1950 مرشحا على النظام الفردى بانتخابات مجلس النواب يتقدمون بأوراقهم خلال 4 أيام    تعديل في مواعيد تشغيل مترو الخط الثالث بسبب مباراة منتخب مصر أمام غينيا بيساو    ترامب في شرم الشيخ!    الزمالك يكشف سر التعاقد مع مدرب يد أجنبي رغم الأزمة المالية    تأجيل دعوى إلزام «المطابع الأميرية» بنشر تعديلات قانون الإجراءات الجنائية ل17 يناير    ممارسات صغيرة تصنع فارقًا كبيرًا، ازرعي الثقة في ابنك يوميًا بدون كلمات    اليوم، عرض أولى حلقات مسلسل اللايت كوميدي "لينك"    8 وجبات خفيفة لا ترفع مستوى السكر في الدم    اجتماع تركي - سوري رفيع حول التعاون الأمني في أنقرة.. الأحد    معهد فلسطين لأبحاث الأمن: اتفاق شرم الشيخ يعكس انتصار الدبلوماسية العربية    رئيس جامعة السويس: إدراج الجامعات المصرية في تصنيف التايمز العالمي يعكس تطور التعليم    غدًا.. محاكمة 60 معلمًا بمدرسة صلاح الدين الإعدادية في قليوب بتهم فساد    مئات القتلى والجرحى بسبب هجمات الدعم السريع على الفاشر    موسكو: بوتين يرى أن تعزيز العلاقات مع كوريا الشمالية أمر بالغ الأهمية    منظمة العمل العربية تطالب سلطات الاحتلال بتعويض عمال وشعب فلسطين عن الأضرار التي سببتها اعتداءاتها الوحشية    تقديم 64 مرشحًا بأسيوط بأوراق ترشحهم في انتخابات النواب    القنوات الناقلة لمباراة الإمارات وعُمان مباشر اليوم في ملحق آسيا لتصفيات كأس العالم    سكالوني يكشف سبب غياب ميسي عن ودية فنزويلا وموقفه من المباراة المقبلة    موعد وملعب مباراة الأهلي وإيجل نوار البوروندي    إيهاب الشريطي: برنامج قائمة أبناء الزهور هدفه تلبية طموحات أعضاء الجمعية العمومية    محافظ كفرالشيخ يوجّه بتغيير خط مياه الشرب بقرية الرغامة    الجو هيقلب.. بيان عاجل من الأرصاد الجوية يحذر من طقس الأيام المقبلة    الداخلية تكشف تفاصيل ضبط سائق يسير عكس الاتجاه بالتجمع الخامس ويعرض حياة المواطنين للخطر    إحالة أوراق المتهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة في المنيا إلى المفتي    الداخلية تكشف حقيقة سرقة شقة بالدقي    هدايا على السناكس.. ضبط 6 آلاف كيس عصير منتهي الصلاحية في حملة بالغربية    «المشاط» تبحث مع المفوضية الأوروبية جهود تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون CBAM    قريبًا.. مصر تستقبل التوقيت الشتوي لعام 2025 هل مستعد لتغيير الساعة؟    تفاصيل لقاء السيسي بالمدير العام لليونسكو (صور)    أحمد مجدي: مهرجان الفيوم السينمائي يتطلع ليصبح منصة عالمية للسينما والتنمية المستدامة    إيهاب فهمي: "اتنين قهوة" يُعرض في ديسمبر | خاص    اكتشاف قلعة عسكرية جديدة من عصر الدولة الحديثة بسيناء    في 3 أيام.. إيرادات فيلم هيبتا 2 تقترب من 11 مليون جنيه    المدير التنفيذي للهلال الأحمر ل«الشروق»: خطة إنذار مبكر ورفع جاهزية الفروع استعدادا لفصل الشتاء    «الري»: التعاون مع الصين فى 10 مجالات لإدارة المياه (تفاصيل)    منها تنظيم السكر وتقليل التوتر.. 7 فوائد صحية لبذور اليقطين    إنفلونزا المعدة.. تعرف على الأعراض وطرق الوقاية من العدوى    ويتكوف وقائد القوات الأمريكية يزوران جنود الاحتلال فى غزة.. صور    عاجل- الدفاع المدني في غزة: 9500 مواطن ما زالوا في عداد المفقودين    الرباعة سارة سمير بعد التتويج بثلاث فضيات ببطولة العالم: دايمًا فخورة إني بمثل مصر    العرفاوي: لا ندافع فقط في غزل المحلة.. ونلعب كل مباراة من أجل الفوز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    في اليوم العالمي للفتاة.. التعليم العالي: نحو 2 مليون طالبة في الجامعات والمعاهد العليا    «المشاط» تبحث مع المفوض الأوروبى للبيئة جهود تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون    زراعة المنوفية: ضبط 20 طن أسمدة داخل مخزنين بدون ترخيص فى تلا    حان وقت تغيير ساعتك.. كيف تواجه تحديات التوقيت الشتوي؟    إحالة أوراق عامل ونجله لمفتي الجمهورية لقتلهما شابا في قنا    «التضامن» تبحث مع مدير مشروع تكافؤ الفرص «EOSD» بالوكالة الألمانية دعم مشروعات الحماية الاجتماعية    انتخابات النواب: رقمنة كاملة لبيانات المرشحين وبث مباشر لمتابعة تلقى الأوراق    الأزهر للفتوى: حرق قش الأرز حرام لما فيه من إفساد في الأرض وإضرار بالنفس والبيئة    عاجل- رئيس الوزراء يتفقد عددًا من المشروعات التنموية بمحافظة القليوبية    الرعاية الصحية: تعزيز منظومة الأمان الدوائي ركيزة أساسية للارتقاء بالجودة    منها «القتل والخطف وحيازة مخدرات».. بدء جلسة محاكمة 15 متهما في قضايا جنائية بالمنيا    أسعار الدولار اليوم السبت 11 أكتوبر 2025.. وصل لكام؟    تعرف على فضل صلاة الفجر حاضر    «رغم زمالكاويتي».. الغندور يتغنى بمدرب الأهلي الجديد بعد الإطاحة بالنحاس    فتاوى.. بلوجر إشاعة الفاحشة    فتاوى.. عدة الطلاق أم الوفاة؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يوسف زيدان يكتب: المزيج السكندرى البديع (6/7) .. الغنوصيةُ وآباءُ الكنيسة

عندما ننظر فى التاريخ، وقليلاً ما نفعل، تقابلنا فى كثير من الأحيان كلمات (غنوصية، غنوص، غنوصى..) وهى ترجمة عربية «صوتية» أى متوافقة صوتياً، لكلمة يونانية قديمة تعنى: المعرفة.. ومثلما هو الحال فى كثير من المفردات، فإن اللغة العربية نقلت إليها كثيراً من الكلمات التى لم تجد لها مقابلاً عربياً فصيحاً، فأبقتها فى كلامنا بصوتها ونطقها الأعجمى (غير العربى) وصارت مع كثرة الاستعمال تبدو كأنها مفردات عربية.
 ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك، كلمات: دراما، تراجيديا، كوميديا، فلسفة، لاهوت، كيمياء، مكس.. إلخ، وهناك بعض الكلمات التى استبقى بعض الناس لفظها غير العربى، واستعملوه، تحاشياً للتعبير عنها بمفردات كثيرة أو تجنباً للمقابل العربى الصريح. فيقولون (الأقرباذين) قاصدين به (الأدوية المركبة والمعاجين الدوائية) ويقولون كرازة، وهى تعنى حرفياً: التبشير بالمسيحية.
وكلمة (غنوص) تعنى من حيث الدلالة الاصطلاحية، معنىً قريباً من الدلالة الحرفية للكلمة. فهى اسم لمذاهب كثيرة مختلفة فيما بينها، ولكن يجمعها كلها شىء وحيد، هو محاولة الحصول على المعرفة، بالاتصال المباشر مع الإله.. وبحسب المبدأ الغنوصى العام، فإن (الله) متعالٍ جداً عن هذا العالم، ومنفصل عنه بحكم اختلاف الطبيعتين: طبيعة الإله باعتباره الخير الخالص، وطبيعة العالم الذى هو موطن الشرور والخطايا وسيطرة المحسوسات.
والإنسان موجود فى هذا العالم (الشرير) لكنه لا ينتمى له فى واقع الأمر، لأنه من طبيعة إلهية. فالروح الإنسانى قبسٌ من نور الله، وشعلة ربانية هبطت إلى هذا العالم المادى، بسبب خطأ اقترفته فى الأزل، فصار فى الإنسان: نفسٌ من أصل إلهى خالد، وجسمٌ مادى من هذا العالم الفانى.
والمذاهب الغنوصية تقول إن الإنسان إذا تجرَّد عن متطلبات الحسِّ، فإن روحه (نفسه) تتحرَّر وتحلِّق فى الأفق الإلهى الذى جاءت منه أصلاً، وهو ما قد يحدث فى لحظاتٍ نادرة تتم خلالها (المعرفة الحقة بالوجود).. وبالطبع، فإن لهذه المعرفة شروطاً، أهمها أن يكون الإنسان فاضلاً، لا يقترب من الخطايا ولا ينغمس فى الملذات، ولا يسمح للمحسوسات أن تتحكم به وتثقل روحه عن التحليق فى الأفق السماوى.
وقد انتشرت الاتجاهات الغنوصية فى الإسكندرية، وبقية مدن العالم القديم، فى القرن الثانى للميلاد. وكان انتشارها مرتبطاً بحالة القتامة، التى خيَّمت على العالم القديم، بسبب الاضطرابات السياسية والحروب المستمرة واليأس من تحقيق (الخلاص) الجماعى، وهو ما يقود بشكل تلقائى إلى محاولة البحث عن (خلاص فردى) وعن يقين خاص.. وقد اشتهر فى القرن الثانى الميلادى، من الغنوصيين: باسيليدس، الذى درس فى الإسكندرية، وكانت وفاته سنة 161 ميلادية بعدما ترك مؤلفات، منها شرح للإنجيل فى 24 كتاباً، ومجموعة مزامير وتسابيح.. ويقال إن الإنجيل الذى شرحه باسيليدس، هو إنجيل آخر غير تلك الأربعة الموجودة اليوم بأيدى الناس.
وثانى الغنوصيين الكبار، قديماً، هو فالينتينوس المصرى. كان مولده بمصر، وقضى حياته متنقلاً بين أنحاء العالم القديم، حتى توفى فى روما (فى حدود سنة 160ميلادية) حيث كان يدعو لعقيدة روحية تقوم على فكرة أن الخطيئة الأولى دمَّرت التآلف بين النفس الإنسانية وأصلها السماوى (الآب)، وعلى كل فرد أن يحرِّر ذاته من سيطرة الجسم والمحسوسات، حتى يعود التآلف المفقود.
ومن أهم الذخائر التراثية (الغنوصية) مخطوطات نجع حمادى، التى اكتشفها بالصدفة سنة 1945 الفلاح (الصعيدى) محمد على السمَّان، وباعها فى القاهرة بأبخس الأثمان، فانتقلت أغلب مخطوطاتها إلى خارج البلاد، بما فيها (إنجيل الحقيقة) المعروف حالياً بإنجيل توما.. وهو نصٌّ غنوصى بامتياز، كاد زاهى حواس يسترجعه إلى مصر، لكنه رضخ لصخب الرافضين، وآثر السلامة، وطوى الأمر.
والغنوصية حَلٌّ فردى، ولذلك فهى وإن كانت ذات صبغة دينية وروحية، إلا أنها لا تحتاج إلى المؤسسة أو التنظيم الدينى والهيئات ذات الطابع الجماعى (الشعبى)، الذى يعتمد على اختصاص رجال الدين بالأسرار الإيمانية، وعلى كون هؤلاء هم الممثلين للإله فى الأرض.. ولذلك، لا ينبغى لنا أن نندهش، حين نرى اليوم بعض الناس يسجدون لبعض الناس وهى بذلك تخالف الكنيسة.
ونظراً لاختلاف (المنطلق) بين الغنوصية والكنيسة المسيحية، فقد ثار الخلاف الفكرى بين الغنوصيين وآباء الكنيسة الأوائل، وهو الخلاف الذى انحسم تاريخياً بانتصار آباء الكنيسة واستتار الاتجاهات الغنوصية.. وآباء الكنيسة، مصطلح يشير إلى أعلام الرجال، الذين دافعوا مبكراً عن (الإيمان القويم)، أو ما يسمى الأرثوذكسية. وكان هؤلاء الآباء ينتمون إلى مدن ونواحٍ كثيرة، مثل كبادوكيا وروما وأنطاكية. ولكن آباء الكنيسة فى مدينة الإسكندرية، ظل لهم (دائماً) أهمية خاصة باعتبارهم من أهمِّ الآباء المؤسِّسين للكنيسة، إن لم يكونوا أهمَّ هؤلاء الآباء على الإطلاق.
ومن أشهر، وأهمِّ، آباء الكنيسة السكندريين: كليمان (كليماندس) وأوريجين (أوريجانوس).. وُلد الأول لأبٍ وأمٍ وثنيين، فى منتصف القرن الثانى الميلادى، ثم آمن فى شبابه بالمسيحية- وظل مؤمنا بها حتى وفاته سنة 215 ميلادية. وقد قضى كليمان معظم حياته فى الإسكندرية، وفيها كتب مؤلفاته المشهورة وأشعاره الرقيقة وردوده على الغنوصيين.
مع أنه حسبما يقول المؤرخون، كان ينادى بالمعرفة (الغنوصية) القائمة على النزوع الصوفى والأخلاقى، وكان يستعمل لغة (الأسرار)، التى يستعملها الغنوصيون. لكنه امتاز عنهم بالمهارة فى استخدام الأسلوب الرمزى، وبكونه سكندرياً، وبأنه نموذج للمثقف اليونانى القديم، الذى لا يكفُّ عن الاستشهاد بهوميروس وأفلاطون وإنجيل المصريين (وهو الإنجيل الذى اختفى بعد ذلك).. ومن لطائف أشعار كليمان وصلواته، قوله:
تعطَّف أيها المربِّى
على أولادك الصغار      
أيها الآب، يا قائد إسرائيل
أيها الآب والابن معاً،
يا رب
أعطنا متابعة وصاياك
فنصل إلى مشابهة الصورة
ونعرف على قدر قوانا
صلاح الله.
أما أوريجين، فقد كان رجلاً عبقرياً. وُلد بالإسكندرية سنة 185 ميلادية تقريباً، ونشأ فيها بين أسرة مسيحية. وعانى من ويلات كثيرة، كان أولها قتل والده على يد (الوثنيين) سنة 202 ميلادية، وآخرها نزاعه الطويل مع أسقف الإسكندرية فى زمانه: ديمتريوس الكرَّام.. وقد حكت الروائية سلوى بكر، سيرة أوريجين فى روايتها، التى حملت عنوان (أدماتيوس الألماسى)، وهى صفة حملها أوريجين، صوابها (أدمانتيوس) أى الصُّلب الذى لا يُخدش، أو (الألماسى).. وهو لقب عُرف به أوريجين فى حياته وبعد مماته سنة 254 ميلادية تقريباً.
درس أوريجين على يد آمونيس ساكاس (درس الفلسفة بالطبع) وكان زميلاً لأفلوطين، الذى صار لاحقاً: فيلسوف «الأفلاطونية الجديدة» الأشهر. وقد اتجه أوريجين بذخيرته الفلسفية والأدبية الهائلة، وبموهبته، إلى التبشير بالمسيحية وتفرغ للتدريس كى يقاوم المعهد العلمى للإسكندرية (الموسيون).. وبعد حياة حافلة، توفى أوريجين مغضوباً عليه من الأسقف ديمتريوس الكرَّام (أى مُزارع العنب الكرم) بسبب أن أوريجين خصى نفسه ليبتعد عن فتنة النساء! أو بسبب لجوئه إلى أساقفة آخرين فى إيلياء (القدس = أورشليم) وترقيتهم له إلى درجة قسيس، وهو ما أثار الأسقف السكندرى. فاستدعاه من هناك، وعزله من تلك الرتبة، وحدَّد إقامته فى المدينة. حتى طلبت (ماميا) أم إمبراطور روما شخصاً يشرح لها العقائد المسيحية، والفرق بين اليهودية والمسيحية، فأرسلوا أوريجين لهذه المهمة، فأتمها على خير وجه، وكان له الفضل فى تحسين صورة المسيحيين عند حكام روما.
ترك أوريجين مجموعةً بديعة من المؤلفات، شرح فيها الأناجيل باليونانية البليغة، وأكَّد فيها الاختلاف القائم بين الديانة المسيحية والنزعات الغنوصية، على اعتبار أن (العقائد) المسيحية هى التى ينبغى ل(النخبة) أن تؤمن بها لتدرك السر الأعظم الذى هو الله.. ولعل أهم أعمال أوريجين، هو كتابه المعروف بعنوانه اليونانى (الهاكسبلا) أى الأعمدة الستة. وفى هذا الكتاب، يقابل أوريجين بين نصوص (العهد القديم، اليهودى) من خلال ستة أعمدة (النص العبرى بحروفه العبرية، النص العبرى بحروف يونانية، ترجمة أكويلا، ترجمة سيماخوس، الترجمة السبعينية، ترجمة ثيودوتوس اليهودى).
وفى الدفاع عن المسيحية، كتب أوريجين رداً على الفيلسوف (سلسيوس) شرح فيه أصول العقيدة المسيحية: التجسُّد، الثالوث، العبادة.. إلخ. وقد اعتبرت كتابات أوريجين بحسب التعبير، الذى اشتهر عنها: خزانة أدوية للردِّ على الهرطقات.
ولكن الكنائس ما لبثت أن تنكَّرت لأوريجين، بعد وفاته، واعتبرته هرطوقياً (كافراً، مبتدعاً، مرتداً..) وقام أسقف الإسكندرية ثيوفيليوس سنة 397 ميلادية، بحرمه (أى طرده من حظيرة الإيمان المسيحى) وطرد الرهبان الذين يتَّبعون أفكار أورجين. وبعد أن أبلغ الأسقف السكندرى أساقفة المدن الكبرى بقرار (الحرم) عاد بعد سنوات، وعدَّل قراره بقوله الشهير: مؤلفات أوريجين كحديقة فيها أزهار جميلة، وفيها أعشاب رديئة وأشواك!
وفى اجتماع رؤساء الكنائس الكبرى سنة 553 ميلادية (مجمع القسطنطينية الثانى) صدر عن الأساقفة القرار الثانى: كل مَنْ لا يحرم آريوس ومكدونيوس ونسطور وأوريجين، فليكن مطروداً من حظيرة الإيمان.. لأن كتابات أوريجين تحتوى على عقائد هرطوقية! ومع ذلك، فقد انحاز لأوريجين كثيرون من الأساقفة على مر العصور، وقال عنه البابا «لاون الثالث عشر»: من بين الشرقيين، يحتل أوريجين المقام الأول، وقد كان عجيباً فى ذكائه وصبره على العمل، ومن مؤلفاته العديدة استفاد معظم الذين أتوا بعده..».
ولنختتم المقالة، بعبارة من عظات أوريجين وشروحه لسفر العدد (أحد أسفار التوراة)، حيث يقول بنزعة غنوصية، ناصحاً المؤمن المسيحى: الأرض والسماء يجب أن تتسامى عنهم، وتتسامى عن كل ما ترى وتسمع، وكل ما يخطر على قلبك، وعندئذٍ سوف تعرف ما أعده الله لأولئك الذين يحبونه.
الحبّ.. جوهر المسيحية، وسر التقديس، وقاعدة العلاقة بين الله والإنسان، وروح الشرائع السماوية كلها، وهدف الفنون الراقية، وأعمق ما يمكن أن يعطيه الإنسان. ولكن فى المقابل، هو الموجود المفقود، المزعوم المرفوض.. لأن المقت أسهل على العوام من الحبِّ، والكراهية أكثر جاذبية لمعظم الناس، ولا تحتاج الجهد الذى يتطلبه الحبُّ. وفى مقالتنا القادمة، الأخيرة من هذه السباعية، نحكى: النهايات الحزينة للزمن السكندرى البديع.. فإلى لقاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.