«الأعلى للجامعات» يحدد جدول اختبارات الدبلومات الفنية 2025 لكليات الهندسة    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بمجلس الشيوخ    منها «مدد الإعارات والإجازات للعمل بالخارج».. الجريدة الرسمية تنشر 6 قرارات جديدة ل«الوزراء»    القائم بأعمال رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: اليوم تحقق حلمنا بتخريج أول دفعة    محافظ المنوفية يستعرض الموقف الحالي لمنظومة النظافة والمشروعات    الرئيس السيسى يستقبل وزير دفاع إيطاليا ويؤكد أهمية تعزيز زخم علاقات القاهرة بروما    الداخلية السورية: مزاعم حصار محافظة السويداء كذب وتضليل    العثور على دقيقة مفقودة في تسجيلات المجرم الجنسي إبستين تثير الجدل.. ما القصة؟    مناورات عسكرية مشتركة بين روسيا والصين في أغسطس    بفريقين مختلفين.. الأهلي يخطط لخوض وديتين يوم الأحد المقبل    هل يرحل ديانج عن الأهلي؟.. طالع التفاصيل    قبل الرحيل.. الجفالي يظهر مع فتوح في التأهيل المنفرد    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه تونس في أجندة سبتمبر    سباحة - الجوادي يحقق ذهبية سباق 800 متر حرة ببطولة العالم    إسلام جابر إلى المقاولون العرب    براءة المتهمين بمساعدة سفاح المعمورة لارتكاب جرائمه في الإسكندرية    حريق في مصنع صابون سائل بأكتوبر    حكم عاجل من القضاء بشأن دعوى إثبات نسب ضد إسلام جابر لاعب للزمالك    3 شباب يستدرجون فتاة من ذوي الإعاقة ويعتدون عليها في العجوزة    "شارع 19" لفرقة مركز الجيزة يقدم ليلته الثانية بالمهرجان القومي    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    رئيس الوزراء: استراتيجية وطنية لإحياء الحرف اليدوية وتعميق التصنيع المحلي    35 ألف طالب تقدموا بتظلمات على نتيجة الثانوية العامة حتى الآن    مصنعو الشوكولاتة الأمريكيون في "ورطة" بسبب رسوم ترامب الجمركية    بعد ترشحه لرئاسة ساحل العاج.. من هو الحسن واتارا؟    هيئة فلسطينية تثمن جهود مصر لإدخال كمية كبيرة من المساعدات إلى قطاع غزة    روسيا تلغى تحذير تسونامى فى كامتشاتكا بعد الزلزال العنيف    رئيس مجلس الدولة: نثمّن دور النيابة الإدارية في دعم دولة القانون    ضبط عاطل و بحوزته 1000 طلقة نارية داخل قطار بمحطة قنا    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    مي طاهر تتحدى الإعاقة واليُتم وتتفوق في الثانوية العامة.. ومحافظ الفيوم يكرمها    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    رئيس جامعة بنها يترأس اجتماع لجنة المنشآت    "التضامن" تستجيب لاستغاثات إنسانية وتؤمّن الرعاية لعدد من السيدات والأطفال بلا مأوى    الصحة تناقش إنشاء شبكة عيادات ذكية لخدمة سكان الإسكندرية    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    لترشيد الكهرباء.. تحرير 145 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    فى لفتة إنسانية.. الأجهزة الأمنية بالقاهرة تنجح فى إعادة فتاة لأهليتها    معلومات الوزراء: مصر في المركز 44 عالميًا والثالث عربيا بمؤشر حقوق الطفل    «تنمية مستدامة»    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    حميد أحداد ينتقل إلى الدوري الهندي    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يوليو 2025    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحة من تاريخ مصر د. رفعت السعيد
نشر في الأهالي يوم 14 - 07 - 2010


مناضلون يساريون
صابر زايد
علمتني الحياة أن أصنع أي شيء، وأن يداي قادرتان علي صناعة كل شيء أحتاجه، فأصبحت محترفا متخصصا في صناعة آلات الطباعة والعمل عليها وإخفاء كل شيء بمهارة.
صابر زايد
إسكندراني أصيل، من أسرة فقيرة تعمل في تجارة الورق، لكن الرزق شحيح ولا يملك صابر ترف الاستمرار في
التعلم، فيصبح عامل نسيح في مصنع بولفارا وفي مطلع الأربعينيات يصبح عضوا في الحركة المصرية للتحرر الوطني، وعبر عام أو عامين يصبح قائدا نقابيا في المصنع، ومن ثم يصبح قياديا في فرع الإسكندرية من «اللجنة الوطنية للطلبة والعمال»، ويلتهب حماسا مع المظاهرات الصاخبة وتلتهب به المظاهرات حماسا، وفي 4 مارس 1946 يوم الإسكندرية العظيم يكون أحد القادة البارزين.. ويتواصل في النضال حتي إعلان الأحكام العرفية في 15 مايو 1948 ليكون من أوائل المعتقلين ويتنقل من معتقل لآخر إلي أن يفرج عنه 1950 مع إلغاء الأحكام العرفية، وفي 1951 وإذ يلتهب الكفاح المسلح في القناة يشكل مع رفاقه كتيبة للمقاومة المسلحة وتقدم الكتيبة أول شهيد يساري في معارك القتال الشهيد «عباس الأعصر» وتحترق القاهرة في 1952 ومرة أخري الأحكام العرفية، ومرة أخري إلي المعتقل ثم تأتي ثورة يوليو فيفرج عنه ليواصل ذات الطريق، ومع أول صدام مع ضباط يوليو يعتقل أيضا وهذه المرة إلي سجن روض الفرج، ويقول صابر في حواره معي «في ذات ليلة وأنا في المعتقل تأملت شريط حياتي وقلت ها أنا في كل مرة يقبض علي كالفرخة، وقلت «ثلاث مرات تكفي» ولن يقبض علي أبدا بعد ذلك.
كان معه في المعتقل عديد من الرفاق منهم حمدي عبدالجواد، ضياء الدين بدر، حليم طوسون وآخرون، تأمل شبابيك ومخارج السجن وجلس هو وحليم طوسون يخططان دون أن يعلم أحد لعملية عرفت باسم «الهروب الكبير» ويمضي صابر قائلا «العملية نظريا سهلة صفيحة منشار تقطع المسامير التي تثبت حديد الشباك، الحديد عبارة عن برواز ضخم لو نجحنا في خلعه ثم ينام علي سور السجن ثم نثبت فيه ملايات السراير ليهبط عليها الهاربون، وتبقي مشكلتان كيف يتم تهريب صفيحة المنشار والثانية كيف يتم استبعاد جندي الحراسة القابع فوق سور المعتقل والآخر القابع أسفل السور، تكفل صابر بحل المشكلة الأولي فقد كان معتقلا معهم النبيل عباس حليم وكان النبيل قد حاول منذ أمد أن يصبح قائدا للعمال ومن هذه الزاوية اصطاد العامل الماكر النبيل الساذج ورتب معه أن ندخل صفيحة المنشار داخل رغيف فينو طويل يأتي ضمن الطعام الفاخر الذي يحصل عليه النبيل يوميا، أما مشكلة الحارس علي السور فقد حلها حليم بعد أن استخدم عشرات من البيض الفاسد براحته الكريهة لإلقائهافي كل ليلة خارج السور بحيث لا يطيق الجندي أعلي السور البقاء في مكانه، أما أسفل السور فقد كانت هناك لمبة تتدلي من الشباك لتضيئ للجنود هذا الممر، واستحضر حليم لمبة كبيرة جدا وقوية جدا بحيث لا يمكن للجندي أن يرفع بصره إليها ومن ثم يمكن الهروب دون أن يراهم أحد، وتمت خطة الهروب الكبير سبعة من أهم الكوادر أفلتوا من المعتقل الناصري وثار عبدالناصر وأمر بحملات قبض جديدة.
أما صابر زايد فقد صمم علي شعاره ثلاث مرات تكفي، وخاض رحلة هروب أسطورية لمحترف ثوري يتولي مسئولية طباعة كل مطبوعات التنظيم، يهرب، يعمل ليكسب ما يكفيه هو وأسرته وما يكفي لصناعة آلات الطباعة التي علم نفسه كيف يصنعها بيديه وما يكفي لشراء الأوراق والأحبار وكل تكاليف الاتصال، فقط هم يرسلون له المطلوب طباعته وهو يعيده إليهم مطبوعا بكميات كافية، علم نفسه الكتابة علي الآلة الكاتبة واخترع آلات رونيو مبسطة وشاركه في ذلك المهندس سمير توفيق وكان مسئول الاتصال به.
ثم صنعا معا آلة طباعة واشتري صابر الحروف وعلم نفسه كيف يصفها وكيف يصدر مطبوعات سرية غاية في الأناقة، ست سنوات ونصف السنة من أبريل 1953 إلي ديسمبر 1959 قضاها صابر متنقلا هو وأسرته من قرية لقرية ومدينة لمدينة، في سمنود فتح محل سمكري بلدي وعاش هو وزوجته وأولاده يكسب ويصرف عليهم وعلي ابنه المهم وهو جهاز الطباعة، ثم انتقل لقرية أخري وثالثة ليعمل نجارا، ثم إلي الزقازيق ليستأجر منزلا من طابقين ولأن أخوته تجار ورق في الإسكندرية فقد اتخذ مهنة تجارة الورق غطاء له وكانت سيارة النقل تحضر محملة بكميات ورق كبيرة يتم تفريغها ثم إعادة كثير منها في ذات السيارة بعد احتجاز جزء للطباعة وجزء للبيع.
وتحمل السيارة المغادرة المطبوعات الحزبية وأسأله كم مرة انتقلت بأسرتك ومطبعتك؟ فسرح طويلا.. وقال: كثير سمنود، ميت غمر - شبين الكوم - المحلة - السنبلاوين - طنطا - كفر الزيات - بني سويف - الواسطي - أسيوط - الزقازيق، أنا أقرر وأنتقل وأتصل بالرفاق ولا أحد يعرف مكاني علي الإطلاق، مرة واحدة استدعيت، كان العدوان الثلاثي يحتل بورسعيد والمطلوب مطبعة وكادر يعرف كيف يعمل عليها، تسلل وطبع الانتصار، وعندما خرج العدوان ظهر الهاربون جميعا إلا هو فهو لم يعد يثق في هذا الحليف المتقلب، فمن بورسعيد المحررة تسلل بمطبعته إلي مكان جديد، وفي 1959 يقبض عليه، جرحه وكبرياؤه يؤكدان في كل لقاء «لست المسئول عن القبض علي ولكن مسئول الاتصال أخطأ» وفي السجن تتفجر مواهب جديدة من عيدان الكبريت يصنع تماثيل جميلة ومن لباب العيش يصنع قطع شطرنج ومنازل وعرائس غاية في الرقة والجمال.
وعندما يتأسس التجمع يأتي صابر زايد محملا بأعباء أعوام الهروب والزمان والشيخوخة والأولاد الذين كبروا بلا أصدقاء ولامعارف ولا أقارب.. ويبقي معنا حتي يرحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.