60 عامًا قضاها بين المراكب، منذ كان عمره خمس سنوات، تغيرت فيها عادات الناس فى الخروج والترفيه، كما تغير مستوى معيشتهم، ولكن تظل الأعياد دائما فرصة للرواج فى كثير من المجالات، كما يشهد الحاج جمال المراكبى، من داخل مركبه الشراعى. تملأ المراكب الشراعية بشكلها المميز صفحة النيل فى مواقع مختلفة بين القاهرة والجيزة فى الأعياد، لكن شم النسيم هو موسمها الأهم، رغم زحف المراكب التى تعمل بالموتور عليها بما تحمله من أعداد كبيرة من المواطنين، وأصوات الكاسيت المرتفعة التى تطلق الأغانى الشعبية، فى مواجهة هدوء المركب الشراعى الذى ارتبط بنوع آخر من الأغانى يخرج من الأفلام القديمة، وأصوات محمد فوزى وعبدالحليم. ويقول الحاج جمال المراكبى إنه يفضل المركب الشراعى، رغم أن المراكب التى تعمل بالموتور عليها إقبال أكبر، فهو يحب الهدوء بعيدا عن ضجيج «المكن»، «معظم الزباين من المصريين والعرب يفضلون مراكب المواتير علشان السرعة»، يقول المراكبى، موضحا أن معظمها يكون مزودا بأجهزة كاسيت «والناس بتحب الأغانى». أما الشراع فيفضله الأجانب عادة. الحاج جمال، مراكبى يجمع فى خبرته بين العمل الخاص والوظيفة الحكومية، حيث عمل مع والده على المركب الشراعى منذ طفولته المبكرة، ثم ألحقه أبوه بالعمل فى هيئة النقل النهرى، فكان يبدأ يومه فى الاتوبيس النهرى الميرى، ثم يقود المركب الشراعى بعد مواعيد العمل الرسمية، نظام استمر عليه المراكبى حتى خروجه على المعاش منذ خمس سنوات، وتفرغ للعمل الخاص. على مدى عمله فى هذه المهنة منذ نحو 60 عاما يلاحظ الحاج جمال أن إقبال الناس على الخروج واستئجار المراكب قد تراجع، «زمان الدنيا كانت رخيصة والناس كان معاها فلوس تخرج وتتفسح، أما النهاردة المعيشة غليت جدا»، أما أصحاب الدخول المرتفعة فإنهم يفضلون المطاعم العائمة، سواء الثابتة أو المتحركة، ويعدد المراكبى أسماءها مظهرا معرفته واطلاعه على كل جديد، «أخدت مننا زباين، خاصة أن أغلبها يقدم وجبات غذاء وعشاء». ويتراوح إيجار المراكب بين 40 و100 جنيه فى الساعة، حسب الموقع الذى تستأجر منه ومدى الإقبال عليه، كما يختلف بحسب الموسم، ويقول الحاج جمال: إن الساعة على مركبه ب100 جنيه، ويصل الإيراد فى المتوسط إلى 500 جنيه فى اليوم، لكن «أحيانا أقعد طول اليوم محصلش جنيه واحد»، أما فى الأعياد فتتضاعف الحصيلة إلى 1000 جنيه أو أكثر، كما يقول المراكبى. وقد تضاعف إيجار المراكب خمسة أضعاف تقريبا على مدى عشر سنوات، فلم يكن يتجاوز ال20 جنيها فى الساعة فى منطقة الكورنيش المجاورة لعبدالمنعم رياض وجاردن سيتى، أما الآن فيصل إلى 100 جنيه، بينما فى المناطق الهادئة التى يكون الإقبال فيها أقل على المراكب مثل المعادى، فيتراوح الإيجار بين 40 و50 جنيها للساعة، إلا أنه يتضاعف فى الأعياد. ويتراوح سعر المركب الشراعى ما بين 20 و50 ألف جنيه، على حسب مساحته، وتتطلب صيانته كل ثلاث أو أربع سنوات، «أعمال نجارة ونقاشة، تكلفنى ثلاث آلاف جنيه»، يقول المراكبى، موضحا أن هذا هو كل من يتطلبه المركب من تكاليف، بالإضافة لمصاريفه هو أثناء العمل، من طعام وسجائر، والتى تبلغ 20 جنيها يوميا فى المتوسط. ولدى الحاج جمال 8 من الأبناء، «أصل مراتى بتخلف بالجوز، وبنتها كمان طالعة لها»، لكن الحال رضا والحمد لله، كما يقول الحاج جمال، إيراد المركب والمعاش من الوظيفة الحكومية تكفى احتياجات أسرته، «بديهم فى البيت من 30 إلى 50 جنيها فى اليوم حسب الأحوال». ويدرس أبناء المراكبى فى الجامعات والمدارس، ومن تخرجوا منهم توظفوا فى مطاعم للوجبات السريعة، إلا أن أيا منهم لا يعمل معه مثلما عمل هو مع والده.