سعر الذهب اليوم الثلاثاء 23-9-2025 بعد الارتفاع الكبير بالصاغة.. عيار 21 الآن بالمصنعية    وزير خارجية ألمانيا: سكان غزة يعيشون جحيما على الأرض    فون دير لاين: الاتحاد الأوروبي سيشكل مجموعة مانحة لإعادة إعمار غزة    أجواء خريفية الآن.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    أسعار الخضروات والفاكهة والأسماك والدواجن واللحوم.. الثلاثاء 23 سبتمبر    بكام الفراخ النهارده؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق وبورصة الشرقية الثلاثاء 23-9-2025    «معلومات الوزراء» يستعرض واقع الصناعة الذكية وتطورها محليًّا ودوليًّا    السعودية تشيد بقرار ماكرون الاعتراف بدولة فلسطينية وتدعو دول العالم لخطوة مماثلة    «خط أحمر».. البيان الختامي ل «مؤتمر نيويورك» يحذر إسرائيل من أي محاولة لضم أراضٍ فلسطينية    عاجل| رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة: خطوات لا رجعة عنها نحو حل الدولتين    اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية.. خطوة تاريخية نحو كسر الجمود السياسي    ميسي يهنئ ديمبيلي بعد الفوز بالكرة الذهبية 2025    الانتركونتيننتال|بيراميدز يواجه أهلي جدة السعودي اليوم على لقب كأس القارات الثلاثة بجدة    نهاية أكتوبر | رسميا..الأهلي يعلن موعد انتخابات مجلس الإدارة    رونالدو وفيليكس يقودان النصر أمام جدة في كأس الملك    سميح ساويرس: سيارتي في مصر منذ 15 عاما.. وشراء أحدث موديل يُؤنب ضميري لأنها فلوس في الهواء    حجز "مستريح السيارات" بحدائق القبة بعد استيلائه على 50 مليون جنيه من المواطنين    بعد البيانو.. سميح ساويرس يكشف عن حلمه الجديد: أستعد لإخراج أول أفلامي.. وهذه نصيحي للشباب    محمود حمدان يتألق في مهرجان الفضائيات العربية ويظفر بلقب أفضل مؤلف    منهم روجينا وصابرين والعوضي، القائمة الكاملة لتكريمات مهرجان الفضائيات العربية (صور)    رئيس برشلونة يكشف لحظات التوتر قبل إعلان جائزة أفضل لاعب    كارني: لا أوهام حول تأثير الاعتراف بدولة فلسطين    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخر إثر إصطدام ثلاثة سيارات بالطريق الزراعي بالبحيرة    سميح ساويرس يروي تجربته في تعلم الموسيقى: بحثت عن حاجة مجنونة وأنا في عمر ال59.. وثلاثة أشياء ندمت عليها    داخل منزله.. أول صور ل علاء عبد الفتاح بعد العفو الرئاسي    الداخلية تكشف ملابسات صورة جرافيتي على مبنى محافظة الدقهلية    نجلاء بدر: تصوير مشهد جريمة القتل في «أزمة ثقة» كان الأصعب    وزير الزراعة: إحنا مسرفين في استهلاكنا.. لما بنسافر برا بنشتري برتقالة أو 2 مش 3 كيلو    رابط التقديم على أراضي الإسكان الأكثر تميزا (مسكن)    قصة إجبار طلاب إحدى مدارس الجيزة على توقيع إقرار بسداد المصروفات الدراسية    وزير الزراعة: وضعنا خريطة سمادية جديدة لترشيد الاستهلاك.. و95% من المزارعين تسلموا حصصهم    حلم ليس بعيد المنال، 10 عادات غذائية تساعدك على إنقاص الوزن بدون حرمان    بدء الدراسة في مراكز «الأسرة والطفولة» بقرى «حياة كريمة» ب9 محافظات    لاعب غزل المحلة يغادر المستشفى بعد الاطمئنان على حالته الصحية    مدرب فاركو: حققنا تعادلاً مستحقاً أمام المصري.. وتأثرنا برحيل 14 لاعباً    الزمالك يسعى للاستمرار في المنافسة على حساب «الجونة»    فرصة لتحقيق دخل إضافي.. حظ برج الدلو اليوم 23 سبتمبر    عليك مكافأة نفسك.. حظ برج الجدي اليوم 23 سبتمبر    خرّجت مشاهير.. 16 معلومة عن المدرسة السعيدية بعد فيديوهات الشرطة المدرسية    آمنة على أطفالك.. استشاري تغذية يوصي باستخدام «لانش بوكس» من هذا النوع    بعد وصول سعر الكيلو ل25 جنيهًا.. 6 بدائل رخصية ل الطماطم موجودة في كل مطبخ    أكبر مشكلة تؤثر على تركيز الأطفال.. خبيرة تكشف تأثير ال «ريلز» على المخ    الداخلية تضبط شبكة تمارس أعمالًا منافية للآداب عبر تطبيق هاتفي في الإسكندرية    الاعتداء على باسم عودة وتدوير "أبو الفتوح" ونائبه بالتزامن مع قرار العفو عن "عبدالفتاح"    من أبرز وجوه ثورة يناير ..العفو عن علاء عبد الفتاح.. انفراجة سياسية أم استثناء مفروض بضغوط غربية؟    نابولي يعزز صدارته للدوري الإيطالي بفوز صعب على بيسا    بالصور.. ختام أولمبياد الشركات ببورسعيد بمشاركة 23 ألف رياضي    الداخلية توضح حقيقة صورة جرافيتي متداولة في الدقهلية عبر مواقع التواصل    مستشفى مبرة المعادي ينجح في علاج ثقب بالقلب باستخدام تقنية التدخل المحدود    نسرين عكاشة: والدى لم يكن ضد السادات لكن كان هناك اختلافات في بعض الأفكار    مصرع 3 عناصر إجرامية في مداهمة أمنية بالبحيرة    ما هي صلاة الغفلة وكيفية أدائها؟.. أمينة الفتوى تجيب (قيديو)    البحوث الإسلامية: الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تجديد الصلة بالنبي    من هم ال70 ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟.. الشيخ رمضان عبد المعز يوضح    مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 22 سبتمبر في بني سويف    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 22سبتمبر 2025    "طلاب من أجل مصر" ترحب بدفعة طب الجديدة بجامعة بورسعيد الأهلية (صور)    5 خطوات لتسجيل طلاب الثانوية الأزهرية بتنسيق التعليم العالي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب السودان ونذر الفوضى الإقليمية
نشر في المشهد يوم 13 - 08 - 2011

من المتوقع أن يكون لانفصال الجنوب السودانى تداعيات متباينة– أغلبها سلبى- على الأوضاع فى دول الجوار الجغرافى والإقليمى بصفة خاصة، وعلى القارة الأفريقية بوجه عام. فانفصال الجنوب قد يسهم فى تفجر المشكلات الحدودية بين شمال وجنوب السودان، لا سيما حول منطقة ابيى. كما أنه ربما يكون مقدمة لسلسلة من الحركات الانفصالية فى أفريقيا والعالم العربى. وقد يكون له أيضاً تداعيات سلبية على مسألة التعاون المائى بين دول حوض نهر النيل، وكذا على تماسك وفاعلية التنظيمات الإقليمية التى تشارك السودان فى عضويتها.
بالنسبة للمنظمات الإقليمية، فلا شك أن اعتراف الاتحاد الأفريقى والجامعة العربية و" الهيئة الحكومية للتنمية فى شرق أفريقيا " إيجاد " بدولة الجنوب الوليدة سوف يضع تلك التنظيمات فى مأزق عميق، إذ يعد ذلك سابقة خطيرة ربما تعصف بمبدأ " احترام الحدود المورثة لدى الاستقلال"، وهو أحد المبادئ التى يقوم على أساسها الاتحاد الأفريقى، والتى ساهمت إلى حد كبير فى منع كثير من نزاعات الحدود الأفريقية. وقد يمثل ذلك تهديداً لمبدأ السلامة الإقليمية للدولة الوطنية فى أفريقيا والعالم العربى، التى يمكن أن تتفتت بفعل تنامى الاتجاهات الانفصالية فى القارة. وربما يدفع ذلك العديد من الدول إلى الانسحاب من عضوية تلك التنظيمات، على نحو ما فعلت المملكة المغربية عام 1984، بعد اعتراف منظمة الوحدة الأفريقية آنذاك بالصحراء الغربية، وقبولها عضواً بالمنظمة.
وقد دفع التخوف من تلك التداعيات السلبية الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى إلى التصريح بأن ما حدث فى 9 يناير 2005، لدى توقيع اتفاق السلام الشامل بشأن قضية الجنوب (اتفاق نيفاشا) كان خطأ هيكلياً، وأنه كان على المفاوضين أن يضعوا عدداً من الاحتمالات في استفتاء تقرير المصير، وألا يحصروه فى خيارى الانفصال أو الوحدة. والواقع أن السيد عمرو موسى له كل الحق فى ذلك، فمبدأ حق تقرير المصير الذى قصد به التخلص من الاستعمار أصبح يستخدم الآن فى تفتيت الدول الموحدة، بداية بالسودان والبقية تأتى.
أما بالنسبة لدول الجوار، فلا شك أن انفصال الجنوب السودانى سوف يكون له تداعيات سلبية على مصر. فعلى مستوى الاستقرار السياسى والأمنى، من المتوقع أن تزداد مصادر التهديد للأمن الوطنى المصرى، فى حال تدفق موجات اللاجئين السودانيين إليها لدى حدوث مواجهات عسكرية بين الشمال والجنوب. كما أن تفتيت السودان ربما يشجع على انتقال تلك المخططات التفتيتية إلى مصر. حتى أن البعض ذهب إلى أن ما يحدث فى السودان من تقسيم إنما المقصود به فى النهاية هو (محاصرة مصر).
وبالنسبة للأمن المائى المصرى، فقد بات مهدداً، خاصة إذا أدركنا أن حوالي 45% من حوض النيل يقع في جنوب السودان. وأن 90% تقريباً من جنوب السودان يقع داخل حوض النيل، وأن 28% من مياه النيل تعبر الحدود من جنوب السودان إلى الشمال ومن ثمّ إلى مصر، وأن كمية المياه التي يمكن استخلاصها من مستنقعات جنوب السودان وإضافتها لنهر النيل قد تصل إلى حوالي20 مليار متر مكعب. كما أن اتفاقية نيفاشا لم تتضمن أى إشارة إلى مشروعات لزيادة إيراد مياه النيل من مستنقعات جنوب السودان أو إلى قناة جونجلي.
كل ذلك يزيد من تعقيدات المشكلة بين دول حوض النيل، خاصة إذا انضمت دولة الجنوب السودانى إلى اتفاق عنتيبى، الذى وقعته دول المنابع فى14مايو2010، وهو أمر متوقع، الأمر الذى يعنى بالطبع معارضتها للاتفاقيات السابقة لتقاسم المياه، لا سيما اتفاقيتى 1929، و1959، وربما المطالبة بتعديل حصص تقسيم المياه بين دول حوض النيل، وهو ما يعنى زيادة عدد الدول المعارضة للموقف المصرى من قضايا الأمن المائى ومعايير تقسيم المياه فى حوض النيل.
وبالنسبة لإثيوبيا، فمن المتوقع أن يؤدى الانفصال إلى إثارة النعرات الانفصالية فيها، خاصة من جانب جماعة الأورمو (40% من سكان إثيوبيا)، وإقليم أوجادين، الذى يعد أبناؤه أنفسهم جزءاً من الصومال الكبير. ويزداد هذا الهاجس الانفصالى فى ظل أن الدستور الاثيوبي ينص على حق القوميات في تقرير مصيرها. وهنا فمن المرجح أن يمثل انفصال الجنوب تهديداً لمقومات مشروع " القومية الإثيوبية "، التي قامت على اللغةالأمهرية والعقيدة الأرثوذكسية وأسطورة الدماء المقدسة التي تجرى في عروق ملوكإثيوبيا من الأمهرة.
لكن الأمر قطعاً سيختلف بالنسبة لكينيا، التى ربما تكون أكثر المستفيدين من الانفصال. حيث تتمتع القيادة الكينية بعلاقات وثيقة مع قيادات الحركة الشعبية. كما شهدت الفترة الانتقالية التالية لاتفاق نيفاشا تنامياً فى الروابط الاقتصادية والتجارية بين كينيا وجنوب السودان. فأصبح الجنوب يعتمد على ميناء ممباسا فى تغطية 40% من حاجته منالمواد الغذائية والمحروقات. كما ازداد عدد المواطنين الكينيين فى جنوب السودان إلى زهاء 10 آلاف كينى، من بينهم المستثمرون، والكوادر البشرية التى تسهم فى عمليات التنمية والاستقرار السياسى فى الجنوب. كما افتتحت البنوك وشركات الطيران الكينية فروعاً لها فى الجنوب.
فى هذا الإطار يمكن القول بأن دولة الجنوب الجديدة ستكون أملاً للاقتصاد الكينى، خاصة مع تحول كل الطرق البرية وخطوط أنابيب البترول إلى أراضيها. وبالفعل بدأت الجهات الرسمية فى كينيا فى دراسة إمكانية نقل وتصدير نفط جنوب السودان عبر ميناء ممباسا، خاصة أن تكلفة ومسافة النقل عبر ممباسا ستكون أقل من جنوب السودان إلى بورتسودان شمالا.
وبالنسبة لأوغندا، التى قادت الحملة المحرضة على قيام دولة الجنوب، فهى تنظر للجنوب السودانى باعتباره منطقة عازلة بين الحدود الأوغندية والسودان الشمالي. وهو ما يعنى قطع الطريق أمام حركات المعارضة المسلحة للنظام الأوغندى على الحدود الشمالية لأوغندا، لا سيما من جانب جماعة " جيش الرب للمقاومة " . كما يسعى الرئيس الأوغندى موسيفنى إلى بناء محور إقليمى جديد يمكن أن يكون له فى إطاره نفوذ قوى. ويتمثل هذا المحور فى إقامة " دولة التوتسي الكبري"، فى إقليم البحيرات العظمى. كما توجد طموحات أوغندية فى الاستفادة من الثروة النفطية فى الجنوب. فضلاً عن ذلك، يعتبر الجنوب السودانى سوقا واعدة أمام الصادرات الأوغندية.
وبالنسبة لإريتريا وتشاد، فهما يتخوفان من انفصال الجنوب ، لا سيما تشاد التى تخشى من تداعيات تفجر الصراع فى دار فور. أما الكونغو الديموقراطية، فيبدو أنها غير مكترثة بما يجرى فى السودان، خاصة أن الخطر دائماً ما يأتيها عبر حدودها الشرقية، وليس عبر الحدود مع السودان. أما أفريقيا الوسطى، فيبدو أن المشكلات الداخلية التى تعانيها لم تتح لها الفرصة لتأمل التغيير المحتمل فى هوية ذلك الجار الجديد، وانعكاسات ذلك عليها.
على أى حال، يمكن القول باطمئنان إن انفصال جنوب السودان سيؤدى إلى تغييرات جوهرية في المحيط الإقليمي للقارة الأفريقية، نظراً لما قد يترتب عليه من تهديد للسلامة والوحدة الإقليمية للدولة فى أفريقيا، وكذا تقويض تماسك المنظمات الإقليمية فى القارة. وهو ما يقتضى التحسب لتلك التداعيات السلبية، مع مراجعة مبدأ تقرير المصير، الذى يبدو وكأنه المعول الجديد لهدم الدولة الوطنية فى أفريقيا.
____________________
مدرس العلوم السياسية ، نائب مدير مركز الدراسات السودانية ، معهد البحوث والدراسات الأفريقية ، جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.