الربيعُ العربيّ .. انتظره العربُ عقوداً ، فلما ارتأوه قد حلّ بهم –أو هكذا خُيّل إليهم – أرادوا أن يُحكموا عليه قبضتهم، فإذا هو يتفلّتُ من بين أيديهم، وإذا هو سرابٌ. [ يحسبه الظَمْآنُ ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا..] تلوّنتْ خريطةُ أمتنا بلون الدماء في فلسطين و سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر و السودان .. والبقية تنتظر ريشة الفنّان الأمريكيّ !! مع هذه المدلهمات التي أصابت أوطاننا، فقدَ الكثيرون القدرةَ على الحُلم ..بل فقدوا القدرة على استشراف الأمل في غدٍ مشرق.. رأيتُ ذلك في عيون الكثيرين.. فماذا بعد؟ هل يقودنا هذا الشعور الانهزامي إلى تحقيق شيئٍ مما نرجو؟ أنسمح للحسرة أن تسقينا من كؤوسها المُرّة ؟ .. أرى أننا نحتاج إلى ما يجدد فينا الروح ...أعلم أن هَوْلَ ما تمرُّ به أمتنا قد شيّبنا بل أصاب أرواحنا بالتجاعيد..!! لكني أرى أيضاً أنّ الأمل هو البلسمُ الذي يزحف على تجاعيد الروح، فيردها سالمةً إلى حضن الشباب.. يجب ألا نفقد الأمل في أن يأتيَ الربيعُ الطَّلْقُ على أوطاننا ، حتى لو أتى على استحياء ، حتى لو أتى غيرَ ضاحك ، المهم أن يأتي ، وبعدها قد يسدّدُ الله خطانا ونختلجُ منه ابتسامة !! حتى تخْضَرّ رُبَى أوطاننا بالحرية و الكرامة .. الأمل هو مفتاح السعادة، ولولاه لفقد الإنسان كلّ معاني الحياة.. هو المولّدُ الذي يمدنا بالطاقة والدفع الى المستقبل ..وتحقيق كل ماهو جميل .. [ أعلّلُ النفسَ بالأمال أرقُبُها .... ما أضيقَ العيش لولا فسحةُ الأملِ ..] علّمنا الإسلام أنّ الأمل والتفاؤل عبادة..وعلمنا كذلك أن الأمل يعدِل حسنَ الظن بالله تعالى .. اعمل ما عليك وتحصّن بالأمل .. تسلّح بالأمل مهما كانت الصورة قاتمة، فأنتَ .. كما تريد ، أنتَ .. كما تحب وترجو لنفسك .. [ تفاءلوا بالخير تجدوه ] التسلح بالأمل يفجّر في نفسك شلّالا من المقاومةِ للانهزام مهما حاصرتك الخطوب وتوالت عليك الكروب ..ثق بربك وأحسن الظنّ به، يقول سبحانه في الحديث القدسي :[ أنا عند ظنّ عبدي بي ] رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة. ولنا في سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم أعظم القدوة والمثل في عبقرية التمسك بالأمل والتفاؤل حتى في أحلك المواقف وأصعب اللحظات .. النبيّ في بداية الإسلام يُحارب ويُطارد ، وأتباعه قلة قليلون يعذبون ويطهدون ، في ظلّ هذه المعاناة يُفَاجأ الصحابةُ بقول النبي لهم : ليبلغنّ هذا الأمرُ مابلغ الليلُ والنهار!! أي سيصل الإسلام يوماً إلى جميع أصقاع الأرض... وقد حقق الله لنبيه ما أمل فيه وتفاءل بحدوثه... النبيُّ في رحلة الهجرة يطارده سراقة ويلحق به وكان قد وُعِدَ من قريش بمئة ناقة إذا ظفر بمحمد ، فإذا الرسول يبث الأمل في نفس سراقة ويعده بسواري كسرى إن كف عنه ، وتمضي الأيام ويصدق تفاؤل الرسول ويفتح المسلمون بلاد الفرس في عهد عمرالفاروق رضي الله عنه ويُهْدَى سراقةُ سِوَارَيْ كسري...إنه الأمل والتفاؤل ... يعقوبُ عليه السلام لم يفقدِ الأملَ أبدا في أن يلقى ابنيه يوسف وأخاه رغم غياب السنين بل قال لبنيه :[ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من رَّوح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ...]. وقد كافأه الله على تفاؤله وحسن ظنه بربه وردّ إليه يوسفَ وأخاه ... موسى عليه السلام في قِلِّةٍ من قومه مستضعفين لا حيلة لهم يطاردهم فرعون بجيشه العرمرم بعدته وعتاده ولم يبقَ أمامهم إلا البحر .. بحسابات البشر.. موسى ومن معه هالكون لا محالة ، ولكن بحسابات الله .. النصرُ والتمكين لأهل الحق [ قال أصحابُ موسى إنا لَمُدْرَكون] لكنّ موسى المتفائل المتسلح بالأمل [ قال كلا إنّ معيَ ربي سيهدين ] وقد أنجاه الله وقومَه وأغرق فرعونَ وجُندَه . تفاءلوا فالتفاؤل عبادة ... وافتحوا بالأمل نافذةً على الفجر فإنّهُ قريب. [ إِنّ مع العُسْرِ يُسْرَاً ].