على كورنيش جاردن سيتى وتحديدا فى مرسى على بابا، المعروف ب«دقدق»، يفتح «صلاح الأسوانى» صدره للشمس، تكسبه حرارتها مزيدا من السمرة، ينظر فى ساعته لأنه المراكبى الوحيد الذى يعمل بنظام الحجز لكثرة زبائنه الذين يطلبونه خصيصا بالاسم «عايزين ناخد فلوكه مع صلاح». شهرة «الأسوانى» ليست لأنه مراكبى، ولكنه كما يقول عن نفسه «مغنواتى» زى محمد قنديل فى «حلو صبح»، يرتجل أغنيات خاصة لزبائنه، تلهمه قريحته بفيض من الكلمات التلقائية، التى تخرج مغناه وملحنة: «بحب أغنى عن الموضوعات اللى موجودة فى الحياة لكن الزباين كلهم عايزين يسمعوا أغانى حب بس». ينظر «الأسوانى» إلى شابين فى فترة الخطوبة يتحدثان، يحتد نقاش بينهما حول تفاصيل الزواج، يقطع حدتهما صوته مغنياً: «ليه بس يا دنيا بتقسى على الشباب/ من أول مرة وتعلميهم يشوفوا العذاب/ الشاب يهاجر يا ناس ويقعد بالسنين/ علشان يجيب مهر بآلاف والشقة يا زين/ طب بالله تقولوا لى هنعمل إيه يا ناس/ كل الشباب اتعذب واتعدم الإحساس». يبتسم الشابان ويعاودان النظر إلى النيل مرة أخرى، بينما يكمل «الأسوانى» غناءه الارتجالى «لو تشوفوا الأسعار/ كيلو الرز ب5 و6 مش هزار/ واللى معاه عيال هيعمل إيه لازم يحتار/ ويضيع فى الدنيا خلاص»، يتأمل الأسوانى كلمات أغنيته بعد ارتجالها فيتذكر «وحدته»، حالة شجن تقطعها ابتسامة تكشف عن أسنانه البيضاء: «لا أنا مش بتاع جواز، أنا أحب أعيش حر كده». الأسوانى تعلم الارتجال والغناء فى أسوان، وانتقل للقاهرة للحصول على بكالوريوس التجارة، لكنه رفض بعدها العمل بالشهادة، وتعمد إخفاء مؤهله عن الناس حتى لا يطالبه أحد بالعمل به. «أنا اشتغلت فى شركة مرة من غير ما يعرفوا إن أنا معايا مؤهل ولما عرفوا كانوا عايزين يشغلونى فى الحسابات لكن أنا رفضت، أصلى مبحبش الحسابات، الأرقام وحشة أوى، وبعدين هاعمل إيه بمرتب 600 ولا 700 جنيه؟». ففضل الأسوانى العمل مراكبى ومغنواتى فى بعض الأفراح: «بقلب رزقى يعنى شغلى هنا مع شوية أفراح وحاجات تانية كده»، أجره من الفلوكه يعتمد على الزبون، عادة يحصل على عشرة جنيهات فى حين يحصل صاحب المركب على خمسين جنيهاً فى الساعة. يضع للأجانب والخلايجة تسعيرة مختلفة، ويعتبر ارتجالاته فى الأفراح مصدر الرزق الأول، يرتجل الأسوانى عن أى شىء وكل شىء عدا السياسة : «كله إلا السياسة، أصلى مش عايز اتحبس». يرفض الأسوانى الغناء عن أزمة الحشيش حتى لا يشجع الشباب على شربه، خاصة أن حشيش القاهرة – على حد قوله - مضر جدا على عكس الحشيش الأفغانى الذى كان يشربه فى فترة من الفترات «أنا كنت بشربه وبطلته، وهو صحيح سلطان الكلام، لكن الحشيش بتاع هنا بيخلى الشباب متيس ومسقط فى الكلام وعايز سوفت وير، لأنه مضروب كميا». يتمنى الأسوانى أن ينتج لنفسه يوما ما فيديو كليب، لكنه لم يحاول الاتصال بأى شركة إنتاج، لأنه يرفض العمل بها بسبب عقود الاحتكار «سورى فى اللفظ يعنى بس العقود دى عاملة زى ما واحد يبقى عنده بقرة وغيره هو اللى بيحلبها». تمر بجوار الأسوانى فلوكة، يعلو فيها صوت «أبوالليف» يصمت قليلا ثم يعلق: «أنا ما أحبش أبوالليف، عمرنا ما شفنا عمرو دياب أو محمد منير غنى عن الخرونج»، لكنه ورغم حرصه على أن يغنى كلمة مناسبة تعبر عنه وعن مشاكل جيله ينطبق عليه المثل القائل «زمار الحى لا يطرب»، يضيف: «الأجانب بيقدرونى بأقعد أغنى لهم وبيسمعوا ويندمجوا معايا ولما بخلص باترجمها لهم إنجليش. لكن المصريين بقى تلاقى واحد يتكلم مع التانى ولا كأنى هنا ومفيش احترام ليا وأنا باغنى، بس رغم كده لقمة العيش صعبة، ده مرة واحد أجنبى قاللى هجيلك تانى يوم أصورك وأطلعك فى التليفزيون لكنى لغيت الميعاد فى آخر وقت عشان زبون خليجى كان مأجر المركب يوميها».