فى الصعيد فقر وبؤس وجرائم، فى الصعيد عصبية قبلية وتخلف، فى الصعيد تتجلى الكراهية بين الشرطة والشعب فى صور شتى، فى الصعيد الأمن محرض على العنف، والناس غارقون فى جاهليتهم الأولى، بين عصبية قبلية، وفراغ قاتل ورغبة أكيدة فى بقاء الحال على ما هو عليه. فى الصعيد يختبئ الفقر فى «عِبّ الرجل»، لكن لا بأس إن تمددت إلى جواره بندقية، ولا تسأل: من أين جاء هذا التعيس بهذا السلاح ولا كيف دبر ثمنه، ولا لماذا يعيش الصعيدى فى خصومة مع كل ما حوله، ولا لماذا تتغير الدنيا ولا يتغير الصعيد وإن تغير فإلى الأسوأ؟! ولا تقل إن الأمن لم يقصر فى جريمة نجع حمادى، وقبض على الجناة بسرعة فائقة، ولا تقل إنه لم يكن فى مقدوره منعها، فاغتصاب طفلة، أو حتى التحرش بامرأة فى الصعيد «تطير فيها رقاب» فما بالنا بقيام شاب مسيحى باغتصاب طفلة من الصعيد، فى مكان يبعد بضعة كيلومترات من كنيسة نجع حمادى، ولا ننسى أن موت طفل أثناء الولادة يثير الشكوك فى الطبيب، فما بالنا إذا كان الطبيب مسيحياً والأب من معتادى الإجرام، فهل توافر مثل هذه المعلومات لا يمنع وقوع الجريمة فى يوم معلوم للجميع أنه يوم عيد الميلاد؟، وبغض النظر عن هذه المعلومات .. كيف لم يتم تأمين موقع الكنيسة بتفتيش السيارات المارة من أمامها فى هذا الوقت؟!، وإذا كانت الشرطة قبضت على الجناة فى وقت سريع وحددت هويتهم فى وقت قياسى، فهذا يعنى أن معلومات مسبقة عن الجناة كانت لديها، خصوصا أن من قاد العملية معروف لأجهزة الأمن، كما أن حالة الاحتقان بسبب قيام مسيحى باغتصاب طفلة لا يمكن أن تزول أو تنمحى بسهولة.. ثم كيف تمر سيارات فى شارع كبير وتطلق النار بشكل عشوائى على الناس كأننا فى حوارى شيكاغو؟!.. كيف لم يكن الأمن حاضرا بقوة وكثافة فى تلك الليلة؟! وهل سنظل سجناء للمنظومة الأمنية المتخلفة التى لا هم لها غير الإشادة بالذين قبضوا على الجناة؟!، فالأمن فى العالم كله يتعامل بالمعلومات والتحريات كى يمنع وقوع الجرائم وليس الاكتفاء بالقبض على الجناة بعد وقوع الخراب. قل كل العِبَر فى الصعيد، بعدما تعاملت معه الدولة باعتباره العضو المريض فى الجسد، وقل أيضا: «ليس فى الصعيد فتنة طائفية» وفتش عن كل الجرائم التى وقعت بين مسلمين وأقباط، ستكتشف أنها جرائم ناتجة عن العصبية والجهل ويمكن أن تحدث، أو حدث مثلها بين مسلمين ومسلمين، أو بين مسيحيين ومسيحيين. قبل سنوات وقعت جريمة الكشح، وكان السبب نزاعا بين بائع مسيحى ومشتر مسلم على قطعة قماش، تطور الأمر إلى سقوط عدد من القتلى، ولو فتشت فى قرى المنطقة نفسها ستجد أن عشرات القتلى سقطوا بسبب حزمة برسيم «قطمها» حمار، أو فى نزاع على الحد الفاصل بين قطعتى أرض. ليس فى الصعيد فتنة، ففى قرية الكشح المسيحيون أغلبية وأثرياء، بينما المسلمون أقلية ومعظمهم فقراء، وكذلك فى نجع حمادى يكاد يكون عدد المسيحيين مساويا لعدد المسلمين وحجم الجرائم التى تقع فى هذه المنطقة بين قبائل «العرب» و«الهوارة» أكبر مئات المرات من الجرائم التى تقع بين مسيحيين ومسلمين، ولا ننسى أن هتك عرض صعيدية يمكن أن يتسبب فى مقتل العشرات بغض النظر عن الدين أو القبيلة.