* السابق * 1 of 2 * التالي الاشتراكي الأمريكي الذي سبق لينين فكريا ادي الانقسام بين العمال الاشتراكيين كما انتظموا في حزب العمال الاشتراكي والعمال النقابيين الي اتساع الهوة بينهما ازاء موضوع الانتخابات. لقد اراد الاشتراكيون - بزعامة الامين العام للحزب آنذاك دانييل ديليون (1852-1914) - ان يبقي الاشتراكيون كيانا مستقلا عن التنظيمات العمالية النقابية، وكان يتزعمهم موريس هيلكويت (1869-1933) الذي ذكرناه كأقدم مؤرخ للاشتراكية الأمريكية، حتي في خوض الانتخابات الذي كان شديد الحماس لفكرة خوض الانتخابات كعمال موحدين علي اسس نقابية بالدرجة الاولي. ولعله يجدر بالذكر ان «هيلكويت» كان مهاجرا اوروبيا الي أمريكا وكان من مواليد لاتفيا، كذلك كان دانييل ديليون من مواليد جزر الكاريبي ولكنه تلقي تعليمه في اوروبا، وتخرج في اكاديمية ليدين ذات المكانة العالية في هولندا. وعلي الرغم من انه كان يجمع بين ديليون وهيلكويت رفض الافكار والممارسات الفوضوية، لكن هذا العامل لم يستطع ان يوحد بينهما فيما يتعلق بخوض الانتخابات. ونظرا لاهمية دانييل ديليون في الحركة الاشتراكية الأمريكية في بداياتها الاولي فإنه جدير بقدر من التفصيل لانه كان من طراز جمع بين صفات المفكرين والمناضلين في وقت واحد، بغض النظر عن النتائج العملية التي انتهي اليها نضاله السياسي في حركة اليسار الأمريكي التاريخية. يعد دانييل ديليون اول مثقف ناطق بالانجليزية مارس تأثيرا ونفوذا كبيرين علي اليسار الأمريكي لامد طويل. وعلي الرغم من انه اخفق في بناء حركة اشتراكية أمريكية موحدة لكنه عبر بوضوح وسلاسة عن افكار قوية في مجال تطور المجتمع الصناعي. كما انه خلق حزبا طليعيا رائدا كما خلق اجيالا من الصحافة اليومية التقدمية قبل ان يتأسس الحزب الشيوعي الأمريكي ويتولي هذه المهام. وقد ساهم «ديليون» بمحاضرات مهمة عن القمع الذي تعانيه الطبقة العاملة والفقراء في انحاء أمريكا اللاتينية قبل ان يتبين اليسار اللاتيني نفسه الدور الذي يتعين عليه ان يقوم به في مقاومة هذا القمع. ونظرا لقدراته الاكاديمية فانه كان من اوائل من كتبوا لفصلية العلوم السياسية التي لا تزال تصدر حتي الان عن جمعية العلوم السياسية الأمريكية. النضال الموحد اظهر ديليون اهتماما كبيرا بافكار واتجاهات جورج هنري الكاتب التقدمي الأمريكي صاحب كتاب "الفقر والتقدم" خاصة في فترة حملته الانتخابية لمنصب عمدة نيويورك. وكان من نتيجة ذلك ان تخلي ديليون عن تأييده لازدواجية الحركة العمالية اشتراكية ونقابية واتخذ موقف النضال الموحد العام من اجل اليسار الاشتراكي، وانضم الي حزب العمال الاشتراكي في عام 1891. وقد اظهر في تلك الاونة انه حقق فائدة كبيرة من قراءاته المتعمقة لنصوص ماركس وانجلز وغيرهما من المفكرين الاشتراكيين. ويجدر بالذكر انه حقق اول ترجمة للانجليزية لكتاب المفكر الاشتراكي اوجست بيبل «المرأة والاشتراكية». كما اهتم قبل غيره من الماركسيين بقوانين الدارونية الطبيعية واهتم في الوقت نفسه بعلم الانسان (الانثروبولوجيا) عند لويس هنري مورجان خاصة اشاراته الواضحة الي ان الانسانية قد تعود يوما الي مرحلة جماعية شبيهة بمرحلة الشيوعية البدائية التي عاشتها قبل ظهور المجتمع الطبقي. اصبح «ديليون» بعد سنوات نشطا فيها كمحاضر وخطيب في ان يتولي رئاسة تحرير صحيفة "الشعب" التي تحولت تحت اشرافه الي نشرة تحليلية جادة لقضايا العمال وسط عدد قليل للغاية من الصحف الاشتراكية التي كانت تصدر باللغة الانجليزية آنذاك. وتميزت الصحيفة بانها "اكثر اشتراكية واكثر ماركسية". غير ان ديليون وقع في خطأ الاعتقاد بأن الكساد الاقتصادي الذي اصاب النظام الرأسمالي الأمريكي في تسعينيات القرن التاسع عشر كان "نهاية النظام الرأسمالي" ووضع جدول اعمال اشتراكي في تلك الحقبة علي هذا الاساس، تخلي فيه عن النجاحات البسيطة التي كان اليسار الأمريكي قد حققها وتطلع الي مرحلة تبني علي انهيار الرأسمالية. وزاد انتقاده للحركة العمالية النقابية التي لم تشاركه اعتقاده بأن النظام الرأسمالي ينهار. ودعا الي برنامج "هجومي" من الحملات السياسية وطالب بقطع الصلة مع رابطة العمال الأمريكية التي اعتبرها ذات ميول محافظة. وأدي هذا الي طرد حزب العمال الاشتراكي بزعامة ديليون من هذه الرابطة عندما عقدت مؤتمرها العام في عام 1890. سياسة لا نقابة ورد ديليون علي ذلك بانه قاد شخصيا عملية تأسيس "التحالف الاشتركي للنقابات والعمال" ليكون بديلا عن الرابطة وعن التنظيم النقابي القديم. ولم يقدر لهذا التحالف ان يعيش سوي لسنوات قليلة ، الامر الذي يعزي الي اصرار ديليون علي فرض طبيعة سياسية بحتة - لا نقابية - علي نشاط التحالف. مع ذلك فان قدرات ديليون الفكرية والخطابية ككاتب وكمحاضر مكنته من تأكيد ثوريته والبعد الثوري لأفكاره. ولعله يجدر بالذكر ان ديليون كان الزعيم اليساري الوحيد السابق علي الزعيم الروسي الثوري لينين الذي شبه به في كثير من كتب التاريخ والموسوعات الاشتراكية. بل تذهب "موسوعة اليسار الأمريكي" (1990) الي ان نظريات لينين عن الحزب الثوري وما اصبح يعرف فيما بعد باللينينية كانت قد ظهرت في كتابات ديليون ومحاضراته قبل بداية القرن العشرين وفي بدايته. وعندما تذكر اسهامات ديليون الفكرية - وهي بالتأكيد كثيرة - تذكر بشكل خاص ترجمته لثلاثة عشر مجلدا من كتاب «يوجين سو» الموسوعي «البروليتاريا عبر العصور». مع ذلك فانه مع بداية القرن الجديد كان حزب العمال الاشتراكي الأمريكي بزعامة ديليون قد تحول الي تنظيم صغير يضم الافا قليلة من الاعضاء. كان قد تخطاه كثيرا الحزب الاشتراكي (الأمريكي) الذي تاسس في عام 1901 وبلغ ذروة قوته في عام 1910 كما لم يبلغها اي حزب يساري اخر في التاريخ الأمريكي. بعد ذلك عاش ديليون وحزب العمال الاشتراكي في "عزلة سامية" حسب تعبير المؤرخ الماركسي الأمريكي دان جورجاكاس، رافضا اي اندماج مع الحزب الاشتراكي متمسكا بكل مواقفه النظرية بشان النضال اليساري واساليبه واهدافه. وكان قد بدا ان ثمة احتمالا لوئام او مصالحة مع زعماء اشتراكيين يفوقونه شعبية مثل يوجين ديبس حين اقترح ديليون توحيد حزب العمال الاشتراكي مع الحزب الاشتراكي، الا انه تبين ان «ديليون» كان شديد الاصرار علي ان يتم توحيد الحزبين علي اساس مبادئ حزب العمال الاشتراكي. ومن هنا فشلت المحاولة. أما صحيفة "الشعب" اليومية فقد استطاعت ان تعيش حتي عام 1914 ... وتوفي ديليون بعد ذلك بوقت قصير في العام نفسه. وهو العام الذي تفجرت فيه الحرب العالمية الأولي.