اعتبرت إسرائيل لقاء القمة الذى جمع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما، فرصة تاريخية لتغيير وجه الشرق الأوسط، غير أن الإدارة الأمريكية كانت تتطلع لإحداث تقدم ملموس باتجاه إطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة أن واشنطن اعتبرت أن الجولات الخمس للمبعوث الأمريكى الخاص للسلام فى الشرق الأوسط جورج ميتشل من المحادثات غير المباشرة، قد أحدثت تقدماً يسمح بالانتقال إلى المفاوضات المباشرة. وعلى نحو متشابه، فإن الانتقال إلى المفاوضات المباشرة هو رغبة إسرائيلية، لذا أراد نتنياهو خلال زيارته لواشنطن إعطاء أجوبة قاطعة لأوباما فى عدد من القضايا الجوهرية للصراع الإسرائيلى - الفلسطينى حتى يتمكن من تحقيق أهدافه. ولأن الحقيقة تجافى واقع التصريحات الأمريكية - الإسرائيلية فى شأن تقدم المفاوضات غير المباشرة، فإن الأمر استفز السلطة الفلسطينية التى اعتبرت تصريحات مسؤول ملف الشرق الأوسط فى البيت الأبيض دانييل شابيرو حول تقدم المفاوضات مثار استهجان واستغراب يستوجب التوضيح. ومن الواضح أن الرئيس أوباما معنىّ بالانتقال إلى المفاوضات المباشرة لكنه يخشى أن تنفجر هذه المفاوضات نتيجة النشاط الاستيطانى، فهناك قوى فى إسرائيل تريد تغليب موضوع الاستيطان على أى شىء آخر، لذا وضعت الإدارة الأمريكية شرطاً لانطلاق المفاوضات المباشرة، يتطلب اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قراراً صريحاً بالاستمرار فى تجميد البناء الاستيطانى بعد انتهاء مدة التجميد المقررة عشرة أشهر تنتهى فى نهاية سبتمبر المقبل، رغم توصل الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى قناعة مفادها أن طريقة الضغوط العلنية على نتنياهو، والدخول فى مواجهة معه لن تفيد عملية السلام مثلما يفيد التعامل الإيجابى معه، فاحتضانه يحقق نتائج أفضل على صعيد المفاوضات السلمية وكل شىء آخر. ويبدو أن الإدارة الأمريكية فى اتجاهها الجديد نحو إدارة العلاقة مع إسرائيل لم تأخذ فى الحسبان وجهة نظر القادة السياسيين فى إسرائيل الذين يرون فى نتنياهو رجلاً ضعيفاً لا يملك قراره، والأهم أن نوابا فى حزبه «الليكود» يسعون فى الوقت الحالى لتمرير مشروع قانون فى الكنيست الإسرائيلى، يلزم الحكومة الإسرائيلية باستئناف البناء فى المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية بمجرد أن تنتهى فترة التجميد، وهم من خلال هذه الخطوة يهدفون إلى فرض قيود على تحركات زعيم حزبهم ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتقليص هامش المناورة المتاح أمامه، خاصة أن تحرك نواب الليكود اكتسب أهمية كبيرة بعد تأييد وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان للتصويت عليه عندما يتم عرضه فى الكنيست. لقد أدركت السلطة الفلسطينية مخاطر مثل هذه الخطوة، وحذرت من تداعياتها التى تهدم الجهود الدولية برعاية الإدارة الأمريكية لتحقيق تقدم على طريق حل الصراع العربى - الإسرائيلى فى حال قبول الكنيست مبادرة نواب حزب الليكود. ومن هذا المنطلق، فإن زيارة نتنياهو لواشنطن لم تتجاوز أهدافها سوى كسر العزلة الدولية حول إسرائيل، فمع هذه العزلة سيكون من الصعب على إسرائيل تدبير مصالحها السياسية، والأمنية، والاستراتيجية فى المنطقة والعالم.