"مصر جاية".. كلمته الدائمة منذ ثورة 25 يناير تاريخ حافل من النضال والمعارضة اعتقل 9 مرات فى عهد السادات "مصر جاية" هى الجملة التى ظل يرددها مؤخرا منذ انطلاق الموجات الثورية ورغم معارضته للكثير من مجرياتها حتى صرعه المرض، قرر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى علاجه على نفقة الدولة بمستشفى القوات المسلحة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، هو أبو العز حسن على الحريرى، المعروف ب"أبو العز الحريرى"، المناضل اليسارى المشاكس، والمعارض القوى للرئيس الراحل أنور السادات، والمخلوع حسنى مبارك، والمجلس العسكرى عقب ثورة 25 يناير، والمعزول محمد مرسى، من مواليد 2 يونيه 1946، يقول عن نفسه إنه يضع نفسه فى المرتبة الثانية بعد المصلحة العامة، والتى يحارب ويُطرد من أجلها، طُرد الراحل من عمله عام 1975 بسبب نشاطاته السياسية. عاش عمره مهموما بقضايا مصر وفقرائها، واقترن اسمه بكلمة "المناضل اليسارى"، الذى توفى الأربعاء الماضى، عن عمر يناهز 68 عاما، بعد صراع طويل مع المرض بمستشفى مصطفى كامل للقوات المسلحة بالإسكندرية. رحل آخر السياسيين البسطاء، فلم يكن أبو العز الحريرى يملك من "عز" الحياة شيئا يذكر إلا مكتبته التى يعيش من دخلها وسيارته التى لا يملك سواها. لم يملك من "عز" سوى صراع معه طوال سنوات بالعديد من الاستجوابات وطلبات الإحاطة، بشأن احتكار تجارة الحديد والمصانع المتمركزة بالإسكندرية. ولد الحريرى فى 2 يونيو 1946 بقريه الدواخلية فى مركز المحلة الكبرى، حيث كان والده حسن على الحريرى فلاحًا ووالدته ربه منزل، وتلقى تعليمه الابتدائى فى المحلة الكبرى، حتى حصل على دبلوم الصنايع، قسم الغزل والنسيج، أثناء عامه ال 18، ثم توجه إلى الإسكندرية، واستقر هناك وعمل فى الشركة الأهلية للغزل والنسيج، ليبدأ من هناك رحلة نضاله الوطنى. .. مشاركته فى 25 يناير وترشحه للرئاسة خاض الحريرى فى 2009 سباق رئاسة حزب التجمع ضد رفعت السعيد، وبعد خسارته للانتخابات تم إسقاط عضويته فى الحزب، وأسس بعد ثورة 25 يناير حزب التحالف الشعبى الاشتراكى بالاشتراك مع بعض رموز اليسار. كان أبو العز فى مقدمة الصفوف فى ثورة 25 يناير، وكان صوتًا للمظلومين فى النقابة والمجلس المحلى وتحت قبة البرلمان وخارجها، وكان رئيس الكتلة البرلمانية لتحالف "الثورة مستمرة"، كما رشحه حزب التحالف الشعبى الاشتراكى لانتخابات الرئاسة المصرية 2012، ولم يحالفه الحظ. كان أول مرشح رئاسى يتنافس مع خصومه بميزانية لا تصل لحد العشرة آلاف جنيه، بينما اعتمد منافسوه على رجال أعمال وتبرعات وملصقات وتراجعت ملصقاته لحد كبير واعتمدت فقط على التعريف بترشحه. فهو أيضا لم يحظ بالزخم الإعلامى الذى حازه منافسوه فى الانتخابات الرئاسية، خلال إجراؤها أو عقب انتهائها ليتحولوا إلى نجوم إعلامية، بينما عاد هو من معركة دخلها وطعن عليها فى ذات الوقت كأحد المفارقات التى ارتبطت باسمه فى أعوامه الأخيرة، فهو الذى حرك دعوى قضائية ضد الانتخابات الرئاسية قبل خوضها وطعن على الانتخابات البرلمانية– عام 2011 – قبل خوضها وعقب الفوز بها. اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل النائب المشاغب اشتهر المناضل اليسارى الحريرى ب"النائب المشاغب" لمعارضته الدائمة لسياسات الاستبداد فى البرلمان وخارجه حاملًا هموم الفقراء والعمال. ودخل سباق الانتخابات البرلمانية عام 1976 بالإسكندرية، عن دائرة كرموز على مقعد العمال، وفى 1977 سحب البرلمان منه الحصانة، وبعد اغتيال السادات عاد الحريرى ليصبح نائبا من جديد عن دائرته "كرموز" عام1984، واستطاع النائب المخضرم أن يفوز نائبًا للمرة الثانية عام 1984م عن نفس الدائرة. عاد الحريرى إلى البرلمان مرة أخرى، ولكن فى هذه المرة بعد غياب طويل عام 2000، فى ظل الإشراف القضائى على الانتخابات كممثل لدائرة كرموز، مارس جميع حقوقه الدستورية فى انتقاد السلطة التنفيذية كاشفًا فساد النظام والحزب الوطنى، الذين كان أحد الركائز الأساسية من خلال هذه الدورة البرلمانية لوضع دائرة الضوء حول فساده، كما دخل العديد من المعارك مع كبار الشخصيات والمسئولين سواء فى الحكومة أو الحزب الوطنى. شارك الحريرى فى الدورة البرلمانية لمجلس الشعب عام 2012 عن دائرة كرموز بالإسكندرية، وهاجم خلالها المجلس العسكرى بقوة فى بداية جلسات البرلمان، متهمًا إياه بأنه يدير الثورة المضادة، وكان من أبرز أقواله عن المجلس العسكرى، "إن مكان المشير طنطاوى هو السجن بجوار مبارك". كانت أبرز معاركه السياسية، حينما اشتبك مع أحمد عز فى بداية صعوده وسيطرته على الحزب الوطنى من خلال صداقته لمبارك الابن، وتشكيل لجنة سياسات جمال مبارك، فقدم العديد من الاستجوابات ضد أحمد عز كاشفًا وفاضحًا استيلاءه على شركة حديد الدخيلة بالتواطؤ مع الحكومة، ليصبح المحتكر الأول للحديد، والمتحكم فى أسعاره لم يكتف بنقده الحزب الوطنى ورجاله المحتكرين، وإنما انتقد سياسات حزب التجمع الذى ينتمى إليه، رافضًا أى تنازل عن سياسة الحزب الداعية إلى التغيير، وانتقد صفقات الحزب مع الحزب الوطنى والحكومة، وشراء الدماغ من التزوير الذى تمارسه السلطة مقابل تعيين هنا أو هناك. كما عارض بشدة سياسات الإخوان فى برلمان 2011، وأصرَّ على أن البرلمان كيان غير شرعى بسبب قيامه على أساس باطل، قبل أن تقضى المحكمة الدستورية بحله بعد ذلك، كان الحريرى صوت العمال والبسطاء والثوار تحت قبة مجلس الشعب. اعتداء الإخوان على الحريرى عارض الحريرى، المعزول محمد مرسى منذ بداية حكمة، وقال "إن جماعة الإخوان المسلمين، تتعامل مع الشعب المصرى بمنطق البقاء للأقوى، ومسئولة عن حالة العنف التى تشهدها البلاد، من خلال اللجوء لمبدأ سلاح مطواة قرن الغزال، ووصف فترة حكم المعزول قائلا: نحن أمام حالة اغتصاب دولة". بعد عزل مرسى أقام الحريرى دعوى قضائية طالب فيها بحل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وتصفية أمواله، ورفض خوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ونصح السيسى بعدم خوض سباق الرئاسة. تعرض لمحاوله اغتيال فاشلة فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى، حيث تعرض للاعتداء هو وزوجته وتحطمت سيارته أمام المقر الرئيسى لجماعة الإخوان بالإسكندرية، بعد توجهه للقاء مدير أمن الإسكندرية بصحبة زوجته للتفاوض حول الإفراج عن بعض شباب الثورة المقبوض عليهم إلا أنه فوجئ بمؤامرة من بلطجية الإخوان وحزب الحرية والعدالة، الذين قاموا بالاعتداء عليه وعلى زوجته باستخدام سيوف وشوم، وقاموا بتحطيم السيارة وإصابته بالوجه والصدر بالآلات الحادة بتحريض من المهندس على عبد الفتاح، عضو جماعة الإخوان وصابر أبو الفتوح عضو الحرية والعدالة أثناء تواجدهما بمكان الحادث، وكان ذلك على مرأى ومسمع من مدير أمن الإسكندرية، وناصر العبد مدير مباحث الإسكندرية اللذين انقذاه من موت محقق"، بحسب بيان أصدره الحريرى آنذاك. اعتقاله اعتُقل الحريرى 9 مرات فى عهد السادات بسبب مشاركته فى المظاهرات، أبرزها اعتقاله فى انتفاضة الفلاحين يناير 1977، كان أبرزها بعد اتفاقية كامب ديفيد 1979، حيث بدأ الراحل حملة شعبية لرفض الاتفاقية، ووصفها بأنها خيانة، كما حشد الآلاف فى مظاهرات ترفض الاتفاقية. كما تعرض للاعتقال عام 1981م بسبب معارضته للنظام، حتى أنه كان سببا رئيسا فى أن الرئيس محمد أنور السادات حل البرلمان بسبب موقفه ضد اتفاقية السلام مع إسرائيل. واعتقل عام 1982 بسبب مواقفه السياسية ضمن 1531 شخصية من المنتمين لأحزاب وتيارات سياسية عديدة. مشاركته فى 30 يونيو شارك الحريرى بقوة فى مليونية 30 يونيو، الذى اسقطت نظام الإخوان، وتم عزل الرئيس محمد مرسى على إثرها، إلا أن المرض لم يمهل جسده المنهك ليرى الثمار الكاملة لما أنجزه فرقد بأحد المستشفيات العسكرية فى الأسابيع القليلة الماضية، وتلقى اتصالًا من الرئيس السيسى الذى كان مهتما بالاطمئنان على صحته كما أعلنت القوات المسلحة تكفلها بعلاجه على نفقتها تقديرًا لدوره الوطنى، ولكن الحريرى رحل فى صمت.