحو أفق بعيد‏، لكنه مجتمع يمشى كالنائم بلا هدف‏، البعض تعدى حالة المشى نائما إلى حالة ما يسمى عندنا بالموت بالحيا أو الميت الماشى‏.‏ هذا الوصف القاتم لا ينكر على الدولة مجهودها فى إصلاح البنية التحتية للصعيد‏، فالصعيد الآن على مستوى البنية التحتية أفضل بكثير مما كان‏،
ففى الوقت الذى لم تدخل فيه الإنارة الكهربية قريتى إلا وأنا طالب فى السنة الأولى من الجامعة‏ (1977)، تجد القرى الآن بها الخدمات من الكهرباء حتى الإنترنت لكن رغم هذا التقدم على مستوى العتاد HARDWARE‏ والتجهيزات من حيث الطرق وغيرها‏، المشكلة فى جزء كبير منها هى مشكلة سوفت وير أو البرامج والمنظومة الثقافية المسيطرة على الذهنية فى الصعيد‏، هذا البرنامج المسيطر على العقلية الصعيدية ليس برنامجا محليا كما قد يحلو للبعض أن يصوره‏،
هذه الرؤية التى ترى تخلف الصعيد على أنه راجع إلى ظروف لا تخص هذا المجتمع وحده هى رؤية أسميها‏‏ «الاستشراق المحلى»‏‏ رؤية أشبه برؤية الغربى للشرق الآن، ولكن مثقفى العواصم يمارسونها على الصعيد‏، مشكلة الصعيد متعددة الجوانب والأوجه وفى اختزال هذه المشكلة إلى ذهنية التخلف فقط وإلقاء اللوم على الفرد الصعيدى هو نوع من التخلى عن المسؤولية‏، الصعيد الآن يتجه إلى العنف أكثر مما مضى رغم مظاهر التقدم وانخراط أبنائه فى التعليم‏،
هذا العنف يتجلى فى القتل بهدف الثأر أو فى إرهاب الجماعات المدعوة مجازا إسلامية‏، رغم أنها فى جوهرها لا تختلف عن ممارسات الجماعات فى الجنوب الإيطالى، والذى تشكل نسبة التخلف فيه تخلف الصعيد مع الاحتفاظ بالفارق بين روما والقاهرة‏، هذا العنف الناتج عن خلل علاقة روما بالجنوب الإيطالى أدى إلى ظهور المافيا فى بداية عصر الصناعة‏، وها هى مصر تدخل نفس النقطة فى مسار التنمية لتنتج مافيا الصعيد.
هذه المافيا لابد أن تبحث عن غطاء مقبول فى البيئة المحلية‏، فمرة يتغطى هذا السلوك بالإسلام فنطلق عليه عنف الجماعات الإسلامية‏، ومرة يتغطى بالعادات والتقاليد فنطلق عليه مصطلح الثأر‏، ولكن الحقيقة المرة هى أن مصر تدخل مرحلة حرجة من حيث الحراك إلى أسفل وإلى أعلى وبشكل أفقى أيضا مما يخلخل البنية الاجتماعية الصعيدية‏، ويجعلها فى حالتها المضطربة التى نراها الآن‏، والتى تقع مسألة علاجها فى المقام الأول من بداية فهمها‏، ورغم أننى قريب وبعيد فى نفس الوقت من هذه الظاهرة إلا أننى أشك فى قدرتى الموضوعية وذلك لقربى العاطفى من الحالة الصعيدية‏،
لذا أدعو الباحثين المهتمين بهذه الحالة إلى محاولة مقارنتها بجنوب إيطاليا وكذلك جنوب المكسيك حتى يتسنى لنا معرفة العوامل الجوهرية المحركة لظاهرة العنف هذه ونتجنب إلقاء اللوم كله على عامل الإسلام (فى حالة الجت‏)‏ أو عامل الثقافة الصعيدية والعادات والتقاليد (‏فى حالة الثأر‏).‏ هذه المقارنة مع مجتمعات ذات عادات مختلفة تقاسى من تبعات نفس العنف قد توضح لنا الصورة بشكل أوضح وأكثر علمية.
‏لن أحاول أن أشيئ الصعيد وأدعى استمرارية للعنف هى فى حقيقة الأمر متقطعة‏، لكن الثابت هو أن جغرافيا العنف وكذلك تاريخه فى الصعيد هو أمر عصى على البحث ذلك لأن القريب منه مشكوك فى موضوعيته أما البعيد عنه فهو فى جهله مثار ضحك واستهزاء‏، ذلك لأن معظم ما كتب عن الصعيد‏، باستثناء بعض كتب الرحالة فى بداية القرن وخصوصا كتاب باحثة إنثروبولوجية من جامعة اكسفورد فى عشرينيات القرن بعنوان «عادات وتقاليد أهل الصعيد»‏،
لم تكتب عن الصعيد كتابات ذات بال‏، وهنا أستثنى من ذلك السير الشخصية لعظيمين من الصعيد هما طه حسين والدكتور لويس عوض‏، وكذلك دراسة الدكتور حامد عمار عن تربيته فى قرية صعيدية‏، وكانت دراسة ميدانية أذكر أنه قال فى مقدمتها إنها كانت رسالته لنيل درجة الدكتوراه‏.‏
كان ذلك فى الستينيات‏، ماعدا ذلك فلم نعرف عن الصعيد إلا من الروائى محمد مستجاب فى ديروط وغيرها‏، وذلك قبل أن ينصرف مستجاب إلى الشأن القاهرى‏.‏ كذلك عرفنا الصعيد الخاص فى حالة كتاب النوبة مثل إدريس على والمرحوم إبراهيم فهمى، والأبنودى فقدم لنا الصعيد شعرا عاميا. وللحديث بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.