المسافة التى يقطعها - تقريباً بشكل يومى - من أسوان إلى القاهرة، أقل بكثير من تلك التى تفصل بينه وبين حلمه، الذى يبدو أنه لن يتحقق رغم مرور 20 عاماً على سعيه فيه، فبحثه اليومى عن لقمة العيش ومحاولة تغيير واقعه الذى وضعه على رأس أسرة مكونة من 6 أبناء وزوجة وأخت لم يؤتيا ثمارهما بعد، لكنه لا يمل تلك المحاولات ويواصلها بمنطق: «صحيح لو بطلنا نحلم نموت.. لكن هنموت من الجوع». عرف مصطفى معنى الجوع منذ أن حصل على معاش 320 جنيهاً، من وقتها وهو لا يعرف سوى طعم البلح، وأسرته لا تأكل سوى وجبة واحدة، فالمعاش الذى يحصل عليه يكفى بالكاد مصروفات العلاج وضروريات الحياة، ليس من بينها التعليم ولا تجهيز البنات اللائى اقتربن من سن الزواج. حلم مصطفى عبّر عنه فى عدد كبير من الشكاوى والاستغاثات والبرقيات، كان يرسلها أو يسافر من أسوان إلى القاهرة لتسليمها إلى الجهات المعنية، وكلما ارتفعت الأسعار أو ساءت حالته وأسرته زادت زياراته إلى القاهرة، إما لتقديم أوراق تثبت مأساته أو للتقديم فى إحدى الخدمات والمشروعات التى تعلن عنها الحكومة، وفى كل مرة يفرح فرحة مؤقتة، تزوره جهة من تلك التى راسلها تتأكد من مأساته واحتياجه للدعم والمساعدة ثم تذهب دون رجعة، حدث هذا مرة مع موظفى وزارة التضامن الاجتماعى الذين جاءوه وأجروا له بحثاً اجتماعياً تأكدوا فيه من حالته، لكنهم سافروا دون رجعة، ومرة ثانية مع مسؤولى وزارة الزراعة، حيث تكررت تلك الزيارات إلى منزله للتأكد من الحالة، وبناء عليه حصل على خطاب تخصيص قطعة أرض فى وادى الصعايدة يزرعها ويعيش من ريعها هو وأسرته. إلى هذا الحد توقفت أحلام مصطفى والزيارات التى تأتيه إلى منزله البسيط، لكن لم تتوقف زياراته هو إلى القاهرة، التى بدأت قبل 20 عاماً، إذ واصلها بمنطق: «أتابع الإجراءات لأحصل على الأرض وألم شمل أسرتى».. لكن منطقه لم يكن سليماً، صحيح حصل على التخصيص، لكنه لم يحصل على سواه، ولم ير شبراً من تلك الأرض حتى الآن، ولا يعلم عنها شيئاً.. هكذا لم تبق لمصطفى من رحلاته المكوكية إلى القاهرة عبر قطار يقطع الطريق فى 12 ساعة تصل إلى 15، يقتات خلال هذه الرحلة بضع ثمار البلح - لم تبق سوى ورقتين، واحدة تجزم بأنه فقير يعول أسرة كبيرة ويحتاج للمساعدة، والأخرى خطاب تخصيص قطعة أرض أتم عامه الثامن دون أن يتحول إلى واقع، ورغم ذلك لم يفقد مصطفى الأمل حتى الآن، ولايزال يستيقظ مبكراً ويسافر إلى القاهرة بورقة ويعود لأسرته حاملاً وعداً من الجهة التى ذهب إليها بحصوله على حقه قريباً، لكن قريباً لا يأتى.