يعتبر صدور قانون تنظيم الصحافة نتيجة طبيعية لاتجاه الدولة نحو النظام الاشتراكى كنظام اقتصادى، بديل عن النظام الرأسمالى، الذى كان سائداً قبل قيام الثورة، لذا كان القانون مقدمة لما تبلور فيما بعد بوضوح من تحول اشتراكى بلغ ذروته بقرارات يوليو الاشتراكية عام 1961، وهناك تمهيد لصدوره فى خطاب الرئيس عبدالناصر وتصريحاته، فى عيد الثورة عام 1959 وما نشره بعض الكتاب والصحفيين فى ذلك الحين قبل ما يقرب من عام على صدوره، هاجم عبدالناصر الصحافة المصرية واتهمها بعدم إلقاء الضوء على قضايا المواطنين الكادحين، فى الوقت الذى خصصت فيه مساحات كبيرة لأخبار العاطلين بالوراثة، وأبناء الطبقة الأرستقراطية التى نشأت أثناء الحكم التركى والاحتلال البريطانى وسيدات المجتمع، ووصفها بأنها تقدم صورة بعيدة كل البعد عن مجتمعنا الاشتراكى الجديد، وهو ما دعا بعض الأصوات فى الاتحاد القومى آنذاك للمطالبة بأن يلعب الاتحاد دوره الإيجابى فى توجيه الصحافة، وانتقد محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير «الأهرام»، وقتها فى مقال عنوانه (حرية الرأى) الصحافة المصرية، وشن هجوماً حاداً عليها وقال إنها لم تستطع التخلص من كونها صحافة شخصية تعبر عن الرأى الخاص لأصحابها ومحرريها، وانحازت لحساب المرفهين وفشلت فى التعبير عن الرأى العام لمجتمع بأكمله على اختلاف طبقاته. وفى مجلة «روزاليوسف» كتب فتحى غانم فى عدد 28 ديسمبر 1959، مؤكداً حق الدولة فى أن تتدخل لتوجيه حرية الرأى، ودعا إحسان عبدالقدوس، رئيس تحرير المجلة، إلى ضرورة أن تنظم الصحافة فى إطار الاتحاد القومى، لأنها أصبحت بمثابة أداة من أدواته، وهاجم على أمين فى «أخبار اليوم» فى 14 مايو 1960 ما سماه «انفلات» بعض الكتاب وتصورهم أن الحرية تسمح لهم بأن «يدوسوا» مقدسات المجتمع والمثل العليا، وهو ما رآه كثيرون مقدمات مؤكدة لتأميم الصحافة من بينهم الدكتورة ليلى عبدالمجيد التى ذكرت فى كتابها (حرية الصحافة فى مصر بين التشريع والتطبيق) أن هذه المقالات كانت بتوجيه من الدولة، تمهيداً لإصدار ما يسمى قانون (تنظيم) الصحافة، وأن هذه المقدمات تضمنت الخطوط العامة لما جاء عليه القانون بعد ذلك، أما مجالس إدارات المؤسسات الصحفية والتى أشار إليها قانون التنظيم فتم تشكيلها فى اليوم نفسه لصدور القانون وقابلت الصحف القانون بالترحيب وظهر هذا فى افتتاحياتها وفى مقالات رؤساء تحريرها وكبار كتابها، والتقى الرئيس عبدالناصر بعد صدور القانون وتشكيل مجالس إدارات المؤسسات الصحفية الجديدة، أعضاء هذه المجالس ورؤساء تحرير الصحف والمجلات وتحدث عن الظروف التى اقتضت نقل ملكية الصحف للشعب ورسالة الصحافة ودورها فى المجتمع الاشتراكى الديمقراطى. ونفى عبدالناصر فى حديثه أن يكون أحد بعينه مقصوداً بهذا الإجراء، مستنكراً تحول الصحافة إلى سلعة أو تجارة، ولفت إلى أن ما تم من تنظيم قائم على قناعة أساسها طبيعة المجتمع الذى نعيش فيه، وقال: «ليس هدفنا أن نغتصب مبانى 5 أدوار أو 11 دوراً.. لابد أن نبنى مجتمعاً اشتراكياً متحرراً من الاستغلال، المجتمع الذى نريد أن نبنيه بالقطع مش مجتمع القاهرة ولا النادى الأهلى ولا نادى الزمالك ولا نادى الجزيرة ولا السهرات بتاعة بالليل.. مش هى دى بلدنا بأى حال من الأحوال، بلدنا كفر البطيخ.. الناس اللى لابسين برانيط قش وبيشيلوا الرز طوال النهار لكى يعيشوا دى بلدنا.. ماهياش أبداً فلانة اطلقت أو اتجوزت». وكان من الطبيعى أن تنعكس التغييرات فى النظام السياسى الاقتصادى على تغيير مضمون النقد الصحفى فلم يكن مسموحاً بتوجيه النقد للاتحاد القومى ولا سياسة عدم الانحياز والدعوة القومية العربية وإن سمح القانون بتوجيه الانتقادات لممارسة العمل السياسى فى ضوء الالتزام بالميثاق الوطنى، كذلك لم يكن مسموحاً توجيه النقد للنظام الاجتماعى الذى يهدف لتذويب الفوارق بين الطبقات أو للتحول الاشتراكى أو رفض القطاع العام، ولكن للصحافة أن تناقش مشاكل التطبيق الاشتراكى، وكان الرئيس عبدالناصر حريصاً فى كل مناسبة على أن يؤكد أن الصحافة حرة، ورغم ذلك مارست السلطة السياسية بعض الإجراءات غير الديمقراطية مع الصحافة والصحفيين من ذلك إعفاء فكرى أباظة من الكتابة فى أغسطس 1961 ونقل بعض الصحفيين من عملهم إلى مؤسسات القطاع العام للعمل بإدارات العلاقات العامة خلال السنوات 64- 1966، وفى فبراير 66 نقل 38 محرراً بصحيفة أخبار اليوم إلى مؤسسات لا علاقة لها بالعمل الصحفى.