على الرغم من أن الحجاب ليس مظهراً شائعاً فى مدينة دريسدن الألمانية، التى كانت مروة تعيش بها مع زوجها وطفلهما مصطفى، فإنك قد تلمحه بين الحين والآخر على رأس سيدة هنا أو فتاة هناك، البعض منهن ذوات أصول شرقية أو عربية وأخريات ألمانيات عرفن طريقهن للإسلام. فى ذات الوقت الذى تختلف فيه الآراء حوله بين المواطنين الألمان، فالبعض يراه زياً يميز المرأة فى بلاد المسلمين، ومن حقها ارتداؤه فى ألمانيا، طالما أنها لا تعتدى على حرية الآخرين، وفريق آخر، يطلقون عليهم النازيون الجدد ينتمى أغلبهم لأوروبا الشرقية، يرون فى الحجاب مظهراً لدين لا يعترفون به، ويظنون أنه الهادم الأول لحضارتهم، ومن هؤلاء أليكس فينز قاتل مروة الشربينى الذى يقضى الآن عقوبة السجن المشدد فى سجن الولاية بعد إدانته فى 11 نوفمبر من العام الماضى 2009 بقتل مروة. أتذكر اليوم الأول فى محاكمة ذلك القاتل حينما تركزت عدسات كاميرات المصورين ووكالات الأنباء علىَّ بمجرد وصولى مبنى المحكمة، كان حجابى السبب فى لفت أنظارهم بتلك الطريقة، وهو ما زاد بعد دخولى قاعة المحكمة، ليتسبب الحجاب فى حصولى على قسط أكبر من التفتيش الذاتى، وبخاصة تحت غطاء رأسى، فى غرفة تحيط بها الستائر من كل جانب، كان السؤال إذا كان الحجاب معروفاً فى ألمانيا، فلماذا تلك المعاملة التى تحمل قدراً من التمييز؟ السبب عرفته من حديث مع رئيس شرطة المحكمة الذى اقترب منى حاملاً على وجهه ابتسامة هادئة وتحدث معى قائلاً: «أرجو ألا تغضبى من تلك الإجراءات، نحن فقط نطمئن إلى أن المكان لن يشهد أى اضطرابات، وأهلاً بك». ولكن الأمر لم يقتصر يومها على ذلك الانطباع عن الحجاب داخل المحكمة وضرورة تأمين الداخلين لها لمتابعة قضية أرّقت المجتمع الألمانى كله، ولكنه امتد لخارجها، حيث يعيش عدد غير محدد من العرب والشرقيين المتزوجين من نساء محجبات، ومن بينهم دكتور محمد على أحد زملاء دكتور علوى عكاز فى دراسة الدكتوراه بجامعة دريسدن بألمانيا، والذى بادرنى بالقول: «أتعلمين لماذا قتلت مروة الشربينى؟ لأنها محجبة، البعض هنا يتعامل مع المسلمين بعنصرية ويمارس ضدهم التمييز، رغم كل ما يقال عن حرية الفكر والعقيدة. لقد حاولت مروة أكثر من مرة الحصول على فرصة للتدريب فى إحدى صيدليات المدينة،، ولكن كان الحجاب دوماً عائقاً بينها وبين الحصول على تلك الفرصة. وعندما وجدت مكاناً يقبلها فى النهاية لم يعطوها أى أجر مقابل ذلك، رغم أن زملاءها من الإناث والذكور كانوا يحصلون على أجر مقابل التدريب. ملامحى أوروبية كما ترين ألقى معاملة حسنة فى الأماكن التى أذهب إليها بمفردى لكن أحياناً وبمجرد خروجى أنا وزوجتى المحجبة وظهورنا معاً تتغير معاملة البعض لى ولها». وعلى الرغم من البيان الذى أصدرته وزيرة التضامن والهجرة الألمانية «ماريا بومهر» فى اليوم الأول لبدء جلسات محاكمة المتهم بقتل مروة الشربينى، وأكدت فيه أن الإسلام جزء من المجتمع الألمانى، وأن المادة الأولى من الدستور الألمانى تنص على حرية العقيدة وممارسة الأديان، إلا أن الواقع يؤكد أن هناك ملامح للتمييز يمارس ضد الحجاب، وهو ما رصدته منظمة «هيومن رايتس ووتش» فى تقرير لها كانت قد أصدرته فى شهر فبراير من العام 2009 أدانت فيه الحكومة الألمانية لإصدارها قرارات تحظر استخدام الرموز الدينية للمعلمين وغيرهم من موظفى الخدمة المدنية، مركزة على أن أكثر المتضررات من هذا القرار كن النساء المسلمات المحجبات، وهو ما عُد تمييزا فى تقرير المنظمة الدولية، وحلل التقرير الآثار الناجمة عن الحظر وتأثيرها على حياة المرأة المسلمة، مؤكداً أن الكثير من النساء تخلين عن وظائفهن أو غادرن ألمانيا، حيث عاشوا طوال حياتهم، بسبب هذا القرار. يذكر أن نصف الولايات الألمانية البالغ عددها 16 ولاية هى «بادن فورتمبيرغ، بافاريا، برلين، فيردر بريمن، هيس، ساكسونيا، شمال الراين، ستفاليا، سارلاند» لديها قوانين تحظر المدرسين فى المدارس العامة، وغيرهم من موظفى الخدمة المدنية، من ارتداء الحجاب فى العمل. فى حين أن ذات القوانين تسمح ببعض الاستثناءات للمسيحيات، وقد اتضح من المناقشات البرلمانية والوثائق التفسيرية قبل بدء العمل بها، أن الحجاب هو الشىء الذى يتم التركيز عليه. «إن ألمانيا لا تحتاج إلى الإسلاميين، والذى يقول إن ألمانيا ستقع بدون الإسلاميين فهو بكل تأكيد إما خائن أو إسلامي، هذه السيدة التى اتهمتمونى بأننى سببتها، كانت ترتدى مظاهر الخضوع التام للدين والثقافة وللرجال والإله الشيطان، كانت ترتدى غطاء الرأس، وبهذا أهانت ألمانيا وتاريخها وثقافتها، وبالتالى أهانتنى».. تلك كانت بعضاً من عبارات جاءت فى مذكرة المتهم «أليكس دبليو فينز» التى كان قد تقدم بها للمحكمة أثناء نظر الدعوى الأولى التى قتلت فى أعقاب الحكم فيها مروة الشربينى، وهى تعبر عن حالة من الكراهية غير المبررة للحجاب وصورته بشكل يقترب من حد الجنون، وهو ما نلحظه فى عبارة أخرى وردت فى ذات المذكرة قال فيها: «أليس من الجنون أنه يصبح من غير المسموح بأن تُظهر المرأة شعرها للعامة؟ هذا هو الهدم البطىء اليومى لثقافة هذه البلد، وهذا ما يرونه الأطفال الآخرون فى ملعب الأطفال، ولكن هذا ليس بالأمر الأسوأ، الأمر الأسوأ هو أن الأطفال سيعتادون على هذا الشكل ويتقبلوه». قد لا يعبر المتهم أليكس فينز- 28 سنة- إلا عن نفسه، كما أننا لا نستطيع توجيه اللوم لشعب كامل بسبب حادثة، ولكن الواقع يؤكد هناك أن الحجاب ما زال تحت المجهر الألمانى.. فهل يغير مقتل مروة الشربينى ذلك الواقع؟