مكافأة مالية شهرية للصيادلة في القانون الجديد.. تفاصيل    45 فرصة عمل برواتب تصل إلى 36 ألف جنيه.. تعرف عل وظائف المصريين بالأردن 2025    رئيس شعبة الذهب يفسر حالة الانخفاض الكبير بالأسعار ويوضح توقعاته    أبو الغيط: حضور الرؤساء قمة 17 مايو الجاري لن يكون كاملا.. والاجتماع بحد ذاته رسالة أن العرب موجودون    ماني يكتب التاريخ مع النصر بأول سوبر هاتريك    عرض المتهم على مصحة نفسية بعد الحكم بإعدامه لقتله نجل شقيقه في العياط    «نشاط للرياح وأمطار على هذه المناطق».. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس غداً    ماس كهربائي السبب.. إصابة ربة منزل وشاب في حريق شقة بالطالبية    جدول امتحانات الترم الثاني للصف الخامس الابتدائي في الغربية    متابعة وتقييم الأداء بمستشفيات أشمون لدعم تطوير المنظومة الصحية    ترامب يدافع عن الطائرة هدية قطر: لست غبيا لأرفضها.. وقدمنا لهم الكثير من مساعدات الأمن والسلامة    من الإعارة إلى التألق.. إيريك جارسيا "ورقة رابحة" في يد فليك    محبوس بكفر الدوار ومزور اسمه.. كيف سقط المتهم في جريمة شقة محرم بك؟    وزير السياحة: مصر ماضية بخطى ثابتة لاستعادة آثارها المهربة بطرق غير شرعية    أستاذ علوم سياسية: إنهاء صفقة عيدان ألكسندر خطوة مهمة فى دعم القضية الفلسطينية    تطور جديد فى خلاف أبناء محمود عبد العزيز ضد بوسي شلبي    أحمد فهمي يستعد لمسلسل جديد بعنوان «ابن النادي» (تفاصيل)    «بيئة العمل تحتاجهم».. 4 أبراج تترك أثرًا إيجابيًا لا يُنسى في أماكنهم    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    أتالانتا ضد روما.. التشكيل الرسمي لقمة الدوري الإيطالي    إطلاق الخطة العاجلة للسكان والتنمية والبرنامج القومي للوقاية من التقزم    نادية الجندي تخطف الأنظار بإطلالة شبابية جديدة | صورة    الأمم المتحدة: سكان غزة يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي    أمينة الفتوى: هذه أدعية السفر منذ مغادرة المنزل وحتى ركوب الطائرة لأداء الحج    أمينة الفتوى: الزغاريد عند الخروج للحج ليست حراماً لكن الأولى الالتزام بالأدب النبوي    يونيفيل: العثور على 225 مخبأ للسلاح جنوبي لبنان    ما حكم إقامة العلاقة الزوجية أثناء الحج؟.. أمين الفتوى يجيب    طلاب إعلام الاهرام الكندية تعيد فرقة رضا للجمهور ب إبهار تراثي عصري جديد    قطرة شيطان.. قتل خالته وسهر بجوار جثتها مخمورًا حتى طلوع الفجر (كواليس جريمة بشعة)    بالصور.. الكشف على 3400 مواطن في قافلة طبية لجامعة أسيوط بغرب أسوان    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    تأجيل إعادة محاكمة 5 متهمين ب"الخلية الإعلامية" لجلسة 10 يونيو    «تلاعب في العدادات وخلطات سامة».. 5 نصائح لحماية سيارتك من «غش البنزين»    معاش المصريين العاملين بالخارج 2025: الشروط والمستندات وطريقة الاشتراك    يُسلط الضوء على المواهب الصاعدة.. الكشف عن الشعار الرسمي لكأس العالم تحت 17 سنة    أسعار الحديد ومواد البناء اليوم الإثنين 12 مايو 2025    الكرملين: بوتين حدد موقفه بشكل واضح بشأن استئناف المفاوضات مع أوكرانيا    تفاصيل الحملة القومية الأولى ضد مرض الحمى القلاعية وحمى الوادى المتصدعة أسوان    فان دايك: أنا ومحمد صلاح كنا في موقف أرنولد.. وعلى الجميع أن يحترم قراره    اعتماد أوروبي لقصر العيني كمركز متخصص في رعاية مرضى قصور القلب    رئيس جامعة أسوان يتفقد امتحانات كلية التجارة    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    براتب 6500.. فرص عمل في شركة مقاولات بالسعودية    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    فانتازي.. ارتفاع سعر لاعب مانشستر سيتي    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    تداول 14 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    العراق: الواقع العربي يتطلب وقفة جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    مصادر: بورصة مصر تبحث قيد فاليو الأربعاء المقبل    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    إنبي: ننتظر نهاية الموسم لحساب نسبة مشاركة حمدي مع الزمالك.. وتواصل غير رسمي من الأهلي    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    حالة الطقس اليوم في السعودية    أمام العروبة.. الهلال يبحث عن انتصاره الثاني مع الشلهوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب السودان ونذر الفوضى الإقليمية
نشر في المشهد يوم 13 - 08 - 2011

من المتوقع أن يكون لانفصال الجنوب السودانى تداعيات متباينة– أغلبها سلبى- على الأوضاع فى دول الجوار الجغرافى والإقليمى بصفة خاصة، وعلى القارة الأفريقية بوجه عام. فانفصال الجنوب قد يسهم فى تفجر المشكلات الحدودية بين شمال وجنوب السودان، لا سيما حول منطقة ابيى. كما أنه ربما يكون مقدمة لسلسلة من الحركات الانفصالية فى أفريقيا والعالم العربى. وقد يكون له أيضاً تداعيات سلبية على مسألة التعاون المائى بين دول حوض نهر النيل، وكذا على تماسك وفاعلية التنظيمات الإقليمية التى تشارك السودان فى عضويتها.
بالنسبة للمنظمات الإقليمية، فلا شك أن اعتراف الاتحاد الأفريقى والجامعة العربية و" الهيئة الحكومية للتنمية فى شرق أفريقيا " إيجاد " بدولة الجنوب الوليدة سوف يضع تلك التنظيمات فى مأزق عميق، إذ يعد ذلك سابقة خطيرة ربما تعصف بمبدأ " احترام الحدود المورثة لدى الاستقلال"، وهو أحد المبادئ التى يقوم على أساسها الاتحاد الأفريقى، والتى ساهمت إلى حد كبير فى منع كثير من نزاعات الحدود الأفريقية. وقد يمثل ذلك تهديداً لمبدأ السلامة الإقليمية للدولة الوطنية فى أفريقيا والعالم العربى، التى يمكن أن تتفتت بفعل تنامى الاتجاهات الانفصالية فى القارة. وربما يدفع ذلك العديد من الدول إلى الانسحاب من عضوية تلك التنظيمات، على نحو ما فعلت المملكة المغربية عام 1984، بعد اعتراف منظمة الوحدة الأفريقية آنذاك بالصحراء الغربية، وقبولها عضواً بالمنظمة.
وقد دفع التخوف من تلك التداعيات السلبية الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى إلى التصريح بأن ما حدث فى 9 يناير 2005، لدى توقيع اتفاق السلام الشامل بشأن قضية الجنوب (اتفاق نيفاشا) كان خطأ هيكلياً، وأنه كان على المفاوضين أن يضعوا عدداً من الاحتمالات في استفتاء تقرير المصير، وألا يحصروه فى خيارى الانفصال أو الوحدة. والواقع أن السيد عمرو موسى له كل الحق فى ذلك، فمبدأ حق تقرير المصير الذى قصد به التخلص من الاستعمار أصبح يستخدم الآن فى تفتيت الدول الموحدة، بداية بالسودان والبقية تأتى.
أما بالنسبة لدول الجوار، فلا شك أن انفصال الجنوب السودانى سوف يكون له تداعيات سلبية على مصر. فعلى مستوى الاستقرار السياسى والأمنى، من المتوقع أن تزداد مصادر التهديد للأمن الوطنى المصرى، فى حال تدفق موجات اللاجئين السودانيين إليها لدى حدوث مواجهات عسكرية بين الشمال والجنوب. كما أن تفتيت السودان ربما يشجع على انتقال تلك المخططات التفتيتية إلى مصر. حتى أن البعض ذهب إلى أن ما يحدث فى السودان من تقسيم إنما المقصود به فى النهاية هو (محاصرة مصر).
وبالنسبة للأمن المائى المصرى، فقد بات مهدداً، خاصة إذا أدركنا أن حوالي 45% من حوض النيل يقع في جنوب السودان. وأن 90% تقريباً من جنوب السودان يقع داخل حوض النيل، وأن 28% من مياه النيل تعبر الحدود من جنوب السودان إلى الشمال ومن ثمّ إلى مصر، وأن كمية المياه التي يمكن استخلاصها من مستنقعات جنوب السودان وإضافتها لنهر النيل قد تصل إلى حوالي20 مليار متر مكعب. كما أن اتفاقية نيفاشا لم تتضمن أى إشارة إلى مشروعات لزيادة إيراد مياه النيل من مستنقعات جنوب السودان أو إلى قناة جونجلي.
كل ذلك يزيد من تعقيدات المشكلة بين دول حوض النيل، خاصة إذا انضمت دولة الجنوب السودانى إلى اتفاق عنتيبى، الذى وقعته دول المنابع فى14مايو2010، وهو أمر متوقع، الأمر الذى يعنى بالطبع معارضتها للاتفاقيات السابقة لتقاسم المياه، لا سيما اتفاقيتى 1929، و1959، وربما المطالبة بتعديل حصص تقسيم المياه بين دول حوض النيل، وهو ما يعنى زيادة عدد الدول المعارضة للموقف المصرى من قضايا الأمن المائى ومعايير تقسيم المياه فى حوض النيل.
وبالنسبة لإثيوبيا، فمن المتوقع أن يؤدى الانفصال إلى إثارة النعرات الانفصالية فيها، خاصة من جانب جماعة الأورمو (40% من سكان إثيوبيا)، وإقليم أوجادين، الذى يعد أبناؤه أنفسهم جزءاً من الصومال الكبير. ويزداد هذا الهاجس الانفصالى فى ظل أن الدستور الاثيوبي ينص على حق القوميات في تقرير مصيرها. وهنا فمن المرجح أن يمثل انفصال الجنوب تهديداً لمقومات مشروع " القومية الإثيوبية "، التي قامت على اللغةالأمهرية والعقيدة الأرثوذكسية وأسطورة الدماء المقدسة التي تجرى في عروق ملوكإثيوبيا من الأمهرة.
لكن الأمر قطعاً سيختلف بالنسبة لكينيا، التى ربما تكون أكثر المستفيدين من الانفصال. حيث تتمتع القيادة الكينية بعلاقات وثيقة مع قيادات الحركة الشعبية. كما شهدت الفترة الانتقالية التالية لاتفاق نيفاشا تنامياً فى الروابط الاقتصادية والتجارية بين كينيا وجنوب السودان. فأصبح الجنوب يعتمد على ميناء ممباسا فى تغطية 40% من حاجته منالمواد الغذائية والمحروقات. كما ازداد عدد المواطنين الكينيين فى جنوب السودان إلى زهاء 10 آلاف كينى، من بينهم المستثمرون، والكوادر البشرية التى تسهم فى عمليات التنمية والاستقرار السياسى فى الجنوب. كما افتتحت البنوك وشركات الطيران الكينية فروعاً لها فى الجنوب.
فى هذا الإطار يمكن القول بأن دولة الجنوب الجديدة ستكون أملاً للاقتصاد الكينى، خاصة مع تحول كل الطرق البرية وخطوط أنابيب البترول إلى أراضيها. وبالفعل بدأت الجهات الرسمية فى كينيا فى دراسة إمكانية نقل وتصدير نفط جنوب السودان عبر ميناء ممباسا، خاصة أن تكلفة ومسافة النقل عبر ممباسا ستكون أقل من جنوب السودان إلى بورتسودان شمالا.
وبالنسبة لأوغندا، التى قادت الحملة المحرضة على قيام دولة الجنوب، فهى تنظر للجنوب السودانى باعتباره منطقة عازلة بين الحدود الأوغندية والسودان الشمالي. وهو ما يعنى قطع الطريق أمام حركات المعارضة المسلحة للنظام الأوغندى على الحدود الشمالية لأوغندا، لا سيما من جانب جماعة " جيش الرب للمقاومة " . كما يسعى الرئيس الأوغندى موسيفنى إلى بناء محور إقليمى جديد يمكن أن يكون له فى إطاره نفوذ قوى. ويتمثل هذا المحور فى إقامة " دولة التوتسي الكبري"، فى إقليم البحيرات العظمى. كما توجد طموحات أوغندية فى الاستفادة من الثروة النفطية فى الجنوب. فضلاً عن ذلك، يعتبر الجنوب السودانى سوقا واعدة أمام الصادرات الأوغندية.
وبالنسبة لإريتريا وتشاد، فهما يتخوفان من انفصال الجنوب ، لا سيما تشاد التى تخشى من تداعيات تفجر الصراع فى دار فور. أما الكونغو الديموقراطية، فيبدو أنها غير مكترثة بما يجرى فى السودان، خاصة أن الخطر دائماً ما يأتيها عبر حدودها الشرقية، وليس عبر الحدود مع السودان. أما أفريقيا الوسطى، فيبدو أن المشكلات الداخلية التى تعانيها لم تتح لها الفرصة لتأمل التغيير المحتمل فى هوية ذلك الجار الجديد، وانعكاسات ذلك عليها.
على أى حال، يمكن القول باطمئنان إن انفصال جنوب السودان سيؤدى إلى تغييرات جوهرية في المحيط الإقليمي للقارة الأفريقية، نظراً لما قد يترتب عليه من تهديد للسلامة والوحدة الإقليمية للدولة فى أفريقيا، وكذا تقويض تماسك المنظمات الإقليمية فى القارة. وهو ما يقتضى التحسب لتلك التداعيات السلبية، مع مراجعة مبدأ تقرير المصير، الذى يبدو وكأنه المعول الجديد لهدم الدولة الوطنية فى أفريقيا.
____________________
مدرس العلوم السياسية ، نائب مدير مركز الدراسات السودانية ، معهد البحوث والدراسات الأفريقية ، جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.