ابن رشد: أعظم خصوم السلفيين

فيلسوف، وطبيب، وفقيه، وقاض، وفلكى، وفيزيائى مسلم، ظاهرة علمية، عالمية، فى زمن كانت الثقافة متعددة التخصصات.
ولد أبوالوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد 1126م - 520ه- فى قرطبة، نشأ فى أكثر الأسر وجاهة بالأندلس، التى عرفت بالمذهب المالكى. حفظ موطأ مالك، وديوان المتنبى، ودرس الفقه المالكى، والعقيدة على المذهب الأشعرى. درس علم الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة. كان طبيباً بارعاً، حتى أن أستاذه ابن زهر قال عنه: «ابن رشد أعظم طبيب بعد جالينوس».‏ قدمه ابن طفيل لأبى يعقوب خليفة الموحدين عام 1182م، فعين طبيباً له ثم قاضياً فى قرطبة، ثم قاضى القضاة، وبعدها ب10سنوات، أُلحق بالبلاط طبيباً خاصاً للخليفة.
انشغل بإعادة تأصيل أصول الثقافة العربية الإسلامية، فى العقيدة والشريعة والفلسفة والطب والعلم واللغة والسياسة، شهد «العهد المتأخر» فى الأندلس، المدهش أنه حين حلل أسباب انتهاء حضارة المسلمين فى الأندلس، أرجعها إلى تقزم دور المرأة فيها.
انقلب عليه الخليفة أبويوسف يعقوب المنصور، المعادى للفلاسفة، بسبب دسائس خصوم ابن رشد السلفيين، الذين اتهموه بالكفر والضلال. حرقت جميع مؤلفاته الفلسفية، وحظر الخليفة الاشتغال بالفلسفة والعلوم، عدا الطب والفلك والرياضيات، سجن لفترة قصيرة، وأطلق سراحه، لينتقل لمراكش، ومات فيها عام 1198م، 595ه، عن 72 عاماً.
استغرقت ترجمة أعمال أرسطو من عمره 30 عاماً، وصحح لعلماء وفلاسفة سابقين له، كابن سينا والفارابى، فهمهم لنظريات أفلاطون وأرسطو، حتى لقب ب«الشارح الأكبر»، لأنه أفضل من شرح ما كتبه أرسطو، وفيما بعد، وحتى الآن، أثّر ابن رشد فى فلسفات العالم بأسره، وترجمت مؤلفاته إلى معظم اللغات الحية، عن اللغة العبرية، بعد حرق نسخها العربية. ودارت حول شروحه، نقاشات متتالية فى أكبر جامعات العالم، خاصة السوربون.
ويرجع جورج سارتون، أبو تاريخ العلوم «عظمته»، للضجة الهائلة التى أحدثها فى عقول الرجال، لعدة قرون. وورد اسمه فى «الكوميديا الإلهية»، فى قسم الجحيم «الأنشودة الرابعة: 142»، مع الفلاسفة العظماء، الذين ماتوا قبل المسيحية أو الذين لم يعمدوا، بحسب تقسيم دانتى. واستحضره الكاتب اللاتينى، خورخى لويس بورخيس فى قصة له بعنوان «بحث ابن رشد»، محاولاً العثور على معانى «التراجيديا» و«الكوميديا». وأشار إليه الأيرلندى، جيمس جويس، فى روايته «يوليسيس»، مع موسى بن ميمون. وهو بطل فيلم «المصير»، للمخرج الراحل يوسف شاهين، سنة 1997. وهو عنوان مسرحية للكاتب التونسى محمد الغزى، ولحن مغنى البوب، كريم سلامة، أغنية عام 2007 بعنوان «أرسطو وابن رشد». وليس أخيراً أصبح هناك «كويكب» فى الفضاء، باسم «ابن رشد 8318».