«المسحراتي» و«الكراكوز».. موروثان رمضانيّان يقاومان الانقراض في تركيا

لم تكن الاشتباكات التي شهدتها بلدة «سوركو» التركية، الاثنين، بين مسلمين سنة وعلويين، هي الأولى من نوعها. الاشتباكات اندلعت لا لأسباب سياسية أو دينية، إنما بسبب «المسحراتي»، الذي يصاحب ظهوره كل رمضان ضجة وجدلا كبيرا بين مختلف فئات المواطنين الأتراك.
ورغم حفاظ تركيا على العادات الأصيلة المتوارثة من الحقبة العثمانية، تواجه بعض العادات القديمة انقساما حول التمسك بها، على اعتبار أنها لا تناسب روح العصر. من بين تلك العادات المسحراتي بطبلته التقليدية، والذي يلقى معارضة متزايدة، والكاراجوز، الذي لم يعد يظهر إلا في رمضان وعلى نطاق ضيق، لكن وجوده لا يمثل مشكلة كالمسحراتي.
ومع حلول رمضان في كل عام، يتجدد الجدل حول جدوى الإبقاء على المسحراتي، ما اضطر السلطات لمنعه من العمل في بعض المدن الكبرى، خاصة في العاصمة إسطنبول بسبب شكاوى سكان عبروا مرارا عن انزعاجهم من ضجيج طبلته، إلى حد دفع أحد المواطنين الغاضبين ذات مرة إلى إطلاق النار على المسحراتي.
والمسحراتي في تركيا ليست مهمة عشوائية يمارسها البعض طواعية، إنما هي وظيفة تشرف عليها البلديات، مثلما تشرف على موائد الرحمن، التي يطلق عليها هنا «رمضان سفرة»، والتي تنتشر في مختلف ميادين تركيا وشوارعها. كما تتسع المهنة الآن للرجال والنساء، إذ تم الترخيص لبعض السيدات بمزاولتها.
في المقابل، يتمسك كثيرون، لاسيما في الأحياء الصغيرة، بالمسحراتي كتراث يعيدهم إلى الماضي وذكريات الطفولة. ففي حي «أيوب»، الشهير وسط العاصمة، الذي يزخر بالمساجد القديمة، يطل الناس من النوافذ خصيصا ليشاهدوا المسحراتي يجوب الشوارع الخلفية الهادئة، التي لا يقطع صمتها إلا قرع طبلته.
ويقول المواطن «محمد بيلجيلي» من سكان إسطنبول إن المسحراتي «لابد أن يستمر، أنا لا أتفق مع من يبدون انزعاجهم من طبلته.. رمضان يأتي مرة واحدة في العام.. والمسحراتي هو من يقول للناس إننا الآن في شهر الصيام».
ويدافع العاملون بهذه المهنة عن المسحراتي قائلين إنه على الرغم من أن هناك الكثيرين ممن يبدون انزعاجهم من أصوات طبولنا قرب الفجر، فإن الطبلة التي نحملها في رمضان هي جزء أصيل من تراث هذا البلد.
أما «الكاراجوز» فعادة يقدم عروضه بعد الإفطار في رمضان. وتشهد مدينة «بورصة» سنويا العديد من المهرجانات له، كما أنشأت بلديتها متحفا خاصا بذلك الفن المهدد بالاندثار بسبب التوترات التي تصاحب كل رمضان حول هذا الموضوع.
وبدأ التوتر بين السنة والعلويين في بلدة «سوركو» عندما مر المسحراتي كعادته لإيقاظ الناس للسحور. لكن أفراد إحدى العائلات العلوية قطعوا عليه الطريق واعترضوا على «ضجيج» وقرع الطبلة أمام منزلهم، وطالبوه بعدم إزعاجهم مرة أخرى.
وأثار هذا الموقف استياء مجموعة أخرى من السكان، مما أدى إلى مشادات كلامية تطورت إلى قيام ما يقرب من 60 مواطنا من قاطني المنطقة برشق منزل العائلة العلوية بالحجارة وإحراق الكوخ المجاور لها.
ويأخذ المراقبون تلك الأحداث مأخذ الجد، ويحذرون من أن تلك الخلافات التي تبدو صغيرة قد تؤدي في المستقبل إلى إشعال فتيل الحرب بين السنة والعلويين في تركيا.