بدأت الحكاية فى مطار مدينة بيريرا فى غرب كولومبيا بأمريكا اللاتينية.. رجال الجمارك فى المطار اشتبهوا فى أحد الطرود المرسلة بالبريد إلى إسبانيا.. فكان لابد من تفتيش الطرد جيداً.. فتحوا الصندوق.. وجدوا نسخة مقلدة من كأس العالم مطلية بالذهب مرسلة إلى صديق إسبانى يعشق كرة القدم ويتمنى فوز بلاده بالكأس.. وعن طريق جهاز المسح بالأشعة.. تم اكتشاف أحد عشر كيلوجراماً من الكوكايين الخام مخبأة داخل كأس العالم.. وأود أن أتوقف هنا ولا أكمل بقية الحكاية وفصولها التى انتهت بالقبض على خمسة من أفراد العصابة «ثلاثة فى كولومبيا واثنين فى جزر الأنتيل الهولندية»، فليس يعنينى الآن إلا الفكرة نفسها.. الكوكايين المخبأ فى كأس العالم واستغلال جنون العالم بكأس الكرة ومحاولة إقناع الجميع بذلك، الصديق الإسبانى الحالم بفوز منتخب بلاده كغطاء لتهريب شحنة مخدرات إلى إسبانيا.. وعلى الرغم من أنه لا الشرطة الكولومبية أو الهولندية أو الإسبانية نجحت فى الوصول للزعيم الذى فكر وخطط ودبر.. ولا أحد حتى الآن يعرف اسمه أو ملامحه أو تفاصيل حياته.. إلا أننى أتخيله عاشقاً لكرة القدم.. بالتأكيد يحبها لو كان الحب يعنى أن تهتم وتسأل وتتابع وتنشغل وتعرف وتقلق ولا يشغلك شىء فى العالم كله عن حبك.. الفارق الوحيد بين هذا الزعيم وبين ملايين العشاق فى العالم.. أنه عاشق مزيف بينما الملايين عشاق حقيقيون.. الزعيم أحب الكرة فى صمت وعلى طريقته الخاصة.. بينما الملايين أحبوا الكرة ذلك الحب التقليدى المكرر الذى ليس فيه جنون أو إبداع.. الزعيم لم يمنعه حب الكرة من التفتيش عن مصالحه ومكاسبه الخاصة وكان طول الوقت يريد ثمناً لهذا الحب الخرافى المجنون.. أما الملايين فكانوا كما العشاق الكبار فى عصور الرومانسية القديمة يحبون دون أى ثمن أو مقابل أو شروط.. الزعيم لم تمنعه مشاعره المرهفة من أن يحيل كل هذا الحب إلى مجرد صفقة.. بينما الملايين لاتسمح لهم مشاعرهم إلا بالعطاء فقط دون أى صفقات أو عقود أو خطط.. وعلى الرغم من ذلك.. فالزعيم يبقى هو الذى يجيد الحديث عن الكرة أكثر من هؤلاء الملايين وحبهم العذرى وهوسهم الرومانسى بالمونديال ومبارياته ومفاجآته.. فالعاشق المزيف دوما هو الذى يجيد الحديث عن الحب أكثر من أى عاشق حقيقى.. العاشق المزيف أيضا هو الذى يربح، بينما العشاق الحقيقيون كلهم يخسرون.. إذ أنه وفقا لتقارير رجال الأمن فى أوروبا وأمريكا اللاتينية.. لم تكن هذه هى المرة الوحيدة وإنما كان هناك زعماء آخرون أيضا عشاقاً للكرة على طريقتهم.. نجحوا منذ انطلاق المونديال الأفريقى فى القيام بعمليات تهريب هائلة ربحوا منها مئات الملايين من الدولارات.. ربما أكثر مما ستربحه الدولة التى ستفوز بكأس العالم الحقيقية دون مخدرات.. وكانت هناك أيضا عصابات غسل الأموال التى بدأت منذ شهرين فى مجال المراهنات على نتائج مباريات هذا المونديال، وتخفى مكاسب تجارة السلاح والمخدرات والدعارة داخل أموال المراهنات التى يدفعها كالعادة العشاق الحقيقيون.. ولكن صحافة العالم للأسف الشديد.. لا تتابع إلا زعماء السياسة فقط كعشاق مزيفين للكرة والمونديال.. وتغفل تماماً عالم هؤلاء الرجال العشاق المزيفين أيضا لكرة القدم.. مع أن رؤية الفريقين للعشق.. دائما واحدة. [email protected]