صدرت حديثا للكاتب الصحفي محمد جاد هزاع – نائب رئيس التحرير بدار الجمهورية للصحافة ورئيس قسم التحليلات السياسية والشئون الإستراتيجية بالمساء - مجموعة إبداعية جديدة فى كتاب واحد أسماه ( العشق على طريقتي ) بين الدين المُنزَّل والدين المُبدَّل , فى نحو خمسمائة صفحة ,عن مكتبة مدبولي تضم أربعة أعمال مختلفة الشكل والمضمون ولكن يربطها رابط واحد هو إيمان الكاتب بأن ( سر العالم هو الحب والعشق والتعاون وليس الكراهية والعداء والصراع ) وحول أول مايلفت النظر على الغلاف عبارة ( سردية بلا تعريف ونصوص بلا تصنيف). ولا تخفي الروح الصوفية التي تتدفق بين سطور الكتاب فعن علاقة العشق بالدين سواء المنزل أو المبدل كما أسماه قال : الدين فى حقيقته علاقة حب بل عشق بين الله وجميع مخلوقاته حتى الكافر منهم والمشرك والملحد فهو لايحب صفات ما فيهم قد تتغير وأفعال تصدرعنهم يمكن أن تتبدل ولكنه لايكرههم أبدا. ويضيف: أتحدى أن يأتيني أي مَن كان بنص واحد فى القرآن مثلا يشير إلى أنه سبحانه وتعالى يكره شيئا من خلقه , ففعل كره ومشتقاته لم ترد فى الكتاب الكريم إلا مقيدة بصفة أو فعل , كما أنه تعالى لم يقل أبدا إن الله يكره ولكنه قال ( إن الله لايحب... ) وهناك فرق كبير بين الأسلوبين. فى سرديته بعنوان ( الضفة الأخرى ) ضمن المجموعة , يعرض الكاتب لتجربة إنسانية ربما تكون واقعية , تدور حول معنى يكاد يكون هو أساس المجموعة كلها مفاده ( أن الإنسان كائن روحي فى الأصل تلبس بالجسد مؤقتا وأنه منعتق منه يوما ليعود إلى سيرته الأولى ) و أن ( الدين علاقة التزامية بين العبد وربه وليست إلزامية ) تأكيدا على (حرية الإنسان ) فى إطار ما أعطاه ربه حيث مناط الحساب , إذ لايسأل عن مالم يعط , وهذا منتهى العدل , حيث يختار الإنسان مايشاء من وضعيات فى الدنيا والآخرة على السواء داخل دائرة ماهو له , أى ما آتاه ربه ( وكفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ويرتبط هذا المعنى بمعنى آخر لايقل أهمية وهو أن العالم كل لايتجزأ وان التعددات والتنوعات والتباينات وماشابه بين تفصيلاته ليست إلا ظهورات لنسب مختلفة من أسماء الله وصفاته بموجب أن ( المسمى والموصوف والمتجلي ) على خلقه واحد سبحانه وتعالى . أما المعنى الثالث وهو واحد من مميزات هذا التناول المختلف لثلاثية ( الإنسان والكون والله ) فهو أن الكل متصل وإن بدا منفصلا وأن هناك لغة كونيه تحقق هذا الإتصال يستحيل أن يدركها فضلا عن أن يتعامل بها هؤلاء الذين لايدركون الامور إلا بالقطاعى ولذلك فالمجموعة ذاخرة بمواقف ومخاطبات وحوارات بين الكل بما في ذلك الأحجار والاشجار والأطيار ومايُظَن أنه لايمكن التواصل معه ليس على سبيل المجاز ولكن على سبيل الحقيقة التى لايعرفها إلا من أسماهم الكاتب ب ( الكُليين ) – من كلمة كل بمعنى الجميع . يقول هزاع : الكل تجل لإله واحد يفهم عنه ويتلقى منه ويتواصل معه , كل بطريقته الخاصة التى قد لايفهمها البعض , فلكلٍ وحى منه وعبادة له , يوحى إلى الأرض وإلى النحل وأى أم موسي , ليس بالضرورة على طريقة الوحى الخاص بالأنبياء والمرسلين ولكنه وحى بنص القرآن , ويفهمون عنه بدرجات نسبية وبطرق مختلفة ويتواصلون معه فله يسجدون ويسبحون ويحمدون ومنه يخافون والقرآن شاهد على ذلك بلا تأويل ولايحزنون . لماذا لانتوقف عند قول خاتم الانبياء صلى الله عليه وسلم مثلا عن جبل ( أحد يحبنا ونحبه ) أو قوله صلى الله عليه وسلم ( أعرف حجراً كان يُسلِّم عليّ قبل البعثة ) أو عند هدهد سليمان ونملته وغيرهما , إن جهل الأغلبية باللغة الكونية الربانية لايعني أبدا أنها ليست موجوده , لقد أثبت العلم الحديث أن هناك لغة ما للتواصل بين مكونات الكون من الذرة للمجرة وأن العلاقة الحاكمة التي تمنع الكون من الاندثار والتحول إلى هباء هى الجاذبية بين أجزائه والإنجذاب نوع من الحب والعشق فى معناه الحقيقى الكوني الرباني . في ( فلما تجلى ... وهو يحاوره ) – العمل الثاني ضمن المجموعة – وهو عبارة عن محاورات شاعرية بين ( الشيخ ومريده ) يؤكد هزاع على المعاني السابقة أكثر من مرة وبأكثر من أسلوب ويناقش بالآية والحديث كثيرا جدا من القضايا والموضوعات بل الإشكاليات التى يختلف ويتقاتل الناس عليها منذ أمد بعيد وحتى الآن وربما فى المستقبل محاولا ان يجد لها حلاً من خلال ( السر) الذى يدور حوله من الألف إلى الياء وهو ( العشق ) بين الله ومخلوقاته من ناحية , وبين المخلوقات كلها بعضها بعضا من ناحية أخرى , إبتداءً من المطلق والمقيد والواحدية والتعدد والمقاصد الإلهية والمنح الربانية والمساواة والعدل و( أصول الدين المخفية )عمدا كالحق فى الحياة والحق في المعرفة والحق فى الاختيار والكرامة الانسانية وإنتهاء بتعامل الإنسان مع أشيائه الصغرى , مرورا بعلاقة المرأة بالرجل ومعنى ( الدرجة التى له عليها ) و ( القوامة ) و ( القتل على الهوية ) و ( البلاء والآلاء ) وغير ذلك مما يشغل بال الناس منذ قديم . "أنا لا ازعم انى أقدم حلولا جاهزة ونهائية لأي من القضايا والموضوعات والاشكاليات التى تعاملت معها فى هذه المجموعة ولكنى أؤكد أنني حاولت أن أتعامل معها جميعها ببساطة تبلغ حتى البدهى وتلمس الجذورالأولى , بعيدا عن الاجتهادات والممارسات البشرية الأخرى التى تقبل الخطأ والصواب ولكنهم حولوها إلى مقدسات فصارت هى الدين بينما توارى الدين الحقيقي خلفها ينتظر من يعيده الى الصدارة كرسالة حب وتلك فى إعتقادي هي مهمة كل إنسان ألزمه الله طائره فى عنقه , فالدين المنزل لايعرف رجل الدين ولا المؤسسة الدينية ولا الجماعة الدينية ولا الحزب الديني ولكنه يعرف بالتأكيد أن الإنسان خلقه الله فردا و أنه سيأتىه يوم القيامة فردا وسيحاسب فردا ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ), كل إنسان مسؤول عن موقفه الديني من نفسه وبالنسبة للكون وبالنسبة لخالق الكون"هكذا قال . مع ( وماينبغي له ) – منه , به , فيه – نصل إلى جوهرة التاج فى هذه المجموعة الإبداعية فعلا حيث يشمل العمل الثالث مجموعة مخاطبات كأنها الشعر , بين ما اسماه هزاع ب ( الروح الكلي ) الكوني وأحد تجلياته ( الإنسانية ) مشيرا إلى ان كلمة الروح لم ترد مرة واحدة فى القرآن الكريم مثناة أو جمعا لأنه روح واحد يتجلى فى بقية المخلوقات بنسب ما وبتنزلات ما , فيسمى أحيانا ( العقل الكلى ) وأحيانا ( القلب الكلي ) وأحيانا ( النفس الكلى ) وأحيانا ( الجسم الكلى ) ومنها فى القرآن ( خلقكم من نفس واحدة ) و ( ماخلقكم ولابعثكم إلا كنفس واحدة ) و (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) فتجليات هذا الروح الكلى تبدوا كأنها مختلفة ولذلك تُجمع كلها فى القرآن بعكس الروح . في هذه المخاطبات قد تكتشف أن الإنسان سيد العالم أو أنه والعالم كله ليس سوى هباء حيث لا وجود حقيقيا إلا لله باعتبار أن مايجتاج لغيره فى وجوده فهو ليس موجودا على الحقيقة وهو معنى قولوهم ( لا وجود إلا لله ) وفيها تعرف أن عملية الخلق مستمرة لا فى أفراد جديدة او أنواع جديدة وحسب بل فى الموجودات الآنية فعلا حيث لو توقف المدد الإلهى لها بالإيجاد لعادت لأصلها , العدم , فكل لحظة أن باعتبار ما خلق جديد . يختم مجموعته التي ربما تثير حوارات وجدالات كثيرة وكأنها حجر كبير إلقى فى بحيرة آسنة ملوثة , بالعمل الرابع وهو ( كأنه هو ...) – له , لي , لكم – وهو على وجه التقريب ديوان شعر من نوع خاص , نصوص أوقصائد تحوم حول مناطق خطيرة أو تدخلها كتلك التي حام حولها أو دخلها الكثيرون ممن اختلف حولهم الناس على مدار التاريخ كإبن الفارض والحلاج والسهروردى وغيرهم , اللغة بسيطة جداً ولكنها متفجرة جدا كذلك , معان تبدوا بكرا تماما وكلمات كأنها قذائف من نور .