أمين اتحاد الغرف التجارية: الوفرة والمنافسة تدفعان لاستقرار الأسعار.. وتوقعات بالانخفاض    وزيرة خارجية أستراليا ترحب بإلغاء الرسوم الجمركية الأمريكية على لحوم البقر    سفير مصر بروما: نفاد أكثر من 60 ألف تذكرة لمعرض كنوز الفراعنة بالقصر الرئاسي الإيطالي    أسعار الدواجن والبيض في الأسواق اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    وزير الاستثمار: نستهدف مضاعفة صادرات الملابس المصرية 3 مرات بحلول 2030    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    حبس المتهم بسرقة المتاجر في النزهة    رئيس قصور الثقافة يتابع حالة طلاب أسوان المصابين في حادث طريق إسنا    رئيس هيئة قصور الثقافة يزور الطلاب المصابين في حادث طريق إسنا بمستشفى طيبة (صور)    وزير الصحة ينفي شائعات نقص الأنسولين: لدينا 3 مصانع واحتياطي استراتيجي يكفي 4 أشهر    رئيس قناة السويس: ارتفاع العائدات 20%.. وتوقعات بقفزة 50% في 2026    طقس خريفي مستقر وتحذيرات من الشبورة الكثيفة صباحًا.. الأرصاد تعلن تفاصيل حالة الجو الأحد 16 نوفمبر 2025    غرق 4 وفقد آخرين في انقلاب قاربين يقلان مهاجرين غير شرعيين قبالة سواحل ليبيا    كمال درويش يروي قصة مؤثرة عن محمد صبري قبل رحيله بساعات    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    "دولة التلاوة".. برنامج قرآني يتصدر الترند ويُحيي أصالة الصوت المصري    آدم صبري: "والدي قالي قبل الوفاة خلي بالك من إخواتك أنا مش هفضل عايش"    وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية تستضيف وفدًا من قيادات مجموعة ستاندرد بنك    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    الاحتلال الإسرائيلي يحدد موعد لمحاكمة إمام الأقصى بتهمة التحريض على الإرهاب    دعاية يتبناها الأذرع: "أوبزرفر" و"بي بي سي" و"فورين بوليسي" نماذج لإعلام "إخواني" يهاجم تدخل الإمارات في السودان!    الدفاع الروسية: إسقاط 36 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق    البنك الأهلي المصري يقود تحالفاً مصرفياً لتمويل «مشارق للاستثمار العقاري» بمليار جنيه    الداخلية تضبط المتهمين بسرقة أبواب حديدية بإحدى المقابر بالشرقية    القبض على أبطال فيديو الاعتداء على شاب ب"الشوم" في المنيا    أسفرت عن إصابة 4 أشخاص.. حبس طرفي مشاجرة في كرداسة    بدون إصابات.. السيطرة على حريق في برج سكني بفيصل    قائمة أكبر المتاجر المشاركة في البلاك فرايداي وأسعار لا تُفوَّت    أهلي جدة يبدأ خطوات الحفاظ على ميندي وتجديد العقد    فيران توريس بعد دخوله نادي العظماء: الطموح لا يتوقف مع الماتادور    ليفربول يحسم موقفه النهائي من بيع سوبوسلاي    آسر محمد صبري: والدي جعلني أعشق الزمالك.. وشيكابالا مثلي الأعلى    عمرو أديب بعد حادث أحمد سعد: واخد عين.. حوادثنا قاتلة رغم الطفرة غير الطبيعية في الطرق    المستشار ضياء الغمرى يحتفل بحفل زفاف نجله محمد علي الدكتورة ندى    العرض العربي الأول لفيلم "كان ياما كان في غزة" فى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    تريزيجيه: الأهلي سألني عن بنشرقي.. وهذا ما دار بيني وبين زيزو قبل مواجهة الزمالك    "ضد الإبادة".. ظهور حمدان والنبريص والدباغ في خسارة فلسطين أمام الباسك    إيران تحذر من تداعيات التحركات العسكرية الأمريكية في منطقة الكاريبي    رئيس الوزراء المجرى: على أوروبا أن تقترح نظاما أمنيا جديدا على روسيا    فوري تعلن نتائج مالية قياسية للأشهر التسعة الأولى من 2025    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. إسرائيل: لا إعادة إعمار لقطاع غزة قبل نزع سلاح حماس.. قتلى وجرحى فى انزلاق أرضى فى جاوة الوسطى بإندونيسيا.. الجيش السودانى يسيطر على منطقتين فى شمال كردفان    تساقط أمطار خفيفة وانتشار السحب المنخفضة بمنطقة كرموز في الإسكندرية    اختتام المؤتمر العالمي للسكان.. وزير الصحة يعلن التوصيات ويحدد موعد النسخة الرابعة    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مؤتمر السكان والتنمية.. وزير الصحة يشهد إطلاق الأدلة الإرشادية لمنظومة الترصد المبني على الحدث    مؤتمر جماهيري حاشد ل"الجبهة الوطنية " غدا بستاد القاهرة لدعم مرشحيه بانتخابات النواب    (كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا) موضوع خطبة الجمعة المقبلة    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    دعت لضرورة تنوع مصادر التمويل، دراسة تكشف تكاليف تشغيل الجامعات التكنولوجية    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صوفية عبد المنعم عواد يوسف
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 09 - 2010

لم يترك لنا الموت فرصة لالتقاط الأنفاس، الأسبوع الماضي فقدنا الشاعر عبد المنعم عواد يوسف الذي يعتبر أحد مؤسسي شعر التفعيلة بالشعر العربي المعاصر، حيث تميزت حياته الشعرية بالتطور وتعدد المراحل الفنية. وعبد المنعم عواد يوسف من مواليد 1933 بمحافظة القليوبية، حصل علي ليسانس الآداب من جامعة القاهرة 1957، ودبلوم في الدراسات العليا 1964 وعمل مدرساً للغة العربية في القاهرة. أصدر أكثر من عشرة دواوين شعرية منها "عناق الشمس" 1966، "أغنيات طائر غريب" 1972، "الشيخ نصر الدين والحب والسلام" 1974، "للحب أغني" 1976، "الضياع في المدن المزدحمة" 1980، "هكذا غني السندباد" 1983، "بيني وبين البحر" 1985، "كما يموت الناس مات" 1995، "المرايا والوجوه" 1999، كما كتب للأطفال "عيون الفجر" 1990.
هنا يبحث د.عبد الناصر حسن في الملامح الصوفية في شعر عبد المنعم عواد يوسف.
لقد نجح عدد من رواد شعر التفعيلة في صناعة رموز شخصية خاصة بهم تعبر عن موقفهم من الحياة والوجود علي الصعيد السياسي والاجتماعي ، والعرفاني أيضا.
وإذا كان كل هؤلاء الشعراء قد أفلحوا في صناعة رموز شخصية خاصة بهم فإن الشاعر عبد المنعم عواد يوسف كان ممن له فضل السبق والريادة في صنع مثل هذه الشخصيات.
وربما يعد الشيخ "نصر الدين" من أبرز الرموز الشخصية التي نجدها في شعر عبد المنعم عواد يوسف.
وفي قرائتنا لديوانه: "الشيخ نصر الدين: والحب والسلام والأمل" نستطيع أن نتلمس كيف استطاع الشاعر أن يصنع هذا الرمز صناعة فنية خالصة تنسب إليه. ومع تتبعنا لتحولات الشيخ نصر الدين في الديوان نكتشف أسرار ابتكار هذه الشخصية ومصادرها عند الشاعر.
وفي تصوري أن الشاعر استقي روح هذه الشخصية من مصدرين أساسيين: الأول مصدر تراثي متمثل في صورة القطب الصوفي في التراث الشعري والأدبي العربي الإسلامي حين جعل من هذه الشخصية المصنوعة صورة تماثل أو تكافئ صورا عديدة تراثية نستطيع أن نلمسها في شخصيات مثل: الحلاج وابن عربي والسهروردي وابن الفارض وغيرهم. وقد استفاد في ذلك من قراءته للفلسفة الإسلامية والتراث العربي في أثناء دراسته بالمرحلة الجامعية.
أما الرافد الآخر فهو رافد محلي استشفه الشاعر من بيئته الريفية في صورة الولي وصفاته وكراماته ومعجزاته في جو كله هوس بالموالد والذكري السنوية للأولياء والمشايخ وعروض الفرق الصوفية، وربما ساعد علي استكمال هذه الصورة عند الشاعر صورة جده لأمه الشيخ محمد منصور، وكان عالما مجددا ومتفتحا من تلاميذ الشيخ محمد عبده المقربين.
كما كان لوالده دور آخر حيث كان وكيلا لإحدي الطرق الصوفية المعروفة هي الطريقة الرفاعية بالبلدة.
وربما نستطيع أن نجد التأثر بكبار الصوفية في تراثنا الأدبي في بعض عناصر الكتابة مثل الحوارات في قوله من قصيدة: "عود إلي كتاب الشيخ نصر":
وقال لي "نسيت"../فقلت.. سيدي الجليل، ما نسيت..
ومثل قوله:
سألت سيدي:/هل منتهي الحياة مبتداها؟/أجابني../ بل مبتدي الحياة منتهاها.
إن مثل هذه الحوارات السابقة تذكرنا بمواقف النفري المختلفة مثل:
وقال لي: "من عرف الحجاب أشرف علي الكشف".
ونستطيع كذلك أن نلمح صورة الولي في كراماته أو معجزاته عبر قول الشاعر:
لمحته يسير في المساء /بسمته المهيب../ونظرتاه مدتا ضياء../ومن وراءه ينور الصليب
وحيث سار غنت الطيور/وطأطأت ذوائب الشجر/وشاع صوته العميق /كأنه نغم
لقد جمع الشاعر بين الرافدين: التراثي والمحلي ليضع من خلالهما شخصية ذات أبعاد مركبة تجمع بين فلسفة القطب الصوفي بثقافته الواسعة، وبين صورة الولي البسيط التي تحققت في أمرين: الأول صورة هذا الولي الشعبي الخارق بكل أبعادها متمثلة في عمل الخير الذي يقترن في أغلب الأحيان بالبطولة، والأخري تحقق المعجزات علي يديه التي تسهم السماء في إعانته عليها".
ولقد اتخذت الشخصية في جزء من تحولاتها أبعادا لاهوتية بحيث تتجه نحو صورة تتلبث بالأمل في خلق مسيح هذا العالم الجديد الذي يدعو إلي السلام والمحبة، تلك هي صورة الشيخ نصر الدين.
إن عنوان الديوان يتمثل هذا التصور في الدعوة إلي الحب والسلام والأمل في غد مشرق للبشرية جمعاء: "الشيخ نصر الدين والحب والسلام.. والأمل".
ولقد كان هم عبد المنعم عواد يوسف شأن أقرانه من رواد التفعيلة في ذلك الوقت إيجاد أسلوب شعري جديد يعبر من خلاله عن واقع معقد فلم يجد هو وأبناء جيله سوي الأسطورة والقناع والرموز الشخصية.
ولقد اختار عبد المنعم أن يصنع رمزا شخصيا يجسد من خلاله همومه وآماله وآراءه المختلفة حول الواقع المعاصر. حاول الشاعر من خلال رمزه "الشيخ نصر الدين" أن يوفق بين ما يموت وما لا يموت، بين المتناهي والخالد، بين الحاضر وتجاوز الحاضر بين الذي يأتي ولا يأتي.
وربما كانت صورة الشيخ نصر الدين من أهم الرموز التي أسعفت الشاعر في رسم هذه التركيبة المعقدة في الجمع بين المتناقضات.
حيث يطالعنا الشيخ نصر الدين في هذا الديوان وكأنه مهدي هذا الزمان المُنتظَر، إنها شخصية رمزية وحالة نفسية مركبة يتلقاها المريد أو المستمع متأبية علي التجسد بشكل نهائي في صورة نهائية.
إن عنوان القصيدة الأولي وهي مفتتح الديوان: "لقاء في فصل لم يولد بعد في انتظار الشيخ نصر الدين" يشي بفكرة من يأتي ولا يأتي, هذه الروح التي تجمع بين المتناقضات وتوفق بينها، فيما هي تؤسس لإضفاء تلك الروح العرفانية الرمزية منذ البداية.
وإذا كان الشاعر يطرح في البداية الإيمان بفكرة عودة الراحلين وجوبيا:
الراحلين يرجعون ذات يوم/مهما نأت مسافة الزمان/مهما تباعد.
فإن هذا الاعتقاد سرعان ما يتبدد حين تمر الفصول الأربعة المتعاقبة في انتظار عودة الشيخ لكنه يفاجيء الشاعر باللاعودة.
وعلي الرغم من تأكد الشاعر من فقدان الأمل في عودته إلا أنه يظل متمسكا بأمل يقيني حتمي في لقاء جديد ربما في فصل من فصول العام لم يولد بعد وسيكون الفصل الخامس:
لكنني مازلت أنتظر/لم يأفل الأمل/لأننا حتما سنلتقي/أجل سنلتقي/في خامس الفصول
فهل تري انتظارنا يطول ؟
وكما أن أقطاب التصوف لهم كتب ذات أبعاد إشراقية حول الوقفات والأحوال والمواجيد مثل "الفتوحات المكية" لابن عربي، والمواقف والمخاطبات للنفري فإن للشيخ نصر الدين كتابا وحكما يبثها عبر ثنائيات وخماسيات تظهر في عناوين بعض القصائد مثل ثنائيات الشيخ نصر الدين عودة إلي كتاب الشيخ نصر الدين من كلمات الشيخ نصر الدين من خماسيات الشيخ نصر الدين وقبل كل ذلك: طواف في كتاب الشيخ نصر الدين الذي يجريه الشاعر علي لسان الشيخ في مفتتح الكتاب ما يجسد حياة القطب وصفاته في احتواء المريدين واستيعاب عابري السبيل والغرباء عن أنفسهم، يظل بابه مفتوحا أبدا للجميع، يقول تحت العنوان الفرعي الأول من القصيدة: "الباب المفتوح" وتنفتح رؤية العنوان هنا علي أن الباب المفتوح أيضا هو باب الله:
وخيمتي نصبتها علي الطريق/فتحت بابها لعابري السبيل/من يدخل الباب يجد عندي الأمان/من يدخل الباب يجد كل الحنان/فها هنا جميع ما تريد.
إن هذه الروح المستوعبة الفياضة بالحنين والاحتواء ربما تذكرنا بقول المسيح عليه السلام وهو الوجه الآخر للشيخ نصر الدين علي ما نري في هذه الدراسة قوله: "تعالي إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم لأن نيري هين وحملي خفيف". إنجيل متي، الإصحاح 11.
ينتقل الشاعر بنا إلي وصف كتاب الشيخ الذي يتضمن أسرارا عجيبة ترشد الحائرين والتائهين، وتكشف لمن يصل إلي سرها العميق ظلمات الجهل والتشتت:
يا قارئ الكتاب/بحق سره العجيب/أن تجعل الكتاب يرتوي فإنه يموت/كزهرة تموت
إن لم يكن من فيضه نصيب /كل حائر طريد/لكل من يريد يا روعة الكتاب/مداده نضار
آياته مكتوبة بخالص الذهب/وفي رموزها تحار/مدارك البشر/ويعظم العجب
لكن من يصل لسرها العميق لا يضل/ويقبس الضياء من خلال حلكة الظلام.
والظلام هنا هو عالم الظلمات، وتطلق علي العلم الحسِّي أي الموضوعات والأشياء التي تعلم عن طريق العقل والنظر فيكون الإنسان مهددا بها مرتبطا بأفكارها.
وإذا كانت الظلمة والظلام هنا هي حدود العالم الدنيوي يستفيد منها الإنسان في الدنيا فقط، ولكن عندما تشفف روحه تلقي إليه المعارف والحقائق فينتقل من الظلمة إلي النور أو من العلم إلي المعرفة أو من الكسب إلي الوهب.
وفي المقابل يقصد بالنور اليقين بالحق والهدي، واطمئنان القلوب به، ويذكر النور دائما بضده وهي الظلمات التي يراد بها الشكوك والشبهات، كما يفسر النور بالإيمان، والظلمات بأنواع الشرك، كذلك يرمز بالنور للمعارف والحقائق التي تجلب اليقين والكتاب السماوي.
وربما يعكس كلام الشيخ نصر الدين نوعا من التناص مع الآية الكريمة:
"وما يستوي الأعمي والبصير وما تستوي الظلمات ولا النور". فاطر 19، 20.
أما المحور الثاني في هذه القصيدة فيعرض علينا الشيخ تحت عنوان "آيات في الحب" فكرته حول حب كوني يتسع لكل الخلق والمخلوقات، وعبر أسطر شعرية متلاحقة حاسمة يجسد هذا التصور العرفاني الكوني للحب:
من حاز مشروع الصفاء لا يناله العدم/هل يجهل الطريق للحبيب غير أعمي
ومن يضل سكة الحبيب لا يصل/من جاب دربنا الوديع فليقل سلام
ومن أراد أن يطوف فليودع المنام/لنتخذ من القلوب معبرا لعالم وضيء
ولنطعم الزهور حبنا البريء/ولنلتمس بالحب ما نروم/وغاية المرام/أن يزهر الغرام
ويلعب الأطفال في حدائق السلام.
إنه دين الحب الذي أراد الشيخ نصر الدين أن ينشره بين ربوع العالم، لطالما اشتاق الشيخ وكل المحبين أن يتحقق هذا الحلم الذي نعيش لنرتوي من ينبوعه ويأتي المحور الأخير مجسدا هذا الاشتياق تحت عنوان مناسب (ظمأ).
وعلي الرغم من قدم هذا الاشتياق وذلك الظمأ (ألف عام) فإن الشاعر يتعجب كيف لم يتحقق الحب الكوني والسلام الشامل عبر هذا الكتاب:
ويزعمون أن ذلك الكتاب/قد عاش ألف عام./وتدهشون/وكيف لم يحقق المرام/فيزهر الغرام
ويلعب الأطفال في حدائق السلام/ويمنح الشفاء للعليل/ويمنح الثراء للعديم/والحب لليتيم
الكل عن رموزه عمي /لم يرتو الكتاب بعد
ولم يزل هناك.
لقد أراد عبد المنعم عواد يوسف أو الشيخ نصر الدين أن تكرس الإنسانية لنشر ثقافة الحب بمعناه العام الذي لا يفرق بين الأجناس أو الألوان إنه الأصل الذي "تستند إليه كل الأديان والمعتقدات هو أصل العلاقة بين "الحق" الخالق "والخلق" المخلوق، وهي علاقة "الحب" في البدء كان "الحب" تماما مثلما تصورها ابن عربي القطب الصوفي المعروف الذي كان يميز فلسفيا بين مفهوم "الدين الإلهي" الواحد وبين "أديان المعتقدات" الكثيرة وذلك في فصوص الحكم.
ومن هذه العلاقة بين الخصوصية والعمومية ينبثق نموذج الحب الكوني عند الشيخ نصر الدين الذي تطلعنا نهاية القصيدة أنه لم يقنط من بزوغ الأمل في انتشار الحب والرحمة والعدل والسلام في ربوع الكون في عصر آخر وفي ميلاد جديد يظل الشيخ علي يقين من تحققه مهما طال الزمان:
ولم يزل هناك شيخنا الأمين/الشيخ نصر الدين/في قبره البعيد/وروحه التي لم تعرف القرار.
لأنها تجدد المزار/لكل من يطالع الكتاب./فربما يصل/ويبزغ الأمل./وعندها يعود
لقبرها البعيد/فتخبر الأمين/الشيخ نصر الدين/بأن في الوجود حب/ورحمة وعدل
وأنه قد رفرف السلام/فعندها ينام/لأنه قد حقق المرام.
وفي قصيدة "طوبي لصانعي السلام" ومنذ العنوان تتماهي صورة الشيخ نصر الدين في تحول من تحولاتها بصورة المسيح عليه السلام سواء في هذا التركيب اللغوي الذي تكرر في بنية النص ثلاث مرات بشكل محوري في مفتتح القصيدة وفي وسطها وفي نهايتها والكلمة قد تعني السعادة، وربما إحدي وديان الجنة كما جاء عند بعض المجتهدين. لكن المهم أن مثل هذا اللفظ له دلالات دينية مسيحية تظلله ففي العهد القديم علي سبيل المثال:
"طوبي للمساكين بالروح لأنهم ملكوت السماوات، طوبي للحزاني لأنهم تعزّون، طوبي للرحماء لأنهم يرحمون، طوبي للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله.. ".
كما يتردد اللفظ: "المجد" في قول عبد المنعم عواد يوسف تصديرا لكل مقطع من مقاطع القصيدة في قوله: "المجد للإله في السماء" وهي تقابل اشتقاقات مادة (مجد) في العهد القديم كما وردت في أكثر من سياق لتمجيد الذات الإلهية في مثل: "السموات تحدَّث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه" وفي العهد الجديد: "ولا تدخلنا في تجربة. لكن نجنا من الشرير، لأن لك الملك والقوة والمجد إلي الأبد".
نلاحظ في كل مرة يكرر الشاعر فيها الجملة السابقة: "المجد للإله في السماء" يعقبها أمنية يطرحها الشيخ نصر الدين في خطاب يوجهه لجميع البشر دون أن يفرق بين أجناسهم أو ألوانهم أو عقائدهم إنه يخاطب إنسان هذا العصر في عموميته.
والأمنيات عقب السطر الشعري السابق تكون في المقاطع علي الترتيب الآتي:
ق1المجد للإله في السماء/والأرض للذين يعشقون/وينثرون الحب حيث يخطرون
ق2المجد للإله في السماء/والنصر للبشر/المجد للإله في السماء/والفرح للأطفال في الحياة
ق4المجد للإله في السماء/والنور للجميع في الوجود
ق5والنور للذين يصنعون/الحب والسلام
ق6والأرض للذين يعشقون/وينثرون الحب حيث يخطرون.
نلاحظ أن الخطاب الشعري ليس موجها إلي فئة بعينها من البشر حيث يتسم الخطاب بالعمومية التي تجسد الإنسان بما هو إنسان، الإنسان الذي يعشق الأرض وينثر الحب حيث يخطر، والنصر للبشر والفرح للأطفال والنور للجميع.
هؤلاء جميعا من يري فيهم الشاعر حق استخلاف الله لهم علي الأرض لإعمارها.
إن دعوة الحب والسلام هي دعوة الشيخ نصر الدين مسيح هذا العالم الجديد الذي جاء يبشر بالحب والسلام، يغيب ويظهر ولكنه أبدا حاضر:
وغاب في الشعاع/كأنه ما كان/ولم يزل علي الأفق/ينور الصليب
يعانق الوجود، في حنان.
حتي في ليلة الميلاد حيث الصخب والأضواء ومرح الأطفال/يلوح طيف حزن
ولم يزل بسمته المهيب/يرن صوته العميق/كأنه نغم/المجد للإله في السماء
والأرض للذين يعشقون/وينثرون الحب حيث يخطرون
طوبي لصانعي السلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.