النائب كريم بدر يستعرض تقرير لجنة الصحة بشأن قانون مزاولة مهنة الصيدلة    تسليم دفعة جديدة من وحدات «جنة» للفائزين بالقاهرة الجديدة.. الأحد المقبل    تحويلات المصريين العاملين بالخارج تسجل قفزة تاريخية إلى 32.6 مليار دولار    صوامع القاهرة تستقبل 4389 طن قمح حتى الآن    12 مايو 2025.. صعود البورصات الخليجية بعد إعلان تفاصيل الاتفاق التجاري بين الصين وأمريكا    جدل في واشنطن بعد تقارير عن هدية فاخرة من قطر لترامب.. "قصر طائر" يثير اتهامات بالفساد    السوبر الأفريقي لكرة اليد.. الأهلي والزمالك في قمة مثيرة بنصف النهائي    الكشف على 1640 مواطنًا خلال قافلة طبية شاملة بقرية نزلة باقور ضمن مبادرة حياة كريمة في اسيوط    تغير المناخ يهدد زراعة الموز في العديد من البلدان    بمشاركة الشرطة النسائية.. ختام فعاليات مسابقة الرماية السنوية| صور    العمل: 45 فرصة للعمل في الأردن برواتب تصل ل 500 دينار    رئيس المستشارية الألمانية: وقف إطلاق النار يجب أن يسبق المحادثات مع روسيا    مصر تبحث مع إيران وسلطنة عمان مستجدات الملف النووي في مسقط    سوريون يضرمون النار بمواد غذائية وزعتها قوات إسرائيلية    الصين وأمريكا تتفقان على خفض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب منطقة "شيتسانغ" جنوب غربي الصين    محافظ أسيوط يتفقد منطقة "المصلة" ويوجه بحلول عاجلة لأزمة الصرف -صور    رونالدو على رأس تشكيل النصر المتوقع أمام الأخدود    محمود حمدي الونش يعود لتشكيل الزمالك الأساسي أمام بيراميدز    موعد مباراة الأهلي وسيراميكا بالدوري.. والقنوات الناقلة    برشلونة يحلق بالصدارة، ترتيب الدوري الإسباني بعد الجولة ال 35    تقييم صلاح أمام أرسنال من الصحف الإنجليزية    «وقت إضافي أم ركلات ترجيح».. ماذا يحدث حال تعادل مصر وغانا في كأس أمم أفريقيا للشباب؟    9 ملايين جنيه.. قيمة قضايا الاتجار غير المشروع في النقد الأجنبي    رفع 48 سيارة ودراجة نارية متهالكة خلال حملات مكثفة بمختلف المحافظات    مصرع جزار في مشاجرة بين طرفين بالقليوبية    تأجيل محاكمة المتهم بقتل والده في مشاجرة بطوخ لجلسة أغسطس المقبل    محافظ المنوفية يعلن ضبط 50 طن قمح بمخزن حبوب غير مرخص بالباجور    تحرير 202 محضر والتحفظ على مواد غذائية وعصائر منتهية الصلاحية ببنى سويف    عرض ومناقشة فيلم "سماء أكتوبر" في مكتبة المستقبل    «CANNES 78».. الاحتفاء بنيكول كيدمان وعودة جعفر بناهى    مسرح 23 يوليو بالمحلة يشهد ختام العرض المسرحي «الطائر الأزرق»    هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول: إسرائيل ستوفر ممرا آمنا لإطلاق سراح عيدان    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم الاثنين بالأسواق (موقع رسمي)    طريقة عمل الفاصوليا الخضراء بمذاق لا يقاوم    جنوب سيناء.. فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يرصد مخالفات بمستشفى دهب    عمرو سلامة يعلق على تصنيفه من المخرجين المثيرين للجدل    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    تعويض 2000 جنيه.. البترول تعلن خلال ساعات آلية تقديم أوراق المتضررين من البنزين.. فيديو    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    4 ملايين مشاهدة، بيسان تتصدر تريند اليوتيوب ب "خطية"    «قصر العيني» يحصل على اعتماد الجمعية الأوربية لأمراض القلب    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الاثنين 12 مايو 2025    إصابة طالب بحروق إثر حادث غامض في البراجيل    قبل بوسي شلبي ومحمود عبدالعزيز.. زيجات سببت أزمات لأصحابها في الوسط الفني    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    تزامنا مع زيارة ترامب.. تركيب الأعلام السعودية والأمريكية بشوارع الرياض    حكم اخراج المال بدلا من شراء الأضاحي.. الإفتاء تجيب    عباس شومان ينفي وفاة الدكتور نصر فريد واصل    تكليف «عمرو مصطفى» للقيام بأعمال رئيس مدينة صان الحجر القبلية بالشرقية    تبدأ في هذا الموعد.. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي بمحافظة أسوان 2025 (رسميًا)    «انخفاض مفاجئ».. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: كتلة هوائية قادمة من شرق أوروبا    رياضة ½ الليل| انتصار الطلائع.. عودة عواد.. البارسا يطيح بالريال.. وتطور أزمة زيزو    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    مع عودة الصيف.. مشروبات صيفية ل حرق دهون البطن    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا جرى فى نهر العدالة؟ (3-3)

لا يملك المطلع على الكتاب الذهبى للمحاكم الأهلية من عام 1883 حتى 1933 والمطبوع بمجلديه الكبيرين سنة 1937- لا يملك أن يفارقه إعجابه بهذا العمل العظيم اللافت، بدءاً بالطباعة الفاخرة على الورق المصقول الفاخر، وفنون الخط العربى البديعة، وانتهاءً بكل ما حواه وحفظه للأجيال بتسجيله المميز الدقيق والمشفوع بالصور النفيسة لصفحات وأعلام القضاء المصرى فى ذلك الزمان..
هؤلاء الذين تسلموا الأمانة فى زمن مثخن بآفات كثيرة ليضعوا لبنات أساس عريض ويثابروا فى جد وإخلاص على استكمال البناء ليسلموا للأجيال التالية راية للقضاء جديرة به وبمصر فى تطلعها إلى مستقبل مزهر.. فلا يكاد المطالع للكتاب يمضى مع آيات عديدة جديرة فيه بالإعجاب، حتى يلفته بقوة ما كانت عليه العلاقة القائمة على التقدير المتبادل البالغ بين القضاء وبين المحاماة ..
كلاهما متجاوران سواء فى الاحتفال بافتتاح محكمة استئناف أسيوط فى 10/3/1926 الذى خطب فيه من رجال المحاماة حضرة صاحب العزة الأستاذ إبراهيم الهلباوى المحامى الكبير وحضرة الأستاذ ناشد حنا نقيب محامى أسيوط وحضره المحامون مع القضاة، أم فى الاحتفال بإنشاء محكمة النقض فى 5/11/1931 الذى فيه اطرى قاضى القضاة عبدالعزيز باشا فهمى المحاماة إطراء العارف المقدر الحفيظ على هذه الصلة القائمة على التقدير المتبادل .. ثم لا يكاد يفرغ المتأمل من الالتفات إلى هذه الملحوظة حتى يدرك أن الأمر لم ينحصر فى مجاملات أو تشارك فى احتفالات،
وإنما صارا فيه- القضاء والمحاماة- شريكين قسيمين أو يكادان فى تدبيج الكتاب الذهبى نفسه عن المحاكم الأهلية، فيكتب- إلى جوار القضاة- صاحب العزة عزيز خانكى بك المحامى عن التشريع والقضاء قبل وبعد إنشاء المحاكم الأهلية، مثلما يكتب عن المحاماة قبل إنشاء المحاكم الأهلية، ويكتب عنها بعد إنشائها صاحب العزة توفيق دوس باشا المحامى، ثم يكتب صاحب العزة إبراهيم الهلباوى المحامى عن أعلام القضاء: الأستاذ الإمام محمد عبده الذى أمضى فى القضاء سبع سنوات من عام 1888 حتى عين مفتيا للديار المصرية فى 5/6/1899، وعن الأستاذين القاضيين الكبيرين حسن باشا عاصم وقاسم أمين صاحب «تحرير المرأة» و«المرأة الجديد»، وكما يكتب صاحب العزة مصطفى بك محمد عن المجالس الحسبية وصاحب السعادة أمين أنيس باشا عن محكمة النقض والإبرام، وصاحب العزة كامل مرسى بك (باشا فيما بعد) عميد كلية الحقوق عن الكلية، وصاحب العزة صليب سامى بك (باشا فيما بعد) عن إدارة قضايا الحكومة التى يرأسها نرى الأستاذ زكى عريبى المحامى يكتب عن لغة الأحكام - نعم الأحكام- إلى جوار كتابته عن لغة المرافعات..
هذا التجاور يحس القارئ بمنابعه ورسوخه حين يرى كثيرا من رجال القانون قد تقلبوا ذهابا وإيابا بين القضاء والمحاماة كسعد زغلول ومحمد لبيب عطية وحامد فهمى وسيد مصطفى وسليمان حافظ وأحمد نشأت ومصطفى مرعى وغيرهم، وحين يرى أن منصب وزير العدل أو الحقانية فيما سلف- لم يكن قصرا على رجال القضاء، فشغله محامون قضاة وقضاة محامون قبل كثير من تعيين الرئيس جمال عبدالناصر للمحامى فتحى الشرقاوى وزيرا للعدل فى الستينيات..
لم يكن ذلك التعانق رضوخا أو استجابة لنص- قائم الآن ولكنه معطل- يخصص نسبة للمحامين فى تعيينات القضاء، وإنما صدى لاقتناع عميق متغلغل فى نسيج رجال ذلك الزمان الذين آمنوا بأن رسالة العدالة تضم الجميع فى حناياها بتآخٍ وتقدير متبادل.
إذن لم يكن حديث عبدالعزيز باشا فهمى فى حفل إنشاء محكمة النقض- مجرد كلمات طلية لزوم الاحتفال والمجاملات، وإنما كان تعبيرا صادقا عن حالة حقيقية نجح بها هؤلاء الأسلاف العظام فى الخروج من «زقاق» «الانحياز» الفئوى إلى باحة الرؤية الشاملة التى تدرك أن رسالة العدالة جديرة بأن تؤلف بين الساعين فى محرابها وأن تجمعهم- مهما اختلفت مواقفهم وأطروحاتهم- على غاية واحدة، وألا يخل اختلاف المواقع أو الأدوار بإحساس الجميع بأنهم ينتمون إلى أسرة واحدة وتجمعهم- رغم اختلاف الرؤى- غاية واحدة..
فنرى فى مجلدى الكتاب الذهبى للمحاكم الأهلية- كيف أن رجال القضاء ورجال المحاماة قد انصرفوا جميعا إلى همهم فى خدمة العدالة بلا تحوصل أو تمحور أو انحياز، ونعجب لهم وبهم وهم يتبادلون المواقع بلا حساسية، فيتحدث قاضى القضاة والقضاة عن المحاماة والمحامين، ويتحدث المحامون عن القضاء والقضاة والمحاكم الأهلية والحسبية.
ومع أن الكتاب الضافى هو للمحاكم الأهلية وعنها، بما يغرى بأن يقتصر التناول والحديث فيه على المحاكم والقضاء والقضاة، فإننا نرى أن الكتاب الذهبى يفسح المجال- راغباً مرحباً بالمحاماة وقضاياها وبنائها وسبلها.. يكتب الأستاذ زكى عريبى المحامى عن لغة المرافعات، ويفسح الكتاب للمحامى النابغة أحمد رشدى ليتحدث عن «المحاماة كما يعرفها».. فيورد- فيما يورد- عن دراسة المحامى وثقافته الواجبة «إن من التزيد فى الكلام أن يقال إن على المحامى أن يتفقه فى القوانين فهما واستذكاراً، فما ينبغى أن يكون المحامى شيئا إذا لم يكن كذلك.
أما أن يصبح محاميا حقا فذلك يوم لا يفوته النصيب المسعف من كل علم بينه وبين عمله صلة تكاد لا تنقطع. إنه لا محيص له من أن يصيب حظا وافرا من الفقه الشرعى والتاريخ والمنطق وعلم الاجتماع وعلم النفس وآداب البحث والمناظرة، إلى حظ موات من مبادئ العلوم الطبية والميكانيكية، وليس ذلك بعجيب ولا هو بمستكثر.. إن ضرورة العمل وحسن أدائه أصبحا يقتضيان من المحامى أن يختزن فى وعاء قلبه من المعارف ما لا يتأدى التوفيق فى المرافعة وبحث القضايا إلا به.
أليس مما يشين المحامى أن يكون لقضيته اتصال بفن من الفنون، وأن تنضاف إلى أسانيدها تقارير خبراء فنيين ثم يقف هنالك زائغ البصر عاجزاً عن تفلية هذه التقارير ليميط ما فيها من باطل أو ليقيم ما بها من حق؟!».. ثم فى سلاسة حانية، وبصيرة نافذة، يوصى المحامين بوصاياه النفيسة وبفنون المرافعة من حصاد تجربته الطويلة المتميزة.
ومن اللافت أن هؤلاء الأسلاف قد بنوا هذا البناء قبل أن يدين لهم ما دان لنا اليوم من المعارف والعلوم والثقافة مما كان محل سعى وطلب ومجاهدة للتحصيل فى زمن هؤلاء الأسلاف الذين وضعوا الأساس، فلم يكن فى قبضتهم ومتناولهم ما صار سهل المنال ميسور التحصيل فى مصادر عديدة تزايدت فى زماننا مبوبة ومفهرسة فى المجموعات والمراجع وشبكات الإنترنت.. وتراكمت إلى جوار المعارف- التقاليد- التى صارت دستوراً مكتوبا وغير مكتوب، ومع ذلك فإن جعبة اليوم خلت من كثير مما ضربه الأسلاف من أمثال وخطوه وحفروه من قيم وتقاليد ومبادئ.. كانت جعبة الماضى فى هذا الجانب أكثر ثراء وبعداً عن الكبوات..
وربما كان مرجع هذا إلى موجة الإنشاء والتأسيس وما يصاحب هذا عادة من همم ماضية وجد خالص تستلزمه الآمال الكبار فى البناء!! وهذا قريب من دورات الحضارات التى تصاحبها إيجابيات فى مرحلة البناء والتكوين والاندفاع، ثم سرعان ما يصيبها التراخى ثم الوهن والتحلل والتفكك بما يصاحبه من ميل كل فئة إلى «التمحور» الذى يسلس- وربما باللا وعى- إلى الانحيازات الفئوية التى تعطل فى الواقع رسالة العدالة، وتحل سلبيات ناحرة محل إيجابيات ثرية معطاءة كان حريا بالحاضر أن يضيف إليها لا أن ينحر منها!!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.