«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهَّمه المطران (4-7) .. قلقُ المقدمات
نشر في المصري اليوم يوم 20 - 08 - 2009

بمقدماتٍ كثيرةٍ تعكس قلقه مما هو مقبلٌ عليه، بدأ الأنبا المطران (بيشوى) كتابه الذى يزعم على صفحة غلافه أنه «بحث وثائقى تاريخى وعقائدى للرد على رواية عزازيل»، ففى بدء الكتاب تتتالى ثلاثُ صور، ثم تتوالى من بعدها ثلاث مقدمات (تصدير، مقدمة، تمهيد) وكلها ممهورة بتوقيع المطران (بخط يده) كما لو كان ذلك إثباتاً قوياً بأنه صاحب الكتاب.. الرد! وعلى ظهر الغلاف كتب المطران وظائفه فى أربعة أسطر.
ومع ذلك فإننى أظن – والله أعلم – أن المطران ابتدأ بدايةً مباركة، مُوفَّقة، حين وضع صورة المسيح فى أول صفحة، وكتب تحتها ما نصه: السيد المسيح كلمة الله! وهى عبارة طيبة اعتبرتها بداية (موفقة) لأنها تشير إلى اتفاق المسلمين والمسيحيين، معًا، على أن المسيح هو روح من الله، وكلمة منه تعالى. ولبيان أهمية هذا (الاتفاق) الذى عبَّرت عنه أولى عبارات الكتاب.. الرد، لابد من الرجوع قليلاً بالزمن إلى الوراء :
كانت الفلسفة اليونانية القديمة، بمثابة ثورة (العقل) ضد الخرافة، ومحاولة دؤوب لمواجهة الأساطير التى شاعت عند اليونان، وذاعت بينهم بفضل أشعار هوميروس الملحمية الشهيرة، وهى الأشعار المتفرقة التى جُمعت بعد ذلك فى الإسكندرية، بفضل جهود أمناء المكتبة القديمة (زينودوتس، أريستوفانيس البيزنطى، أريستارخوس) الذين جمعوا هذه الأشعار معاً، تحت عنوانىْ الإلياذة، الأوديسَّة.
وقد أراد الفلاسفة، انتصاراً للعقل الإنسانى، أن يقدِّموا تفسيرات عقلية لأصل الوجود، وتعليلات منطقية لطبيعة العلاقة بين الله والعالم. وبالطبع ، فالمقام يضيق هنا عن استعراض الآراء والنظريات الفلسفية التى قَدَّمها حكماءُ اليونان منذ (طاليس) الذى قرَّر أن الماء هو أصل العالم، إلى أرسطو الذى قرَّر أن الوجود ينجذب إلى الإله بنوعٍ من العشق، بينما الله (المحرِّك الأول) ساكنٌ لا يتحرك.
 كما يضيق المقام هنا عن عرض المفاهيم والمصطلحات الفلسفية الكثيرة، التى صاغها فلاسفة اليونان، ومن بينها مفهومان شهيران هما (النوس، اللوجوس) باعتبارهما من المبادئ التى تفسِّر الوجود. والمفهوم الأول (النوس) هو الذى يقال له فى اللغة العربية: العقل.
والمفهوم الآخر (اللوجوس) يعبر عنه فى العربية بكلمة: الكلمة، وقد ذهب عديدٌ من الفلاسفة إلى القول بأن العقل (النوس) والكلمة (اللوجوس) هما المفتاحان الأصليان لوجود الكائنات كلها، والقاعدة التى يمكن من خلالها تفسير نشأة الكون كله، وارتباطه بالإله (الرياضى الأعظم عند أفلاطون، المحرِّك الأول عند أرسطو.. إلخ).
وفى العصر الهيللنيستى (اليونانى المتأخر) تم إهمال مفهوم النوس أو العقل، بسبب طغيان النزعات الروحية والاتجاهات الهرمسية. وهى اتجاهات غنوصية (عرفانية) يُنسب أصلها إلى الحكيم هرمس، وهو شخصية خيالية، تقابل عند المصريين القدماء أخنوخ، وعند المسلمين النبى إدريس.
 وهكذا قلَّت العناية بالمنطق فى الإسكندرية القديمة، وأُهمل مفهوم النوس، بسبب الانتشار الواسع للاتجاهات الغنوصية الهرمسية، والنزعات الصوفية الروحية، التى تسعى للوصول للحقائق العلوية، عن طريق التجرد من المتطلبات الحسية بقدر الطاقة. أما مفهوم اللوجوس (الكلمة) فقد تطور على يد فلاسفة الإسكندرية فى الزمن الهيللنيستى، وصار مرادفاً لأصل الكون وابتداء الوجود.
وفى أولى آيات سفر التكوين، الذى هو أول أسفار التوراة، التى هى أول نصوص العهد القديم، يقول مؤلف التوراة، أو مؤلِّفوها الذين كتبوها قبل الميلاد بخمسمائة عام، ما نصه: «فى البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة (خاوية) وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة.. إلخ». وفى مبتدأ إنجيل يوحنا، الذى هو أحد الأناجيل الأربعة المعتمدة، تقول الآية الأولى: «فى البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله.. إلخ».
وقد عَدَّ عديدٌ من آباء الكنائس المختلفة، المتخالفة فيما بينها، أن بداية إنجيل يوحنا ليست من عمل يوحنا، وإنما هى من إملاء الروح القدس. وهو ما يؤكِّده بوضوح، العلاَّمة مَتَّى المسكين فى شرحه الضخم لإنجيل يوحنا (فى مجلدين) وهو الشرح الذى يؤكد فيه أيضاً، ما يعتقده المسيحيون من أن يسوع (عيسى) هو كلمة الله.. ومن ناحية أخرى، وبعد عدة قرون، وصف القرآن الكريم المسيح بأنه (كلمة من الله) وورد ذكر ذلك مرتين، فى سورة آل عمران.
إذن، هناك اتفاق (عام) على اقتران المسيح بالكلمة، ولذلك رأيتُ أن الأنبا المطران، كان موفقاً فى أولى العبارات التى وردت بأول الكتاب المنسوب إليه، لأنه بقصدٍ أو من غير قصد، أشار إلى الاتفاق، قبل الانهماك فى الجدل وخوض غمار الاختلاف. ومع ذلك، فإن الصورة ذاتها التى جاءت فوق العبارة (الموفقة) جَانَبَها التوفيق.
 فقد جاء نيافة الأنبا بصورة للمسيح مرسومة منذ عامين (محفوظة فى دير القديس دميانوس) تخالف ما عرفناه من سيرة المسيح وأخباره، وتصوِّره على هيئة أباطرة بيزنطة! مع أن المسيح أكد قاعدة (أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله) وحقيقة أن المؤمنين يطلبون ملكوت السماء، لا الأرض.
وقد عاش حياته خاوىَ اليد من حطام الدنيا، ضارباً أروع الأمثلة فى الزهد والتقشف، ومع ذلك فهو فى الصورة ذو ملامح أوروبية صريحة (وليست يهودية بالمرة، مثلما يجب أن يكون) ويرتدى ثلاثة أثواب فخمة مؤطرة بالقَصَب وخيوط الذهب (مع أن يسوع معروف عنه هجرانه لزخرف الدنيا الفانية) وألوان الأثواب الثلاثة فى الصورة المفبركة، هى الأُرجوان والذهب والأحمر الملكى، وهى ألوان الزخرف الدنيوى الذى دعا السيد المسيح للابتعاد عنه!
وفى اليد اليسرى للشخص المصوَّر على أنه المسيح، إنجيل، وفى يده اليمنى عصا ذات رأس أفعوانى، وعلى رأسه تاجٌ من طابقين مملوءين بالجواهر.. فهل هذا هو المسيح الذى حكت سيرته الأناجيل، أم هو الصورة المضادة لما كان المسيح يدعو إليه، أعنى هجران ملكوت الدنيا واللحاق بملكوت السماء؟
وفى الصفحة التالية مباشرة، صورة البابا شنودة الموصوف تحت الصورة بالبابا المعظم، وعلى الصفحة الثالثة صورة الأنبا بيشوى وهو يضحك. ولا يجوز لنا هنا أن نسأل عن سر ابتداء الكتاب بهذه الصور، فقد تكون للتبرُّك، وهذا حقٌّ للمتبركين. وقد تكون لإخافة المخالفين، وهذا حق للمخوِّفين. المهم، ما علينا الآن من تلك التصاوير، ولندخل إلى الكلام المذكور بالكتاب.
فى أول الكتاب فقرة من رسائل الأسقف كيرلس عمود الدين، وهى فقرة عنيفة مخيفة! منها قوله: «الله يزعزع بشدة قوة أعدائه ويلاشيها(!) ويبطل خططهم.. من جهة انتقاد عديمى التقوى، ومن جهة شتيمتهم وكراهيتهم السابقة.. لأنهم قد دعوا ربنا ببعلزبول (سيد الزبالة = الشيطان) فليس جديداً (يقصد: غريباً عليهم) إن دعونى هكذا، وإن كانوا قد اضطهدوه هو (يقصد: الله!) فكيف لا يضطهدوننى أيضاً».
وهكذا يبدأ الكتاب المنسوب للأمبا، بإشارة خفية إلى المماثلة بين الماضى والحاضر، على اعتبار أن نيافته يمثل كيرلس عمود الدين (المتوفى سنة 444 ميلادية) ومؤلف عزازيل يماثل نسطور! وقد أكد الأنبا المطران هذه الإشارة بقوله عقب الاقتباس، ما نصه: «لم أجد أعذب من كلمات القديس كيرلس الكبير هذه، لكى أستهلَّ بها كتابى هذا... لأنه عاش أحداثاً مماثلة لما يجرى فى زماننا هذا من الافتراء عليه».
والغريب أن المطران الأنبا يقول إن الكتاب كتابه.. مع أننا سنرى بعد حين، أنه مجموعة تهاويل واجتهادات مشوَّشة لمجموعة شباب يعملون تحت إدارة المطران، لا يعرفون كثيراً عما يكتبون. المهم أن المطران الأنبا بعد (التصدير) الذى كتبه فى صفحة واحدة فقط، ووقَّع عليه بيده!
يكتب (مقدمة) فى صفحة واحدة، أيضاً، جعلها البُنط الكبير المستخدم فى الكتابة، صفحتين. فنراه، وياللعجب، يشير فيها إلى أنه كان ضيفاً ببرنامج تليفزيونى! فيقول ما نصه: «قمتُ بالرد على دان براون فى برنامج البيت بيتك، مع المذيع الصديق العزيز تامر بسيونى فى التليفزيون المصرى، وقدَّمنا فى تلك الحلقة التليفزيونية الوثائق التى تدحض ادعاءات دان براون فى روايته شفرة دافنشى...». وطبعاً حدث ذلك منذ سنوات، وفى غياب دان براون الذى لا أظنه سمع أصلاً عن هذا البرنامج التليفزيونى، ولا سمع يوماً اسم المطران.
وبعد هذا المفتتح (التليفزيونى) يقول نيافة الأنبا المطران ما نصه: «وها نحن اليوم نواجه الحجة بالحجة فى الردِّ على الأهداف الهدَّامة فى رواية الدكتور يوسف زيدان.. ولن يجديه نفعاً الاحتجاج المستمر بأن هذا نوع من الأدب الروائى.. إلخ».
إذن، الأنبا يرى أن فى عزازيل «أهدافاً هدَّامة» وكأنه يدعو الناس إلى الدعاء الشهير الذى ردده المصريون حين ضربهم نابليون بونابرت بالمدافع: يا خفىَّ الألطاف نجِّنا مما نخاف. والمطران يرى أننى «لن يجدينى نفعاً» وكأننا فى يوم القيامة، وكأنه هو قاضى الآخرة (الدينونة) الذى يحاسب الناس. يانيافة الأنبا: حنانيك، اهدأ قليلاً ، فالأمرُ أبسط بكثير مما تعتقد.
ومع أننى أرسلت رسائل كثيرة للمطران عبر (الأصدقاء المشتركين) كى يتريَّث، لكن الأنبا المطران لم يهدأ، ولم يعرف أن الأمر أبسط من ذلك، فراح يكمل كلامه قائلاً: «نحن ننتظر قليل (يقصد: قليلاً) من الخجل عند الدكتور يوسف زيدان أو عند مَنْ منحوه جائزةً فى الأدب العربى، أو على الأقل عند القارئ العربى.. إلخ». وبالطبع، فلا مانع عندى إطلاقاً فى أن يخجل كلُّ هؤلاء، وأنا معهم، ولكن ما الذى سوف نخجل منه بالضبط.. لا أعرف.. ولا أحد يعرف غير المطران؟!
وبعد (التصدير) ثم (المقدمة) يأتى (التمهيد) الذى لم يقتصر على صفحة واحدة، كسابقيْه، بل جاء فى عشر صفحات كاملة، ابتدأت من الصفحة الثالثة عشرة. فلماذا أفاض المطران هذه المرة ؟.. ليته ما أفاض ! فقد ارتبك قلمه تماماً بسبب قلقه مما هو مقبلٌ عليه، وراح يشير بشكل عشوائى إلى لقاءات تليفزيونية ومقالات صحفية، وخلال ذلك ينعى علىَّ أننى قلتُ ذات يوم إن الأخلاق فى مجتمعنا قد تدهورت (وهو أمر لا يختلف عليه أحد)، ثم يقول بعد ذلك مباشرةً، بالحرف الواحد: «إننى أنشر الفسق والفساد على عشرات الصفحات»..
فما هذا يا نيافة المطران؟ كيف ارتضيت لنفسك مثل هذا الزعم، وكيف قادك إليه عقلك؟ ولماذا تنفعل على هذا النحو من دون مبرر مقبول، فتتهم الناس تُهماً خطيرة من دون دليل، وهى تُهم تعاقب عليها جميعُ الشرائع والقوانين؟ أم تراك ترى فى نفسك كائناً فوق جميع الشرائع والقوانين. وكأن من حقك أن تقول ما تريد على مَنْ تريد.. نَشْرُ الفسق والفساد! لن أرد على كلامك هذا، فهو مما لا يجوز الرد عليه.
ثم يفيض صديقى (القديم) نيافة الحبر الجليل، فى ذلك التمهيد. لكنه لا يتحدث عن رواية عزازيل، وإنما يورد مزيداً من الاتهامات.
 يقول: «ينشر د. زيدان الأضاليل ليس عن جهل، ولكن عن معرفة، وذلك لتشبثه بالرغبة فى الطعن فى العقيدة المسيحية». لماذا تشنّ هذه الحروب المُتخَيَّلة أيها الحبر الجليل، وأنت تعلم أننى قدمت خدمات كثيرة للتراث المسيحى، ولماذا تزعم ذلك وتنفرد به من دون الذين يعرفوننى، وتشذُّ عن الأساقفة والقساوسة والآباء الأجلاء، الذين امتدحوا الرواية؟..
هل أذكر لك بعض الأسماء، لأن الذكرى تنفع المؤمنين، حسناً: اقرأ ما كتبه القسُّ نصر الله زكريا عن الرواية فى مجلة الهدى، التى تصدرها الكنيسة الإنجيلية، وراجع ما قاله القس جورج مسوح، مادحاً الرواية فى قناة الحرة (موجود على الإنترنت) وانظر بروية فى كلام العالم الجليل، المطران يوحنا جريجوريوس، الذى ظلمتَه زوراً وتجنَّيت عليه بهتاناً، حسبما سأوضح لك فى مقالة قادمة..
 فهؤلاء وغيرهم كثيرون من الذين كتبوا عن عزازيل هم رجال دين لا يقلون عنك مكانةً، ولا تمسكاً بالديانة. ومع ذلك، فقد امتدحوا الرواية التى تعتقد أنت أنك تواجهها، لأنهم قرأوها. بينما تشنُّ أنت حرباً ضارية على نص روائى، تعترف فى كتابك بأنك لم تقرأ منه قرابة المائة صفحة. فكيف سمحت لنفسك بالرد على نص روائى لم تقرأه كاملاً؟
والأعجب مما سبق، أن نيافة الحبر الجليل (الأنبا بيشوى) لا يتحدث فى التمهيد عن عزازيل، وإنما عن بحث ألقيته فى المؤتمر الدولى التاسع للدراسات القبطية، وهو المؤتمر الذى انعقد بالبطريركية القبطية (البطرخانة) بالقاهرة منذ قرابة عام من الزمان، فى منتصف سبتمبر 2008، وكان المطران حاضراً فيه، ورفض آنذاك ما قبلته أنا من اقتراح بعض الآباء الأجلاء، أن نجلس سوياً فى ندوة محدودة، كى نصفِّى ما يتوهم الأنبا بيشوى أنها خلافات بيننا. ولكن الأنبا المطران يومها رفض الاقتراح بحسمٍ، وعلَّل رفضه بأنه (يؤلف) كتاباً للردِّ على الرواية، وسوف يجلس معى بعد صدور الكتاب !
وبعد صدور الكتاب جلس نيافة الحبر الجليل مع الصحفيين ليدلى بالحوارات الكثيرة، ومع المذيعين ليصبَّ جام غضبه علىَّ من جديد، وكأنه لا شاغل له فى الحياة إلا رواية عزازيل ومؤلفها.. بل بلغ من كرم أخلاق المطران أن قال كلاماً لم أكن أحب أن يصدر منه، ولا أريده حتى أن يعتذر عنه.
فمع أنه يعلم أن هذا المؤتمر الدولى للقبطيات كان سينعقد فى فندق سونستا، وقبل يومين فقط من انعقاده تقرر أن تكون جلساته بالبطريركية المرقسية بالعباسية (البطرخانة)، وهو يعلم أننى لم أكن متحمساً للمشاركة فى هذا المؤتمر، لولا إلحاح عددٍ من آباء الكنيسة (القبطية) الكبار، الذين أصروا على مشاركتى بالمؤتمر.
 لكن المطران، على الرغم من ذلك كله، يقول للصحفيين بعدها، الكلام التالى الذى نُشر بعدة جرائد ومواقع إنترنت، وسوف أورده فيما يلى بنصه، ولن أعلق عليه لأنه كلام لا يستحق التعليق: يقول الحبر الجليل الأنبا المطران ما نصه: «فى المؤتمر كان يمكن أن أقول لهم طلَّعوا الرجل ده بره، كنت مندوب البابا وكان يمكننى أن أقول لهم طلَّعوا الرجل ده بره ، أنا لم أُشرف على المؤتمر، صحيح، لكنى لو صمّمت على ذلك، كانوا طلَّعوه بره. وكان يجلس على يمينه ويساره أساقفة، ولم أقل لهم قوموا من مكانكم وسيبوا الراجل ده يقعد لوحده..».
هكذا تكلم المطران !
ولابد أن نختتم هذه المقالة عن قلق المطران بالإشارة إلى أن مبادرته إلى الكلام عن بحثى فى المؤتمر قبل الكلام عن عزازيل التى ألَّف كتابه للرد عليها هى دليل على قلقه! فقد كان بحثى بعنوان (اللاهوت العربى) وهو عنوان كتابى الذى سيصدر قريباً، أو بالأحرى بعد أيام، وهو كتاب يثير قلق المطران من قبل أن يصدر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.