.. فلما انتصف العام الثالث ل "هوجة يناير"، اقتيد مئات الشباب مكبلين بالأصفاد إلى قفص المحاكمة، بينما وقف المدعون بالحق المدني أمام هيئة المحكمة يعددون الجرائم التي ارتكبوها بحق مصر، مطالبين بإنزال أشد العقوبات عليهم جراء ما اقترفت أياديهم. قال كبير المدعين، وهو يوجه سبابته باتجاه الواقفين في القفص: "سيدي الرئيس.. لقد تسبب هؤلاء في كارثة لهذا الوطن العظيم، كارثة يدفع المواطن البسيط ثمنها حتى اليوم من دمه ورزقه وأمنه، ومنهم أيضًا من تطاول - سيدي الرئيس - على السلطة الشرعية ورمزها، دون أن يردعهم خُلق أو يمنعهم قانون "، ثم صمت الرجل برهة، عاد بعدها بصوت أكثر حدة: تصور - سيادة الرئيس، أنهم ظنوا أن هذا البلد سيتحول ساحة لتطبيق أفكارهم الشاذة الشريرة، لمجرد أن السلطة امتنعت عن مواجهتهم بما يستحقون. و بلغة دمج فيها بين آيات من القرآن الكريم وأبيات شعر لشوقي وحافظ، تحدث كبير المدعين طويلا عن تفاصيل المؤامرة التي أسموها "ثورة"، وكذلك الأضرار الفادحة التي لحقت بالوطن جراءها، فلما استعجله القاضي لعرض مطالبه، رد عليه: "لا شيء يرضينا غير الإعدام للجميع". أما ممثل الإدعاء العام ( النيابة )، فأخرج كما كبيرا من المستندات المطبوع عليها خاتم "سري جدا"، ومعها عشرات الأقراص المدمجة التي تدفقت عليه من كافة أجهزة الدولة، ثم قال بلهجة واثقة:" سيدي الرئيس: هذه الأدلة تغنيني عن الحديث، وفيها ما يكفي عدالتكم للنطق بحكم الإعدام على هؤلاء الأراذل الذين تجرأوا على أسيادهم ووضعوا هذا البلد الطيب في محنة لم يمر بها عبر تاريخه.. سيدي الرئيس: تعلم يقينا ما جري، فقد أوغلوا في جريمتهم، وظنوا أن مصر ستؤول إليهم باسم ثورتهم الكاذبة، وهاهم يقفون أمامك وبصمات العار سافرة على جباههم العميلة، فلا تأخذكم بهم رحمة أو شفقة". تقول كتب التاريخ التي سيدونها جيل قادم، إن القاضي نظر طويلا في وجوه الشباب المتهمين، حتى استقرت عيناه على أحدهم فباغته بالسؤال: "ما قولك فيما هو منسوب إليك"، فما كان من "المتهم الوغد" إلا أن قال ودموع الندم تترقرق على حافة عينيه: "حلمت، وبعض الحلم إثم، بأن هذا الوطن يستحق حرية تليق بشعبه العظيم، غير أنني اكتشفت - بوجودك سيدي في الحياة - بأني حلمي لم يكن إلا خرافة تبددت على عتبات عدلكم". خلت القاعة يومها من ممثلي الدفاع، ومع ذلك هتف الحضور مع الإعلان عن الحكم بحق المتهمين: يحيا العدل ! من المشهد الأسبوعي غدا مع الباعة