إن من الصفات النبيلة والخصال الحميدة التي حبا الله بها نبيه الكريم ورسوله العظيم صفة التفاؤل, إذ كان صلي الله عليه وسلم متفائلا في كل أموره وأحواله, في حله وترحاله, في حربه وسلمه, في جوعه وعطشه, وفي أصعب الظروف والأحوال يبشر أصحابه رضي الله عنهم بالفتح والنصر علي الأعداء, ويوم هجرته إلي المدينة فرارا بدينه وبحثا عن موطئ قدم لدعوته, علمنا كيف نعالج القلق والخوف بكلمة واحدة فقط! وكلنا يذكر قصة الهجرة النبوية من مكة إلي المدينة, عندما خرج النبي وصاحبه أبو بكر الصديق ودخلا الغار, وكان المشركون يبحثون عنهما, ولم يكن بينهما وبين الموت إلا أن يراهما أحد المشركين, ولكن رحمة الله وحفظه أكبر وأقوي من كيد المشركين, في هذا الموقف الصعب التفت أبو بكر رضي الله عنه إلي النبي صلي الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله: لو أن أحدهم نظر إلي موضع قدميه لرآنا, ثم قال له يا رسول الله إني لا أخاف علي نفسي ولكن أخاف عليك, إنه موقف يعتبر في قمة الخوف والقلق. فكيف عالج النبي هذا الموقف؟ قال له كلمة رائعة: لا تحزن إن الله معنا, ونجده يبشر عدوا يطارده, يريد قتله بكنز سيناله وسوار ملك سيلبسه, يبشر سراقة بن مالك بسواري كسري, وأعظم من ذلك بدين حق سيعتنقه, وينعم به ويسعد في رحابه. هكذا كان التفاؤل من صفات الرسول صلي الله عليه وسلم, وكان يحب الفأل ويكره التشاؤم, ففي الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لا عدوي ولا طيرة, ويعجبني الفأل الصالح متفق عليه, الفأل الصالح: أي الكلمة الحسنة والطيرة هي التشاؤم, وإذا تتبعنا مواقفه صلي الله عليه وسلم في جميع أحواله, فسوف نجدها مليئة بالتفاؤل والرجاء وحسن الظن بالله, بعيدة عن التشاؤم الذي لا يأتي بخير أبدا. ويجب علي كل مؤمن أن يتفاءل عندما يتعرض لموقف صعب, وهكذا كان جميع الأنبياء عليهم السلام, ومنهم سيدنا يعقوب بعدما ابتلي بفقدان ابنيه فماذا فعل, وكيف عالج هذا القلق والحزن؟ هل تشاءم وغضب وانفعل؟ فماذا قال لبنيه: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون( يوسف:87). إنها أجمل عبارة لعلاج القلق والتشاؤم. وقد ثبت علميا أن الدماغ يكون في حالة استقرار وراحة عندما يكون الإنسان متفائلا. ويقول الدكتور أحمد عرفات القاضي أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بالفيوم, إن المجتمعات تتقدم نتيجة جهد وعمل أبنائها كل في مجاله, ورغم ذلك فإن شعوب هذه البلاد تعيش في حالة مستقرة من الأمن والاستقرار بخلاف العديد من الشعوب العربية والإسلامية في محيطنا العربي والإسلامي خصوصا بلاد الربيع العربي التي تحولت فيها الثورات إلي فوضي, كما هو الشأن العام في مصر الذي خرجت فيه الثورة عن هدفها في بناء دولة ديمقراطية تحقق لأبنائها الحرية كرامة عدالة اجتماعية. ولم يتحقق من ذلك بند واحد بالعكس نتيجة الخلافات والصراعات تراجعت الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلد وتمزقت فرقا وجماعات تتناحر مما دفع المواطن البسيط لليأس والإحباط, ورغم أن الإسلام دين يدعو للتفاؤل والأمل والبناء والتعمير, ولكننا نفعل عكس ما يدعو له ديننا الحنيف وضد أحاديث الرسول الذي يقول في حديث صحيح: إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم عود فسيلة فإذا استطاع ألا يقوم حتي يغرسه فليغرسه, لكننا ندمر ونحرق ونهدم ونقتل, ولذا أري أن يقوم أهل العلم المحبون لهذا البلد بالدعوة للعمل والبعد عن الخلافات السياسية التي تسعي لمكاسب شخصية ضد مصالح البلد وننحيهم ونعتزلهم ونقوم كل واحد في مجاله بالعمل الجاد ونشر روح الأمل والتفاؤل بين الناس لإخراج أفضل ما في الشخصية المصرية الممتلئة بالخير والحب والتسامح, وهي قيم ومبادئ غابت في الفترة الماضية نتيجة للتشاحن والصراع, مما يهدد واقعنا ومستقبلنا لا يقع ضررها سوي علي المواطن البسيط كالعامل في مصنعه والفلاح في حقله, وهي الفئات التي تشكل العمود الفقري للمجتمع المصري, وأن نبذل أقصي ما وسعنا كل في مجاله للعمل الذي به وحده تخرج مصر من عثرتها وليس بالمهاترات والسفسطة التي طغت علي حياتنا.