«لن يكون سهلاً أن أشرح لك كيف أحس بك.. وأننى مازلت أحتاج إليك بعد كل ما جرى.. لا تبك من أجلى يا أرجنتين.. فالحقيقة هى أننى لن أتركك أو أتنازل عنك أبدا».. هذه هى بعض كلمات الأغنية الشهيرة.. لا تبك من أجلى يا أرجنتين.. التى كان العالم يصغى إليها فيتذكر إيفيتا بيرون.. لكنها منذ عام 1990 ارتبطت بمارادونا حين وقف فى الملعب بعد نهائى المونديال الإيطالى يبكى ضياع الكأس بعد هزيمة الأرجنتين أمام ألمانيا.. وسقطت نفس الدموع من نفس العين أمس الأول حين خسرت الأرجنتين أمام ألمانيا فى دور الثمانية للمونديال الأفريقى.. وسواء كان مارادونا لاعباً أو مدرباً.. فالدموع لا تعترف بمثل هذه الفوارق.. إنما هى نفس الدموع بقسوتها ومرارتها.. الفارق الوحيد أن مارادونا عام 1990 بكى وبكت معه الأرجنتين كلها.. لكنه أمس الأول بكى فبكت معه أمريكا اللاتينية باستثناء أوروجواى.. ولا تصدقوا اكليشيهات وكالات الأنباء والتقارير الإعلامية سابقة التجهيز المطبوخة بعقل وأصابع وهوى أوروبى.. والتى لاتزال تنقل لكم وتؤكد الشماتة المتبادلة بين البرازيل والأرجنتين.. فكل ذلك كان حقيقياً حتى ليلة أمس الأول.. وحين سقطت البرازيل أمام هولندا.. لم تنم العاصمة الأرجنتينية «بوينس آيريس» من الفرحة.. وخرجت الصحافة الأرجنتينية تسخر من هزيمة راقصى السامبا.. وأحس الأرجنتينيون أنهم الفائزون فى النهاية بهذه الكأس بعد خروج البرازيل.. وفى اليوم التالى.. خسرت الأرجنتين أمام ألمانيا.. فسكت الناس شاعرين بالوجع والانكسار.. وأوشكت البرازيل على ممارسة الفرحة والشماتة والسخرية من الأرجنتين.. وهو ما جرى بالفعل لمدة ساعات قليلة قبل أن يفيق الجميع فى البلدين على هذه الحقيقة المرة.. وهى ضياع الحلم اللاتينى والفوز بكأس العالم.. وكان الرئيس البرازيلى.. لولا دى سيلفا.. هو أول من تنبه لذلك الجرح الجماعى ففاجأ الصحفيين والزعماء الأفارقة فى قمتهم بجزيرة الرأس الأخضر بتأكيد إحساسه بالحزن والمرارة لهزيمة الأرجنتين أمام ألمانيا.. فالرئيس.. عاشق كرة القدم.. لم يكن مثل كثير من المشجعين المصريين والعرب يرفع طول الوقت شعاراً يفيد بأنه طالما لم أفز أنا فمن الضرورى ألا يفوز شقيقى أو جارى أيضا حتى لا يفرح هو وأحزن أنا وحدى.. الرئيس دى سيلفا لم تسعده هزيمة الأرجنتين ولكن أوجعه جدا هذا الانتصار الأوروبى.. ولم يعد الرئيس البرازيلى وحده.. وإنما أدرك الصحفيون والنقاد الرياضيون والسياسيون فى البلدين حجم المشكلة ومساحة الألم الحقيقى تحت جلد كل من البرازيل والأرجنتين فى نفس الوقت وبنفس الحجم.. وقرأت تقريباً معظم ما كتبه كل هؤلاء فى البلدين فى الصحافة المحلية واتصلت ببعضهم وناقشتهم سواء عبر التليفون أو البريد الإلكترونى.. ولا أخجل الآن من الاعتراف بأنى كنت مثلهم جميعا حزينا وموجوعا بعد فوز ألمانيا على الأرجنتين.. فلم أكن أحب أن تفوز أوروبا بهذا المونديال.. وأرى فى ذلك تغييباً أوروبياً متعمداً لعدالة كرة القدم.. ولم يكن من الضرورى أن تفوز القارة البيضاء العجوز بالمونديال.. كان يكفيها كل نجوم أمريكا اللاتينية وأفريقيا الذين اشترتهم لأنديتها وبطولاتها.. وكأن أوروبا لم تشبع بعد ولا تزال تريد وتخطف وتأخذ كل شىء حتى لو كان الثمن هو أن تبكى أفريقيا.. ثم البرازيل.. وأخيراً الأرجنتين. [email protected]