شعبة الذهب: "المعدن الأصفر عمره ما خسر حد.. ولو معاك فائض مالي اشتري"    منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين: منصة إفريقية لترسيخ الحوار وبناء الشراكات العادلة    عاجل.. نتنياهو يعلن الترشح للانتخابات الإسرائيلية المقبلة    وزارة الرياضة: سنتواصل مع كيشو لعودته لمصر.. وطنيته لا جدال فيها    طاقة فنية وإطلالات تخطف العيون للنجوم على ريد كاربت الجونة في عشاء كيت بلانشيت    «البدوى» ينعش اقتصاد طنطا |كرنفال روحانى.. نشاط تجارى مكثف.. وكرم مجتمعى موروث    السجن 15 عاما لشقيقين متهمين بحيازتهما 601 طربة حشيش في الإسكندرية    رئيس الحكومة العراقية: الانتخابات البرلمانية المقبلة معركة بين أنصار الفشل والفساد وأنصار الإعمار والتنمية    عمر محمد رياض يلمح لجزء ثان: في حكايات بتختار ترجع بنفسها.. لن أعيش في جلباب أبي 2    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    آرسنال يعود للصدارة بفوز صعبة على فولهام    البحوث الفلكية: 122 يوما تفصلنا عن شهر رمضان المبارك    الجارديان عن دبلوماسيين: بريطانيا ستشارك في تدريب قوات الشرطة بغزة    حلوى ملونة بدون ضرر.. طريقة عمل كاندي صحي ولذيذ للأطفال في المنزل    هيئة الدواء تسحب 17 مليون عبوة منتهية الصلاحية من الأسواق    هل نستقبل شتاءً باردًا لم نشهده منذ 20 عامًا؟ الأرصاد تُجيب وتكشف حالة الطقس    رغم الارتفاعات القياسية.. «جولدمان ساكس»: اشتروا الذهب الآن    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب مقاطعة سوريجاو دل سور الفلبينية    منة شلبي في أول ظهور بعد تكريمها بالجونة على شاشة النهار مع لميس الحديدي الليلة    3 وزراء ومحافظ القاهرة يشاركون في حفل الاتحاد المصري للغرف السياحية لتكريم الدكتور خالد العناني    وزارة المالية: بدء صرف مرتبات أكتوبر 2025 في هذا الموعد    «الوطنية للانتخابات»: إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للناخب معرفة كثافة التواجد قبل الذهاب للتصويت    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    إزالة 10 مخالفات بناء على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في الأقصر    التحقيقات تكشف ملابسات مقتل مسن ضربًا على يد نجله بالجيزة    إصابة أسرة كاملة في حادث تصادم بطريق الزقازيق الزراعي في الإسماعيلية    قصور الثقافة تفتتح أول متجر دائم لمنتجات الحرف التراثية في أسوان    مي الصايغ: اعتراض أول شاحنة مساعدات كبّد الهلال الأحمر المصري خسائر كبيرة    الرماية المصرية تتألق فى أثينا.. أحمد توحيد وماجي عشماوي رابع العالم    بتهمة ممارسة الفجور.. السجن 5 سنوات للطالب المنتحل صفة أنثى لنشر مقاطع فيديو تحت اسم «ياسمين»    البنك الأهلى يتقدم على الجونة بهدف فى الشوط الأول    الاحتلال الإسرائيلي ينصب حاجزا عسكريا وسط دير جرير شرقي رام الله    الصحة تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي بالتعاون مع هيئة فولبرايت    يلا شووت بث مباشر.. الهلال VS الاتفاق – مواجهة قوية في دوري روشن السعودي اليوم السبت    قرار بالسماح ل 42 بالتجنس بالجنسية الأجنبية مع احتفاظهم بالجنسية المصرية    محافظ الشرقية يثمن جهود الفرق الطبية المشاركة بمبادرة "رعاية بلا حدود"    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 6630 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    أحمد مراد: نجيب محفوظ ربّاني أدبيًا منذ الصغر.. فيديو    غادة عادل عن ماجد الكدواني: فنان حقيقي وعميق وحساس وبيحب شغله جدًا    اليوم الرسمي ل بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر بعد تصريحات مجلس الوزراء.. (تفاصيل)    رامي ربيعة يقود العين ضد بني ياس في الدوري الإماراتي    طريقة عمل الفطير الشامي في البيت بخطوات بسيطة.. دلّعي أولادك بطعم حكاية    رئيس جامعة القاهرة: مصر تمضي نحو تحقيق انتصارات جديدة في ميادين العلم والتكنولوجيا    موعد مباراة المغرب ضد الأرجنتين والقنوات الناقلة في نهائي كأس العالم للشباب 2025    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    ضبط لحوم غير صالحة وتحرير 300 محضر تمويني خلال حملات مكثفة بأسيوط    تشييع جثمان الطفل ضحية صديقه بالإسماعيلية (صور)    جامعة أسوان تناقش خطة الأنشطة الطلابية للعام الجامعي الجديد    مرشح وحيد للمنصب.. «الشيوخ» يبدأ انتخاب رئيسه الجديد    اكتشف أجمل الأفلام الكرتونية مع تردد قناة 5 Kids الجديد لعام 2025 على النايل سات والعرب سات    منافس بيراميدز المحتمل.. المشي حافيا وهواية الدراجات ترسم ملامح شخصية لويس إنريكي    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    زراعة 8000 شتلة على هامش مهرجان النباتات الطبية والعطرية في بني سويف    رئيس وزراء مالطا يشيد بدور مصر في وقف حرب غزة خلال لقائه السفيرة شيماء بدوي    تعرف على سعر حديد التسليح اليوم السبت    رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال بشأن قمة ترامب وبوتين يثير جدلًا واسعًا    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يعنى إيه «سعاد حسنى»؟ يعنى «أميرة» و«نعيمة» و«فاطمة» و«زوزو».. يعنى كل البنات فى مصر
نشر في المصري اليوم يوم 28 - 06 - 2010

«إنتَ الليلة دمّك ماسِخ، والنبى مَنا مكلماك! أبو العِلا، إنتَ يا أبو العِلا! يووه!» عساها واحدة من أجمل عبارات الغزل والتدلل الأنثوى، والتغاضب المشحون بالحب، مما قالته امرأةٌ لرجل فى السينما العربية، بل ربما فى الوجود كله. كانت «فاطمة»، الزوجة الحسناء الطيبة، ترقد فوق مصطبة الفرن بالدار الريفى البسيط.
تلك المصطبة التى تحولت سريرا للاستفادة من دفء الفرن. بينما الزوج «أبوالعلا»، وقد غمره الحزن واليأس والشعور بقلة الحيلة أمام جبروت العمدة المستبد، يجلس على الأرض إلى جوار الفرن وقد وضع يديه فوق رأسه. تميل الزوجة فوقه وتداعب وجهَه بجديلتها علّه يلتفت إليها، بينما هو غارق فى ذهوله. وحين تيأس فاطمة، تشيح عنه وتقول تلك العبارة التى نصفُها غضبٌ ونصفُها تدلل، وكلها عشق.
تلك سعاد حسنى، فى فيلم «الزوجة الثانية» لصلاح أبوسيف، أحد أهم وأرقى الأفلام، برأيى، فى العالم. هى «أوفيليا» الدنماركية حبيبة هاملت، وهى «نعيمة» المصرية الصعيدية شقيقة متولى، كما اختار لها أن تكون عبدالرحمن الخميسى فى بداية ظهورها كفنانة تجيد التلوّن عبر الشخصيات والملامح واللسان والتركيب النفسىّ. هى مرّةً البنتُ الشقية المتمردة على الأعراف البطريركية المتحجرة، هى الطالبة الجامعية الجادة المناضلة سياسيًّا، هى اللصة السجينة، وهى الموظفة ابنة الطبقة البرجوازية الوسطى، هى الزوجة الجميلة،
وهى العاشقة التى تقع فى الهوى الحرام، هى التوأم الرصين العميقة، وهى التوأم المرحة الطائشة، وهى دائمًا البنتُ المصرية الساحرة التى حصدت قلوبَ البنات والشباب فى كل الأجيال، وعلى مستوياتهم الثقافية والاجتماعية والبيئية كافة. سعاد حسنى فى عالم السينما، هى فيروز اللبنانية فى عالم الطرب، كلتاهما ظاهرةٌ فريدة لا تشبه إلا نفسها من حيث الكاريزما الطاغية العابرة للزمن والجغرافيا، ومن حيث الحضور المدهش لامرأة عصيّة التكرار، اتفقت على الافتتان بها شرائحُ بشريةٌ متباينةٌ، بل متناقضة، من العسير أن تتفق على شىء.
لو كان ثمة ما يُسمى جائزة «أوسكار لأحسن مشهد سينمائىّ»، ولو كانت تلك الجائزة بيدى، لمنحتُها بامتياز لسعاد حسنى فى أحد المشاهد المتأخرة من فيلم «أميرة حبى أنا»، إحدى قصص مجموعة «المرايا» لنجيب محفوظ. الشاب الطموح «مجدى» الذى تزوج ابنة رئيسه فى العمل، الشرسة الحرون، طمعًا فى منصب.
وبعد برهة يتعرف على أميرة، إحدى مرؤوساته من الطبقة المتوسطة، فتسلب عقلَه بحُريّتها وحيويتها وانطلاقها وذكائها. الفتاة التى تجيد ثقافة الإقبال على الحياة، عكس زوجته الخاوية التى لا تتقن سوى ثقافة الشكلانية والغطرسة والصراخ. يتزوج أميرة سرًّا، وحين ينكشف أمرهما يهدده رئيسُه فى العمل بأن عليه أن يطلّقها أو يخسر كل شىء.
ويقف الزوج عاجزًا عن الكلام. فتغضب أميرة لكرامتها وتذهب إلى بيتها كسيرة النفس، وقد صدمها ضعفُ زوجها ورخاوته أمام رئيسه. هنا يبدأ المشهد المعجزة. تدخلُ مشحونةً بالغضب والتوتر والانكسار. تركّز الكاميرا العدسةَ على وجهها؛ فنراها تغتصبُ ابتسامةً تمنحها لأمها.
ثم تظل تطوف فى أرجاء البيت من غرفة إلى غرفة على غير هدى، ربما كمحاولة لتفريغ شحنتها الثائرة. ترى شقيقتَها الطفلةَ جالسة على طرف السرير تمسك مشطًا تحاول تمشيط شعرها. تأخذ أميرة المشطَ من الصغيرة، وتدير ظهرها لها، وتبدأ فى تمشيطها بهدوء لا يخلو من توتر، بينما عيناها زائغتان حائرتان تغالبان الدمعَ فتقمعه ولا تسمح له بالنزول.
تُنهى تضفيرَ شعر الصغيرة فى جديلتين طويلتين تعقصهما بشريطين ملونين، ثم تصرفُها لتختلى بنفسها. وفجأة تنفجر فى بكاء محموم. ذلك المشهدُ القصير بالمقياس البصرى، الطويلُ كالدهر بالمقياس الوجودى، منذ دخولها من باب الشقة وحتى استسلامها للبكاء وحيدةً فى غرفتها، يشى بقدرة تمثيلية فائقة.
التصاعدُ النفسىّ التدريجىّ فى اعتمال الغضب الداخلى ونموه البطىء درجةً فدرجة، من الهدوء الجامد نحو التوتر المنفجر، يشبه جبلَ الجليد الذى لا يبين منه سوى رأسه الدقيق، فيما يكمن فى عمق المحيط الجسدُ الهائل بكل طغيانه. ذلك التصاعد التدريجى، يُسمى بلغة المسرح والموسيقى: كريشيندو، أى التصاعد النغمىّ من درجة الهمس الخافت وصولا إلى الذروة العليا عند النبرة الصوتية القصوى، سوى أنه هنا، فى هذا المشهد، كريشندو صامتٌ لا صوت فيه.
تتصاعد فيه الانفعالات الداخلية فتظهر على ملامح الوجه تدريجيًّا حتى تصل إلى ذروة الشعور، فتنفجر فى البكاء. مشهدٌ أراه لونًا من الإعجاز التمثيلى، لا أدرى إن كان بعض الفضل فيه يعود إلى المخرج حسن الإمام، أم أنه بكامله يُحسَب لفنانة شديدة الحساسية مثل سعاد حسنى.
سوى أنه فى الأخير مشهدٌ لا تأتيه إلا نفسٌ مرهفة وروح ذكية، على دراية واعية بآلية عمل النفس البشرية التى لا تدرك هولَ الكارثة إلا بعد برهة من حدوثها، تمامًا مثلما تجرحنا سكينٌ فنشعر بوخز الألم بعد دقائق، وليس فورًا.
لا شكّ فى أن رصيد سعاد حسنى من المشاهد الصعبة والأدوار المعقدة كثيرٌ، لا يمكن حصره فى مقال أو دراسة. لكنّ القليلَ يشى بالكثير، ويشير بإصبع ثابت أننا بصدد ظاهرة سينمائية وإنسانية فريدة، اعتلت باستحقاق مكانةً حميمة فى قلوب الناس، فغدت فتاةَ أحلام كلّ رجل، ونموذجَ اكتمال أنثوىّ ضاجًّا بالحياة والسِّحر تتمناه لنفسها كلُّ فتاة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.