توفى ملك السعودية "أبا متعب"، لتنتقل السلطة لشقيقه سلمان بن عبدالعزيز، خلال دقائق قليلة من إعلان خبر الوفاة.. رغم كونها خطوة توحي في ظاهرها بعدم وجود انشقاق داخل المملكة أو نزاع قائم على السلطة، إلا أن باطنها يؤكد أن تغيير رؤساء الدول عادةً ما يتبعه خلافات تصل لحد الصراع بين الأشقاء وأيضا الأصدقاء، ولن يتذوق ثمن تلك الخلافات سوى الحياة السياسية والاقتصادية فى آن واحد، لتلك الدولة، والمجاورين أيضا فى حال كونك من أكبر دول المنطقة. ربما يمر الأمر مرور الكرام دون أن يشعر أحد ودون أن تزعج السعودية أيًا من دول الجوار أو المنطقة العربية ككل، على اعتبار أن مواقف آل سعود لا تتغير على مدى التاريخ بل يسيروا على نهج واحد، لكن في الوقت ذاته ربما يسعى "سلمان" للكشف عن شخصية جديدة له في الحكم، لكونه رجل إصلاحي. الملك الجديد لا يواجه فقط أوضاعًا إقليمية صعبة، خاصة في ظل مواجهة محتدمة مع النفوذ الإيراني في عدة دول عربية، إضافة إلى التهديد الذي يمكن أن يمثله تنظيم "داعش" أو "الحوثيون"، بل يواجه كذلك أوضاع اقتصادية قد تكون مصيرية، وتعيد تشكيل خريطة المنطقة العربية ككل ربما وتحالفاتها. التأثير الكبير للسعودية في المنطقة، نابع من كونها تمثل أكبر اقتصاد عربي، وأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، كما أن بها قبلة المسلمين.. ومن يتولى حكم السعودية مطالب بالحفاظ على الكثير من التوازنات الداخلية، بين مختلف القبائل وكذلك التيارات السياسية، إضافة إلى إدارة الملفات الخارجية. مخاطر وفاة "أبا متعب" الأمر لن يتوقف عند ترتيب الأوضاع الداخلية للمملكة، بل يتعدى ذلك، بدايةً من علاقتها بالدول المجاورة، خاصة وأن للسعودية دورًا بارزًا في دعم الدول في أعقاب ثورات الربيع العربي، لتمكينها من مواجهة الفوضى التي اجتاحت بعضها جراء تلك الثورات، مرورًا بمستقبل أسعار الذهب الأسود في السعودية، بل ودول العالم أيضًا، ليس ذلك فقط.. لكن كذلك ماذا عن القمة الاقتصادية لمصر والمزمع عقدها مارس المقبل بمدينة شرم الشيخ، فبمجرد الإعلان قبل أيام قليلة عن مرض "أبا متعب" ترددت الأنباء عن تأجيلها باعتباره الداعي لها، فماذا عن وفاته؟. أسعار النفط.. "الغموض" يسيطر في رد فعل سريع لإعلان وفاة ملك السعودية، قفزت أسعار النفط العالمية، الجمعة، بنسبة 2%، وتجاوز سعره 47 دولارًا، الأمر الذي زاد من غموض مستقبل الذهب الأسود الذي هوت أسعاره بشكل كبير خلال الأشهر الستة الأخيرة، ويشكل بداية لفترة غموض حيال سياسة المملكة النفطية، فضلاً عن الغموض في أسواق الطاقة التي تواجه بالفعل بعضًا من أكبر التحولات في عشرات السنين، وسط توقع خبراء اقتصاديون تدهور الناتج الاقتصادي في السعودية في حال استمرت أسعار النفط على ما هي عليه، فهل سنجد سياسة جديدة لإدارة النفط الفترة المقبلة؟ الوقت لا يزال مبكرًا للكشف عن رؤى واتجاهات الملك الجديد التي سوف ينتهجها. لكن بحسب المتابعين للأوضاع بالمملكة وكذلك آل سعود، فإنهم يتوقعون أن يستمر الملك الجديد في انتهاج سياسة أوبك الرامية للإبقاء على مستوى الإنتاج لحماية حصة المنظمة في السوق من المنتجين المنافسين، فيما وجد فريق آخر، أنه من غير المتوقع حصول تغيير كبير في السياسة النفطية السعودية الفترة المقبلة عقب تولي "سالمان"، وهو ما رآه رئيس قسم الاقتصاد في وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، قائلاً: لا أتوقع تغييرًا كبيرًا، وآمل في أن تبقى عامل استقرار في الأسواق، وخصوصًا في هذه الأيام الصعبة. واتفق معه في الرأي، المحلل السياسي السابق في السفارة السعودية بواشنطن، فهد نزار، متوقعًا عدم وجود تغييرات كبيرة في السياسة النفطية للمملكة في أعقاب الوفاة. فيما وجد فريق آخر، أن ارتفاع أسعار النفط جاء كرد فعل على انتشار خبر الوفاة، الذي قد يشير إلى قدوم فترة من انعدام الاستقرار في ظل تولي قيادة جديدة للسياسات، حسبما رأى رئيس شركة ليبو للنفط ومستشار الطاقة بهيوستن، آندي ليبو. كما أيده كبير مسئولي الاستثمار في "أيرز" للأوراق المالية بسيدني، جوناثان بارات، في الرأي، قائلاً: إن أي من أشكال انعدام الاستقرار الاقتصادي التي تحدث بعد وفاة الملك عبد الله ستخلق جوًا من عدم الثقة، موضحا أن عمر السوق قصير للغاية وأي خطأ طفيف قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض المواد. ووفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية، تمتلك السعودية 16% من الاحتياطي العالمي للنفط، كما ينظر إليها على أنها قائد منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ولها نفوذ واسع على أسعار الطاقة، إضافة إلى كونها ركيزة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، كما تعتمد المملكة على عائدات النفط بشكل كبير لتمويل مشاريعها الحكومية. وكانت أسعار النفط، هبطت إلى أقل من النصف منذ أن وصلت إلى ذروتها في يونيو الماضي مع ارتفاع المعروض وتباطؤ الطلب. "القمة الاقتصادية".. ارتباك وجدل ليس من المستعبد أن يتم الاتفاق على إرجاء القمة الاقتصادية المقرر عقدها في مارس المقبل بمدينة شرم الشيخ لدعم اقتصاد مصر، إلى وقت لاحق من العام الجاري، أو إرجاءها إلى أجل غير مسمى، وهو ما سيتوقف على مدى قدرة الرئيس عبدالفتاح السيسي في توطيد العلاقات مع ملك السعودية الجديد "سلمان". بكل تأكيد مع وفاة "أبا متعب".. قد تنقلب الموازيين، خاصة وأن الدعوة إلى مؤتمر المانحين، كان قد أطلقها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في شهر يونيو الماضي حينما طلب من الدول عقد مؤتمر للمانحين في مصر، في أعقاب فوز السيسي بمنصب الرئاسة وذلك لمساعدة مصر في تجاوز أزمتها، فربما يحذو "سلمان" حذو الملك الراحل. حالة من الارتباك بلا شك، سوف تسيطر على الجهات المختلفة المصرية بل والسعودية وغيرها من الجهات التي كانت تنتوي المشاركة بقمة مارس، السؤال يكمن في أنه حال تراجع "سالمان" عن خطوات "الراحل"، فما مصير القمة التي أنفقت مصر الملايين استعدادًا لها، وحال انسحاب السعودية.. هل ستكمل باقي الدولة المدعوة طريقها أم ستعلن تحالفها مع السعودية وتتراجع عن المشاركة؟، الجدل لن يستمر طويلاً كما أنه لن يحسم سريعًا.. من جهته، رفض المهندس حسام فريد، رئيس جمعية شباب الأعمال، وجود علاقة بين وفاة خادم الحرمين الشريفين وتأجيل انعقاد مؤتمر القمة الاقتصادية، مدللاً على رأيه بأن القمة الاقتصادية ستعقد بعد شهرين، وهو ما لا يتوقع معه تغيير فى برنامج المؤتمر. "المساعدات السعودية".. منح واستثمارات لا أحد يمكنه أن ينكر فضل المملكة في مساعدة مصر، الآونة الآخيرة، خاصة فيما بعد ثورة "25 يناير".. فمنذ اللحظة الأولى وأعلن الملك عبدالله دعمه الكامل لمصر، بل دعى العالم كله للوقوف بجانبها، مقدمًا العديد من المنح البترولية والمساعدات المالية، فضلاً عن الدعوة للمشاركة في القمة الاقتصادية. العلاقات المصرية السعودية لم تكن وليدة اللحظة، ولكنها علاقات ذات أبعاد تاريخية وسياسية، بدأت بتبادل الرؤساء الزيارات منذ قديم الأزل، وحجم الاستثمارات بين البلدين والتي تقدر بأكثر من 27 مليار دولار، لكن قوة العلاقة بين البلدين ظهرت فور اندلاع ثورة 25 يناير، حيث أعلن الملك عبد الله انحيازه لموقف الرئيس الأسبق حني مبارك، وكان العاهل السعودي أول زعيم عربي يعلن تأييده التام لمبارك، إلا أنها سرعان ما عدلت موقفها ورحبت بسقوط نظام مبارك وأيدت الانتقال السلمي للسلطة في مصر. وبعد 30 يونيو والإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، أعلن الملك عبدالله تأييده للرئيس عبدالفتاح السيسي، معلنًا رفضه التدخل الدولي في الشأن المصري ودعمه للقاهرة في مواجهة الإرهاب، كما انهالت المنح والمساعدات السعودية على مصر حينها.. لكن مصير هذا المساعدات واستمرارها من عدمه؟.. هو ما ستكشف عنه سياسة "سالمان" العاهل السعودي الجديد والنهج الاقتصادي الذي سيسير عليه. وتوقع الدكتور ماهر هاشم، الخبير الاقتصادي، ألا تؤثر وفاة الملك عبد الله، على مصر اقتصاديًا، حيث سيكمل المسيرة من بعده الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي يتميز بسعة الأفق والمرونة ويعي تمامًا دور مصر الإقليمي، متوقعًا زيادة التماسك بين مصر والسعودية، خاصةً وأن هناك العديد من الاتفاقيات السعودية المصرية المبرمة، ومن أبرزها مشروعات الطاقة والنفط وتمويل مشروعات في قطاع الكهرباء وتمويل استيراد مشتقات بترولية وإنشاء مصانع لمواد البناء بقناة السويس باستثمارات تصل إلى 500 مليون جنيه. كلمة "سلمان".. ونوايا السعودية تشوق الكثير لسماع أول كلمة يدلي بها الملك سلمان، عقب توليه المملكة، للكشف عن توجهاته من سطور كلماته، وهو ما أكده الكاتب مصطفى بكري، قائلاً إن كلمة "سلمان" بها إشارة واضحة على أن مستقبل العلاقات المصرية السعودية لن تتغير، وأن الثوابت في السياسة السعودية والاقليمية والدولية ستظل ثابتة. كما أكد أن العلاقة مع مصر قضية استراتيجية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، نتيجة المصالح مشتركة والتحديات المشتركة، حيث يواجه البلدين إرهاب وتدخلات في الشئون الداخلية. فيما نوه المحلل السياسي مجيد عصفور، إلى أن الملك سلمان خادم الحرمين الجديد كان حاضرًا بقوة في صناعة القرار داخل المملكة العربية السعودية، مؤكدًا أن الملك عبد الله كان قائدًا عربيًا يحرص على التضامن العربي ووحدة الصف، مؤكدًا أن الملك عبد الله كان بمثابة "صمام أمان" للدول العربية، فضلاً عن دعمه الكبير للدول العربية وخاصة الشقيقة مصر. بينما قال المحلل السياسي اللبناني جهاد الخازن، إن الملك سلمان سيواجه بعد فترة توليه الحكم مشكلة الإرهاب، نظرًا لأن هناك بعض الشباب السعودي يؤيد تنظيم داعش وجماعة فاحش، مؤكدًا أن السعودية والإمارات والكويت أصروا على عودة الدولة المصرية، ووقفوا بجانبها، مشيرًا إلى أن الدول الثلاث قدمت استثمارات وإلتزامات لمصر بالبلايين. من جهة أخرى، قال سامح عاشور، نقيب المحامين إن العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، كان فارسا عربيا بكل ما تحمل الكلمة من معاني، مؤكدًا أن سياسة المملكة العريبة السعودية تجاه مصر لن تتغير بوفاة الملك عبد الله. وكان العاهل السعودي الجديد الملك سلمان،وفي أول خطاب له كعاهل للسعودية والذي نقله التليفزيون الحكومي، تعهد بالحفاظ على نفس نهج أسلافه في قيادة أكبر مصدر للنفط في العالم ومهد الاسلام ودعا إلى الوحدة بين الدول العربية.، كما تعهد بالحفاظ على سياسات البلاد في مجالي الطاقة والشئون الخارجية.