لئن تعددت المحاولات الغربية لأنهاء الازمة بين روسيا و اوكرانيا ، فهذه المحاولات "غير البريئة" لم تجد نفعا، و لم تزد الوضع الا تعقيدا ، و غلب السلوك المتوتر على المنطق العقلاني، فباتت المنافع هي العليا و صار التوتر سيد الميدان. ان الدول الغربية لم تنجح في احتواء الازمة الروسية الاوكرانية على الرغم من تعدد وساطاتها و اجتماعاتها وندواتها، و رغم ابرام معاهدة عدم الاعتداء بين الطرفين فان الصراع ظل قائما بين الاخوة الاعداء و فتيل الحرب لم يطفا بعد مما دفع الغرب الى مساومة روسيا حينا و تهديها بمزيد العقوبات الاقتصادية و العزلة. فلماذا لم ينصع الروس لمطالب الغرب ولم يعبؤوا بتهديداته المتتالية؟ لقد احتل هتلر سنة 1941 مساحات شاسعة من الاتحاد السوفييتي (جزر البلطيق، روسيا البيضاء و جزء كبير من اكرانيا) فهل يعيد التاريخ نفسه و تحتل اكرانيا من جديد من قبل الغرب؟ ان اثر تفكك الاتحاد السوفيتي لازال عالقا بعقول الشعب الروسي عموما و بعقل بوتين خصوصا، هذا الذي سعى الى انشاء الاتحاد الروسي بانضمام روسيا البيضاء و جورجيا... فهل من اليسير عليه اليوم ان يتخلى عن اوكرانيا بكل سهولة و دون مقاومة . لقد فقدت روسيا جلّ حلفائها فخسرت العراق و هي الان على وشك ان تفقد سوريا، فتفقد بذلك كل نفوذ لها بالشرق الاوسط و الخليج، و اضاعت ليبيا بعن ان افتكها الغرب منها، اما ايران فهي على وشك ابرام تفاهمات مع دول الغرب التي تحاول استمالتها الى صفها للاستفادة منها اقتصاديا و استيراد نفطها و غازها بديل للنفط و الغاز الروسي و انهاء التهديد العسكري لإسرائيل ... ان روسيا و لاشك انها استوعبت الدرس و يتجلى ذلك خصوصا في التنسيق بينها و الجانب الايراني تجاه المفاوضات الجارية بين طهران و الغرب. فروسيا تساند ايران في حقوقها المشروعة و تدعهما في مطالبها و تخفف عنها من وطاة العقوبات المفروضة عليها. ان روسيا تستورد النفط الايراني مقابل الحبوب و بعض المعدات التي تحتاجها حليفتها و ذلك لكسر الحصار الاقتصادي على طهران من ناحية و توفير احتياجاتها الضرورية من ناحية اخرى، اضف الى ذلك فهي تمنع الغرب من ابتزازها او استيعابها. ان المصلحة الروسية تلزمها بعدم تقديم تنازلات جديدة، فهي لن تقبل ان تضحى "بحليفها الاستراتيجي" ايران لان الغرب يناور من اجل كسبها الى صفه على غرار اكرانيا ، للاستفادة من مواردها الضخمة و من نفوذها في المنطقة. ان الموقف السلبي لروسيا تجاه حلفائها عند الازمات على غرار العراق في حرب الخليج، و ليبيا ايام الثورة و تهاونها في الحرب الدائرة في سوريا و غيرها، جعل منها بلدا يعاب عليه سلبه اكثر من ايجابه هذا ما اوحى لحلفائها ضرورة مراجعة علاقاتها معها او قل التفكير في التعويل على حليف قوي و اهل ثقة يعتمد عليه. فهل تستطيع روسيا المحافظة على ما بقي لها من "حلفاء"' ام ان ماكينة الغرب قد اتت على كل شيء و اصبح الروس مهددين في عقر دراهم؟ و ما هو البديل لروسيا، التي تسير شيئا فشيئا نحو خسارة حلفائها و فقدان نفوذها في العالم، لتحقيق التوازن العالمي المنشود؟ ان زمن الكيانات الصغرى قد انتهى ، فالولايات المتحدةالامريكية و على عظمتها تحاول دوما وضع موطئ قدم لها في كل ارجاء الارض من خلال مواصلة امتدادها و جمع المزيد من الحلفاء و المؤيدين لسياستها. فهل باستطاعة روسيا ان تنحو هذا المنحى لتؤسس كيانا قويا يخرجها من عزلتها و يرجع لها هيبتها و نفوذها؟ المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية